حكومة السيد السوداني.. التحديات الآنية والمستقبلية
د. طارق عبد الحافظ الزبيدي
2024-02-05 05:50
تشكلت حكومة السيد محمد شياع السوداني بعد مخاض عسير من الصراعات السياسية بين الكتل، بعدما تنازعت الاخيرة بين فكرتين متناقضتين (حكومة الاغلبية السياسية والحكومة التوافقية)، وفي النهاية كتب النجاح الى الفكرة الثانية، حيث كانت حكومة السوداني نتيجة توافق اغلب الكتل دون التيار الصدري الذي قرر الانسحاب من قبة البرلمان يوم 12/6/2022، ومنذ اليوم الاول لاختيار البدلاء المنسحبين تحول المسار السياسي واصبح الاطار التنسيقي هو صاحب الاغلبية المريحة في داخل قبة البرلمان، وبعد الاتفاق مع الكتل السياسية الاخرى تحت عنوان (ائتلاف ادارة الدولة) اصبح الطريق سالك امام تشكيل الحكومة ولكن مستقبلها غير معبد بسبب وجود عدد من التحديات الانية والمستقبلية.
للعلم يؤشر على الحكومة بعد مرور سنة تقريباً بوادر نهضة في مجال الخدمات، صحيح البعض يسجل اعتراض على طبيعة الشركات العاملة من حيث الكفاءة وسرعة الانجاز، لكن البداية صحيحة عند اغلب المتابعين، وبالرغم من شروع حكومة محمد السوادني بتطبيق بنود برنامجه الحكومي المصوت عليه داخل قبة البرلمان، لكن تواجه حكومته تحديات آنية ومستقبلية يمكن ان نذكر أبرزها:
التعامل مع التواجد الامريكي في العراق
اهم واكبر تحدي للحكومة العراقية الحالية هو كيفية التعامل مع ملف التواجد الامريكي، بالرغم من الاعلان الرسمي لانسحاب القوات الامريكية من العراق منذ عام 2011، الا ان احداث اجتياح التنظيمات الارهابية داعش عام 2014 اعادت تواجدهم تحت عنوان التحالف الدولي ضد داعش، وفي ظل تصاعد تداعيات حرب غزة اصبحت هناك ضربات متبادلة بين فصائل المقاومة العراقية والقوات الامريكية مما جعل الحكومة امام اختبار صعب للغاية، حيث لا يمكن لها ان تختار خيار واضح وتصطف مع احد الطرفين المتناقضين، مما جعلها تذهب الى فكرة التوفيق بينها من خلال الدعوة الى الحوار وتشكيل لجان مختصة لغرض الاتفاق على الانسحاب الكلي للقوات الامريكية من العراق.
هذه الحوارات مهمة ولكن يكنفها الغموض وعدم الوضوح، بل الاكثر من ذلك هناك اختلاف بين الطرفين بخصوص طبيعتها، حيث البيان الرسمي العراقي اشار الى ان هدف هذه الحوارات لغرض اخراج القوات الامريكية، في حين نجد ان البيان الرسمي الامريكي يتحدث عن الانتقال من التعامل الجماعي ضمن التحالف الدولي الى التحالف الثنائي بين الجانب الامريكي والعراقي، وتم نفي فكرة الانسحاب الكلي من العراق.
وهنا نؤكد على ان الحكومة العراقية تعاملت بحذر مع هذا الملف، ولا تمتلك خيارات متعددة بل خيارات محدودة، وتحاول من خلال سياسة عقلانية توافقية ان تجمع في تعاملها مع هذا الملف بين الخيار الدبلوماسي واستعمال القوة الناعمة في احراج الامريكان لغرض قبولهم بفكرة الخروج مضطرين، وفي نفس الوقت تحاول ان تكسب رضا القوى السياسية والعسكرية التي تناهض التواجد الامريكي في العراق.
