الحلول الترقيعية والخيارات الخطرة

مصطفى ملا هذال

2023-11-09 05:43

يبدع السياسيون في العراق بخلق الحلول الترقيعية للمشكلات المتفاقمة يوما بعد آخر، وكأنهم أصبحوا اسياد لعبة الضحك على المواطنين، ودفع القضايا بقشة وترحيلها الى الدورات او الحكومات القادمة.

من الحلول الترقيعية التي لجأت اليها الحكومة لفك الاختناقات بالمدارس هو ابتداع الدوام المزدوج او الثلاثي، مقسمين الوقت الى ساعات قليلة لا يتمكن الأساتذة خلالها تقديم المواد الدراسية وفهمها من قبل الطلبة، وظهرت على خلفية هذه الاجراء الدراسي الدروس الخصوصية بكثافة عالية.

من اضرار هذا الاجراء الترقيعي هو اشعار الأهالي بأن الحكومة تسهر على رعايتهم، وتعتبر الدوام المزدوج حلا مثاليا للوصول الى بيئة تربوية قادرة على تحقيق التفوق والتقدم العلمي، لكنها على المدى البعيد عملت على مفاقمة الازمة وتعقيدها مع مرور الوقت بالشكل الذي لا يمكن تجاوزه.

ومن المعالجات الترقيعية الأخرى هو ما ذهبت اليه وزارة التربية عبر نشر المواد الدراسية على أحد المواقع التابعة لها، لتلافي مسألة تأخير طبع المناهج الدراسية خارج البلد بحثا وحسب ما تزعم الجهات المعنية عن الأفضل والانسب من الناحية المادية، لكن هذه العملية كبدت الأهالي خسائر كبيرة من خلال تحملهم مبالغ إضافية لشراء الملازم الدراسية.

ومن الحلول الترقيعية الأخرى هو قيام البنك المركزي تقليص سقف بيع الدولار للمسافرين في العراق من سبعة آلاف الى الفي او ثلاثة ألف دولار فقط، بدواعي ان هذا الامر سيقلل من عمليات الاحتيال التي تتم عبر المسافرين المستأجرين، وسيخفف الزخم الحاصل عند بوابات البنوك، هذه الإجراءات ارتدت عكسيا على المسافرين الحقيقيين ورفعت سعر الدولار بالسوق الموازية.

وكذلك انعكست سلباً على أسعار المواد كافة، وأكثر المتضررين من هذا الاجراء هم العراقيون المقيمون في الخارج والطلاب الدارسون في الجامعات الأجنبية، فإرسال الحوالات أصبح صعبا ومكلفا على الأهالي، منافذ بيع الدولار بالسعر الرسمي يزدحم عليها والمضاربون، بعد أن أصبح الجميع حريصا على فتح حساب مصرفي في البنوك التي تبيع بسعر الصرف الحكومي، ولم يسأل هؤلاء عن سبب حاجتهم لفتح حساب مصرفي ولأي غرض في هذا الوقت تحديدا؟

وكان بإمكان الحكومة وضمن سعيها لمعاجلة الخلل في سعر الصرف اقتصار مبلغ شراء الدولار على أصحاب الاقامات والدارسين في الخارج، وأيضا المسافرين الحاملين ختم المغادرة والخاص بصعود الطائرة فقط، وبذلك ينتهي أمر مكاتب السفر والسماسرة الذين يتاجرون بالتذاكر والفيز الوهمية.

الأمثلة على الإجراءات الحكومية الترقيعية لا يمكن حصرها بهذه السهولة فهي كثيرة واخذت بالتزايد مع ازدحام المشكلات وتعاظمها، الى جانب الضغط الشعبي المتصاعد على الحكومات المتلكئة بتقديم الخدمات.

المخاطر التي ترافق الإجراءات المؤقتة او المرحلية اشبه ما تكون بالمرض العضال الذي لا يمكن الوقوف على أسبابه ومسبباته، ويبقى العلاج المعطى لا يقدم ولا يؤخر شيء، وبهذه تستمر عجلة بالتأخر عن بلوغ الهدف الأسمى وهو الوصول الى حل نهائي للمشكلات العالقة.

لا يمر أي اجراء ترقيعي دون ترك أثر سلبي في مجال ما، ومن المظاهر الواضحة لعمل الحكومات الحالية وربما القادمة هي الاستمرار بهذا النهج الذي يقدم نتائج سريعة وحلول آنية لمشكلات متجذرة تبحث عن تفكيك حقيقي لها وحلها بما يسهم في الانتقال الى مرحلة متقدمة من مراحل بناء البلد.

ذات صلة

مصائر الظالمينترامب يصدم العالم.. صنعنا التاريخفوز ترامب.. فرح إسرائيلي وحذر إيراني وآمال فلسطينيةالنظامُ التربوي وإشكاليَّةُ الإصلاح والتجديدالتأثير البريطاني على شخصية الفرد العراقي