جرائم الإبادة في سبايكر وبادوش وحقوق الضحايا
جميل عودة ابراهيم
2014-12-27 11:00
يُطلق أسم الإبادة الجماعية على سياسة القتل الجماعي المنظمة على أساس قومي أو عرقي أو ديني أو سياسي.. وتعني الإبادة الجماعية بِمُوجِب المادة الثانية من الاتفاقية الدولية لمنع جريمة الإبادة الجماعية 1948، أيا من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو أثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه: قتل أعضاء من الجماعة، وإلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة، وإخضاع الجماعة، عمدا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا، وفرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة، ونقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.
وأشهر عمليات الإبادة الجماعية هو ما قام به النازيون أثناء الحرب العالمية الثانية، والمجاز المرتكبة ضد الأرمن، ومذبحة صبرا وشاتيلا ضد الشعب الفلسطيني، والإبادة الجماعية في رواندا، والمذابح ضد المسلمين في البوسنة والهرسك، وعمليات الأنفال التي ارتكبها البعثيون 1988 ضد الكرد، ومجاز انتفاضة آذار 1991 التي ارتكبها البعثيون أيضا ضد الشيعة.
فهل تعد الجرائم التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وحزب البعث في العراق ضد طلبة قاعدة سبايكر في تكريت وضد سجناء سجن بادوش في الموصل من جرائم الإبادة الجماعية؟ وما هو الموقف القانوني والإنساني الذي يقع على عاتق على المجتمع الدولي والحكومة والمجتمع العراقي إزاء ذوي ضحايا المجزرتين؟
قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن إرهابيين من تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي قاموا على نحو ممنهج بإعدام نحو 600 من النزلاء الذكور بأحد السجون على أطراف مدينة الموصل شمال العراق، وهذا في 10 يونيو/حزيران بحسب روايات الناجين.. كانت الأغلبية الساحقة من القتلى من الشيعة. فبعد الاستيلاء على سجن بادوش قرب الموصل، قام مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية المعروف إعلامياً بـ (داعش)، بفصل النزلاء السنة عن الشيعة، ثم أجبروا الرجال الشيعة على الركوع بطول حافة واد قريب، وأطلقوا عليهم النار من بنادق هجومية وأسلحة آلية، بحسب ما قال 15 سجيناً شيعياً ممن نجوا من المذبحة لـ هيومن رايتس ووتش، وقال الناجون إن المسلحين قاموا كذلك بقتل عدد من النزلاء الكورد والإيزيديين.
وفي اليوم التالي لمذبحة 10 يونيو/حزيران، نفذ إرهابيو تنظيم الدولة الإسلامية مقتلة جماعية مشابهة للجنود الشيعة في مدينة تكريت، على بعد 225 كيلومتراً جنوب بادوش، حيث زعمت الجماعة أنها أعدمت 1700 جندي شيعي في تلك المقتلة، ونشرت مقاطع فيديو على الإنترنت تصور مسلحيها وهم يطلقون النار على مئات من الرجال الأسرى.
وقد توصل تحقيق أجرته هيومن رايتس ووتش، يتضمن تحليلاً لصور الأقمار الصناعية، إلى أدلة قوية على وفاة 560-770 أسير، وكلهم أو معظمهم على ما يبدو من جنود الجيش العراقي، في تلك المذبحة، كما لم يستبعد التحقيق احتمال وفاة كثيرين غيرهم.
وقبل أيام قلائل أعلنت وزارة حقوق الإنسان العراقية إن "الحصيلة النهائية لإعداد المفقودين في مجزرتي قاعدة سبايكر وسجن بادوش بحسب الاستمارات الالكترونية المتوفرة على موقع الوزارة والتي ملئت من قبل ذوي المفقودين من جميع محافظات العراق بلغت " 2147 " مفقودا، توزعوا بواقع "1660" شخصا من قاعدة سبايكر و"487" شخصا من سجن بادوش".
وحيث أن عمليات الإعدام الميداني الجماعية التي ارتكبتها الجماعات الإرهابية في الموصل وتكريت تشكيل جريمة جنائية بموجب القوانين الوطنية وجريمة إبادة جماعية بموجب القوانين الدولية، فقد أعلنت السلطة القضائية الاتحادية عن تشكيل هيئة تحقيقيه للنظر بالجريمة المرتكبة في معسكر سبايكر، مؤكدة إن هذه اللجنة من شانها تعجيل إكمال الملف والتوصل للمتورطين بالحادث. كما أشارت إلى صدور مذكرات قبض بحق العديد من المطلوبين عن ذات القضية بعد أن تم التوصل إلى المعلومات الكاملة عنهم، هذا من جهة.
ومن جهة ثانية، أمر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2014 بإجراء تحقيق أممي في الجرائم التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية، ومنها المذبحة المرتكبة قرب سجن بادوش وجريمة قاعدة سبايكر لتحديد المسؤولين عنها وضمان محاسبتهم، بينما أكدت هيومن رايتس ووتش أن المجازر التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية داعش ترتقي إلى مستوى جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية.