شخصية المرشحين ومطالب الكتل
النزاع الذي يحدث مع كل تشكيل حكومة هو الاصرار من قبل بعض الكتل السياسية على مرشحين معينين دون اعطاء أي فرصة لرئيس الوزراء في الاختيار، بل حتى فكرة تقديم ثلاثة مرشحين تم تسويفها، لذلك نجد ان الاغلبية تقدم مرشح واحد غير قابل للتغيير، ولذلك نجد الكتل السياسية فرضت على السيد السوداني بعض الشخصيات مما يجعل عملية استبدالها في المستقبل اذا فشلت في تحقيق البرنامج الحكومي المعلن سيؤدي الى ظهور خلافات بين الكتل السياسية والسيد رئيس الوزراء، مما قد يجعل الحكومة في تحدي كبير اذا ما فكر السيد رئيس مجلس الوزراء ان يستبدل احد الوزراء بسبب اخفاقه او لأي سبب آخر، بل سوف يضطر ان يبقي على كابينته الوزارية دون تغيير يذكر باستثناء الاستبدال بعلم وموافقة الكتل السياسية التي رشحت هذا الوزير او ذلك المسؤول.
اعادة تعزيز الثقة مع جمهور التيار الصدري
بالرغم من رغبة السيد السوداني على كسب ثقة التيار الصدري من خلال وضعه عدد من مطالبهم ضمن البرنامج الانتخابي، الا ان عملية اعادة الثقة ليست مهمة سهلة في ظل الاوضاع السياسية القائمة، مما يجعل فكرة خروج تظاهرات للتيار الصدري في المستقبل قائمة ويبقى التوقيت والحجج والمبررات مرتبطة بالإجراءات الحكومية من حيث النجاح والفشل، بل في احيان كثيرة توقيت التظاهرات لا ترتبط بتقييم الحكومة بل يرتبط بملفات كثيرة ابرزها المطالبة بانتخابات مبكرة او اغلاق السفارة الامريكية او اخراج الابرياء من السجون وغيرها من المطالب التي تشكل تحديا حقيقيا لحكومة السيد السوداني في التعامل المستقبلي مع هذه التظاهرات المتقطعة ومدى امكانية الاستجابة لمطالبها.
اعادة تعزيز الثقة مع جمهور تظاهرات تشرين
بالرغم من تراجع اعادة المتظاهرين الذين يمثلون حراك تشرين الذي ظهر بقوة عام 2019، الا انهم يمثلون تحديا لأي حكومة تتشكل، خاصة اذا ما اصاب الحكومة من فشل يؤثر على ادائها وتقديمها للخدمات، ولذلك حكومة السيد السوداني وغيرها سوف تبقى تحت مجهر تلك الجماهير، وعملية الخروج والتظاهر يرتبط الى حد كبير بالممارسات الحكومية لا سيما تلك المتعلقة بمكافحة الفساد ومعالجة اشكالية البطالة والفقر، وثقل هذه الاحتجاجات دائما ما تمثل التوجهات والاحزاب المدنية فضلا عن التنسيق العالي او الدعم والمساندة غير المعلنة والتنسيق الكبير مع التظاهرات المستقبلية التي قد يقودها التيار الصدري في المستقبل القريب.
اعادة ثقة المواطن بالعملية الانتخابية
ان المتابع للدورات الانتخابية التي جرت في العراق منذ عام 2005 ولغاية 2021 يجد انها في تراجع ملحوظ، ففي البداية كنا نتحدث عن نسب 70%، وفي آخر انتخابات جرت في العراق أصبح العكس حيث ان نسبة المقاطعة بدأت تقترب من نسبة 70%، وهذا يعني فقدان للثقة بالعملية السياسية بشكل عام والعملية الانتخابية على نحو الخصوص، لذلك على السيد السوداني ان يعمل عدد من الخطوات التي تشجع المواطن على ضرورة ان يمارس دوره في الانتخابات القادمة والتي تم جدولتها في البرنامج الحكومي بحدود عام من الان.
انتخابات مجالس المحافظات التي جرت في الثامن عشر من كانون الاول من عام 2023، فيها مؤشرات لعزوف واضحة، حتى النسبة التي اعلنت من قبل المفوضية المستقلة للانتخابات (41%) فيها استثناء للذين لم يستلموا بطاقة الناخب البايومترية، بمعنى اذا ما تم حساب عدد من يحق لهم التصويت ومن لم يصوت تصبح نسبة المشاركة من النسبة المشار اليها اعلاه، التحدي المستقبلي هو كيف يمكن تفعيل المشاركة الواسعة في الانتخابات القادمة لمجلس النواب في ظل الاحباط الكبير والعزوف الواضح وانعدام الثقة المتصاعدة.
