مفهوم معاداة الساميَّة
ياسين العطواني
2023-12-04 07:20
من المصطلحات المُتداولة في وسائل الإعلام المختلفة، لا سيما وسائل الإعلام الغربية ذات الخلفية الصهيونية، وكذلك على لسان أكثر من مسؤول في الكيان الأسرائيلي، يَرد مصطلح معاداة السامية، هذا المصطلح الغامض والذي يدور حوله لغط كبير، وسُخّر لأكثر من غرض وهدف سياسي، من قبل جهات ودوائر مرتبطة باللوبي اليهودي الذي يسيطر اليوم على أهم مراكز المال والإعلام والقرار في أكثر من مكان في العالم.
وهنا نود التأكيد بأنّنا لسنا بصدد الإسهاب في تعريف هذا المفهوم والخوض بمضامينه الفكرية والعقائديّة، إنما هي محاولة لتفكيك ما جاء به من مغالطات تاريخيّة وتشويهات دينيّة.
فالمصطلح وحسب تفسيرالمحافل الصهيونية يُشير إلى كراهية ومعاداة اليهود بشكل عام، والى أشخاص يعودون إلى أصول يهوديّة أو يدينون باليهوديّة.
لكن القراءة المُتأنية والموضوعيّة لحيثيات هذا المفهوم تظهر عكس ما جاء به، فهو أشبه بالاتهامات الكيديَّة، والتي عادةً ما توجه إلى الأطراف والشخصيات، وحتى وسائل الإعلام التي تنتقد ممارسات الدوائر الصهيونيّة عموماً، وحكومات الكيان الأسرائيلي، وما تقوم به من أعمال وتصرفات وحشيّة ضد الشعب الفلسطيني وعموم المنطقة.
وقد بلغ ذروة هذا التوحّش ما يجري اليوم ضد أطفال ونساء غزة.
وبموجب هذه المفهوم يتم تقسيم الأجناس البشريّة إلى ثلاثة فئات وهم الساميون، وينسبون إلى سلالة سام بن نوح، وتُشير هذه التسمية إلى الشعوب الساكنة في شبه الجزيرة العربية، وفي بلاد النهرين، والى بلاد الشام (سكان سوريا ولبنان وفلسطين).
والفئة الثانية هم الحاميون، وينسبون إلى حام بن نوح، ويقصد بهم الشعوب الساكنة في القارة الأفريقية، أما الفئة الثالثة فهم اليافثيون، وينسبون إلى يافث بن نوح، وهم أصل الشعوب الهندوأوروبية.
وكان المقصود بالعداء للسامية، وحسب التفسير التوراتي، هو عداء الشعوب الحامية واليافثية للشعوب السامية.
ولكن مع ذلك تم اختزال العداء للسامية في اليهود، وإخراج بقية الساميين من حضيرة السامية، واعتبار اليهود ساميين يعيشون في مجتمعات ليست سامية.
وقد عملت الحركة الصهيونية ومنذ إنشاء هذه الحركة على تكريس مفهوم العداء للسامية في المحافل الدولية، ووسائل الإعلام المختلفة، وقد حرصت على إلصاق هذه التهمة بالشعوب العربية والإسلامية، داعية اليهود العرب للهجرة إلى فلسطين بدعوى أن العرب ارتكبوا جرائم ومجازر ضد الأقلية اليهودية العربية.
وفي ظل أجواء مصطلح معاداة السامية بات الفهم الأساسي للتاريخ فهماً عنصرياً، يضع بني إسرائيل في كفّة والبشريّة بكاملها في كفّة، بل يصبح التاريخ العام للبشريّة هو تاريخ العداء للسامية.
وهكذا ابتدعت الحركة الصهيونية مفهوم معاداة السامية، وبدأت توظفه لتحقيق مصالحها بعدما اتخذت القيادات الصهيونية من ظاهرة معاداة السامية ذريعة لفصل الجماعات اليهودية في أوروبا عن المجتمعات المسيحية التي كانت تعيش بينها، وطورت على أساسها الفكرة القومية الموجهة لإنشاء ما يسمّى بالوطن القومي لليهود.
لقد حان الوقت لتصحيح هذه المفاهيم المغلوطة، وما تحمله من مغالطات تاريخيّة وتأويلات دينيّة توراتيّة، فمفهوم كراهية اليهود مفهوم غربي يشير إلى ظاهرة غربية وليس له وجود في المشرق، وبخاصة في المشرق العربي السامي، ولا في الشرق الإسلامي، وذلك لأنّ كراهية اليهود في الغرب نتيجة لمشكلة طورها الغرب وسماها بالمشكلة اليهودية، ولم يمثل اليهود مشكلة بالنسبة للشعوب الشرقية.
وبالعودة إلى المصادر التاريخية اليهودية نجد أن مصطلحي المشكلة اليهودية، والعداء للسامية لا يوجدان في قاموس العلاقات بين اليهود والشعوب الشرقية، ولكنهما يحتلان حيزاً كبيراً في قاموس العلاقات بين اليهود والشعوب الغربيّة.
كما أن اليهود في الغرب ليسوا ساميين، لأنّهم ومنذ وقت طويل أصبحوا أوروبيين على المستوى العقلي والإثني.
والأدهى من ذلك لم يكتفِ زعماء الحركة الصهيونيّة بتوظيف فكرة معاداة السامية لخدمة الأهداف القومية اليهودية في التاريخ اليهودي الحديث والمعاصر، وإنما نجدهم أسقطوا هذا المفهوم على التاريخ اليهودي في الماضي، وأعادوا تفسيره من وجهة نظر مفهوم معاداة السامية حتى أصبح التاريخ اليهودي القديم والوسيط لا يفهمان إلا من خلال معاداة السامية.
وهكذا يتبين لنا أن مفهوم معاداة السامية مغالطة تاريخية كبرى، وقضية سياسية تم توظيفها من قبل الحركة الصهيونية لخدمة أهداف توراتية مزعومة تسعى إلى تحقيقها على المدى القريب والبعيد.
حتى جعلوا من مفهوم معاداة السامية معادلاً لمفهوم معاداة الصهيونية، وأعتبار كل نقد لسياسات الكيان الإسرائيلي والحركة الصهيونية هو عداء للسامية.