وقال أمين عام الأمم المتحدة السيد بان كي مون في بيان له بمناسبة اليوم الدولي لضحايا حالات الاختفاء القسري أن" اختفاء نحو 1700 طالب في كلية القوة الجوية من معسكر سبايكر بمحافظة صلاح الدين منذ الـ 12 حزيران الماضي وتردد أنباء عن قتلهم في جريمة وحشية لم يشهد لها العالم مثيلا، والبعض منهم تحتجزه العصابات الإرهابية للتفاوض مع السلطات الحكومية لمقايضتهم مع إرهابيين سجناء في السجون العراقية، يعد تجاوزاً خطيراً على حقوق الإنسان… وأن الأعمال التي تصل إلى حد الاختفاء القسري للأفراد، التي تمارسها عصابات داعش الإرهابية تشكل اعتداء جسيما لحقوق الإنسان."
وفي هذا الإطار طالبت منظمات المجتمع المدني ومنها "المنظمة الدولية لمكافحة الإرهاب والتطرف الديني " في فعاليات الدورة السابعة والعشرين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في العاصمة السويسرية جنيف، الأمم المتحدة ومجلس الأمن بتدويل جريمة سبايكر شانها شأن كل جرائم الحرب التي ارتكبت بحق الإنسانية، ناهيك عن جرائمهم الأخرى بحق الأقليات المسيحية والايزيدية والشبك والتركمان، ونزوح أكثر من مليون وثمانمائة ألف عراقي ومهجر بفعل العمليات الإرهابي".
وأكدت المنظمة على لسان رئيسها السيد علي السراي أن "إدانةَ داعش من قبل مجلس حقوق الإنسان العالمي التابع للأمم المتحدة، كان له الأثر الطيب في نفوسِ كل الشعوب التي اكتوت بنارِ هذا الإرهاب، ورسالةُ أمميةُ واضحة لا لبس فيها، للدول الإقليمية الداعمة له وهي خطوة إيجابية مهمة وفعالة في محاربة الإرهاب والإرهابيين وداعميهم ومموليهم وملاحقتِهم قانونياَ أفراداَ كانوا أو مجموعاتِ أو دول، باعتبارِهم مجرمي حرب قد اقترفوا جرائمَ إبادةِ جماعية، وجرائمَ ضد الإنسانية، والتي يُعاقب عليها القانون الجنائي الدولي."
وكان مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات قد وجه رسالة خاصة إلى السيد (بان كي مون) الأمين العام للأمم المتحدة، أشار فيها إلى أن الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، توفر أساسا سليما لمكافحة الإفلات من العقاب كما توفر العدالة والإنصاف لذوي الضحايا. الأمر الذي يتطلب تضافر جهود دولية حثيثة تتمثل في إنشاء محكمة جنايات دولية باسم (محكمة سبايكر) تأخذ على عاتقها الكشف عن مصير أكثر من 1700 ممن تم إخفاءهم بعد اختطافهم من قبل مجاميع مسلحة إرهابية..
إذن، يتفق المعنيون بمتابعة حقوق الإنسان دول ومنظمات وناشطين أن مجزرة سبايكر ضد الطلبة ومجزرة بادوش ضد السجناء هما جريمتان من جرائم الإبادة الجماعية، وأن للضحايا وأهليهم حقوق على المجتمع العراقي والحكومة العراقية والمجتمع الدولي، ينبغي توفيرها حفظا للسلم والأمن الدوليين ومنها:
- لما كانت التنظيمات الإرهابية كتنظيم داعش تشكل خطرا على الأمن والسلم الدوليين فان على المجتمع الدولي والإسلامي أن يواصل لقاءاته من أجل وضع إستراتيجية بعيدة الأمد للقضاء بشكل كلي على هذه التنظيمات، سواء على مستوى الفكر أو العقيدة أو الممارسة.
- ملاحقة الدول التي تدعم الإرهاب، وتمولهُ مالياً وعسكرياً وتسوِقهُ إعلامياَ، وإقامة دعاوى ضدها في المحاكم الدولية كونها هي المسبب والمحرض والشريك الأساسي في العمليات الإرهابية وملاحقة المسؤولين في تلك الدول وتقديمِهم إلى العدالة.
- أن يعمل المجتمع الدولي على محاصرة التنظيمات الإرهابية، سواء من خلال وضع قادتهم في قوائم المنع الدولي من السفر إلى الخارج، أو فرض منع تصدير المعدات والتجهيزات العسكرية إلى الحكومات والجماعات التي تنخرط في أعمال الإبادة الجماعية.
- أن تزود المؤسسات الحكومية والمنظمات المجتمعية المحلية فريق العمل الدولي المكلف بالتحقق في جرائم تنظيم داعش بالمعلومات والبيات اللازمة لإدانة التنظيم وتجريمه بما فيها تدوين إفادات وشهادات الناجين وذوي ضحايا المجزرة.
- ضرورة تحريم العضوية إلى التنظيمات الإرهابية ومنها تنظيم داعش وحزب البعث وتجريم كل من يدافع عن أفكارهم وشخصياتهم ويبرر تصرفاتهم...
- إصدار مذكرات القبض ضد المتهمين ومنعهم رسمياً من السفر، وحجز أموالهم وفقاً للقانون لإجبارهم على تسليم أنفسهم مع التأكيد على عمليات المتابعة مستمرة للمتهمين من أجل القبض عليهم"
- أن يعمل القضاء العراقي والحكومة العراقية على تقديم القيادات العسكرية المتورطة إلى العدالة.
- التنسيق مع العشائر التي اشترك أبناؤها في تلك الجريمة على تسليمهم للمحاكم ليحاكموا علنية.
- مساعدة ذوي الضحايا على استرجاع جثث الضحايا ليتمكنوا من دفنهم وإقامة مراسم الفاتحة على أرواحهم.
- تقديم تعويض مالي مجزي لذوي الضحايا.