استمرار دعم الكتل السياسية لحكومة السيد السوداني
الكتل السياسية جميعها تترقب ما سوف ينجزه السيد السوداني، واغلب الكتل السياسية تقرن مسألة الدعم بالمنجز، مما يعني ان امام السيد السوداني مهمة العمل لغرض استمرار الدعم، فضلا عن ذلك ان حكومة السيد السوداني هي نتيجة اتفاق كتل سياسية معينة على عدد من البنود (اتفاق ادارة الدولة) مما يعني ان السيد السوداني ملزم بتنفيذ الاتفاقات التي جرى الاتفاق حولها، مما يجعل الدعم من باقي الكتل مشروط بتنفيذ ما تم الاتفاق حوله في ائتلاف ادارة الدولة.
بالرغم من التزام السيد السوداني بالاتفاق الذي تضمن مسائل كثيرة ومتعددة وهي مطالب قدمتها القوى السياسية الكردية والقوى السياسية التي تمثل المناطق المحررة وهي اتفاقات تفصيلية لقضايا خلافية وتحتوي على توقيتات محددة، لكن حتى وان اعلن السيد السوادني على استمرار الالتزام بها لا يستطيع تنفيذها دون موافقة الكتل السياسية الكبيرة لاسيما الاطار التنسيقي، ويبدو ان كتل الاطار قد تخلت عن اغلب تلك الاتفاقات، مما جعل رئيس مجلس الوزراء امام حرج كبير كون الاتفاقات ملزمة ليس لكونها اتفاق سياسي بل كونه اصبح ملزم بها لأنها ضمن البرنامج الحكومي، لذلك ذهبت الحكومة لتنفيذ الشق الخدمي من البرنامج وترك الشق السياسي والقانوني للمستقبل.
جميع التحديات سواء الآنية منها او المستقبلية يمكن تجاوزها بشرط التعاون بين الجانبين التشريعي والتنفيذي، لكن الكتل السياسية تحت قبة البرلمان ليست على رأي واحد بل الاختلاف هو سيد الموقف، كل كتلة لها رأي مخالف للكتل الاخرى، بل كل كتلة منقسمة في داخلها الى آراء متناقضة، الاختلاف حالة صحية، لكن في الحالة العراقية الاختلاف يتحول الى خلاف بالضرورة وبالتالي الصراع السياسي هو المعوق الحقيقي لنجاح أي حكومة في المستقبل، ولا يمكن التخلص من هذا الصراع السياسي الا من خلال التحول من حالة الصراع السياسي الى حالة التنافس السياسي، ولا يتم ذلك دون تنمية الوعي السياسي عن الناخب والمنتخب.
في الختام لابد من التأكيد على ان جميع العراقيين يبنون آمال كبيرة على حكومة السيد السوداني، وعدد كبير منهم يتمنى نجاحها، لكن الامنيات لا تكفي، السيد رئيس الوزراء يحتاج الى دعم شعبي ودعم سياسي من قبل جميع الكتل، كون غيابهم يؤدي الى الفشل حتماً، خاصة وانها الحكومة الاولى من نوعها منذ 2005 قدمت برنامج واضح مفصل يحتوي على توقيتات زمنية، لذلك الرهان يرتبط بالدعم ولغاية الان لم يتخلى عن الحكومة احد.
ويبقى السؤال الاهم هل يستمر الدعم لغاية انتهاء الدورة البرلمانية ام لا؟، ثم السؤال الاكثر اهمية هل تقبل الكتل السياسية الكبيرة في داخل قبة البرلمان ان تجدد للسيد السوادني لغرض اكمال المهمة ام الصراع السياسي سيكون حاضرا، لاسيما وان بعض الكتل تتخوف من فوز حزب السيد السوداني اذا ما فكر ان يدخل في الانتخابات البرلمانية القادمة.