العراق ولعبة التوازنات: كيف ستكون النهاية؟

مصطفى ملا هذال

2023-01-31 04:00

يقول المثل الشعبي العراقي، "رمانتين بأيد وحدة ما تنلزم"، هذا المثل ينطبق تماما على الحالة العراقية بعد تغيير النظام السابق، فهو من بين البلدان الأكثر تأثرا ولا يزال يتأثر بالصراعات الدولية القائمة بين دولتين كبيرتين لهما مصالح نفوذ فيه، وهما الولايات المتحدة الامريكية والجارة الشرقية إيران.

ويقولون أصحاب الشأن ان ذلك الامر مستحيل الحصول، لكن العراق لا يعرف المستحيل، وحاول ان يمسك الرمانتين بيد واحدة، لكنه لا يمكن الاستمرار بحمل هذا الثقل، وبهذا الكم الهائل من الضغط، اذ يحاول ولقرابة العشرين عام من خلق التوازن بين الدولتين اللتين ينظران الى العراق على انه غنيمة ويجب الاستحواذ عليها.

حتى أدمن اغلب العراقيين سماع التصريحات التي تؤكد على احترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلد، بينما سفراء هذه الدول يقضون أوقات سعيدة وغير قصيرة مع رموز العملية السياسية في الخفاء، وقس على ذلك باقي الأمور.

في الحياة الاجتماعية يكون من السهل الجمع بين صديقين يحملان نفس الصفات او تشابه كبير في الطبائع، ولكن حين تنشب بينهم بعض الخلافات في وجهات النظر يصعب عليك انت الصديق الطرف الثالث ارجاع الأمور الى طبيعتها، فكيف بالعراق الذي عليه التعامل بدرجة عالية من الحذر مع القطبين اللاعبين في المنطقة، ايران وامريكا؟

هذه الأقطاب لديها مشكلة جوهرية في العراق وهي ان أمريكا تسيطر على منطقة لا يمكن لإيران بلوغها، وهي الهيمنة الاقتصادية الكبيرة وتحكمها بقيمة العملة لأي دولة، متى تريد تقليل قيمتها او رفعها، لها القدرة على التلاعب وهي من تقرر ذلك، إضافة الى الجانب السياسي، فهي من تمتلك التأييد الدول لأي تحرك يمكن ان يأخذ الصفة الشرعية وبالنتيجة لا يوجد أي عائق في اتخاذ قرار ما.

بينما إيران لها السيطرة الاكبر على الناحية الأخرى وهي الارض، فهي من تملك فصائل موالية وقادة يأتمرون بأوامرها، حين تريد تنفيذ سياسية معينة او تحرك تراه ضروريا للمرحلة الحالية، وبذلك تكون هي الأكثر تمكنا وتمركزا من هذه الناحية العملية والفعلية، وهذا بالتأكيد لا ينسف دور واهمية ما يوجد من قوات اجنبية على الأراضي العراقية، التي تقول أمريكا انها قوة قتالية عند الضرورة وليس جهات استشارية.

وسط هذه الطريقة التي تسير فيها الحياة السياسية العراقية، يصعب على بلد بهذه المرحلة ان يحدد مصيره، ويضع خلف ظهرة قطب معين، لأنه يعرف تداعيات هذه الخطوة وما تسببه له من احراج على المستوى الدولي والإقليمي وكذلك الوطني.

عدم حصر التعامل مع محور من المحاور يجعل عملية التوزان حالة غير ممكنة او عرجاء لا يمكن لها ان تستقيم، نأخذ على سبيل المثال، خطوة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي، وعملية التعاقد مع شركة سيمنز الألمانية لإنهاء ملف الكهرباء الذي تحول الى ملف سياسي أكثر منه خدمي.

وكانت النتيجة هي الإطاحة بحكومته لدواعي غير منطقية، وعُلقت جميع الأسباب على شماعة الاحتجاجات الشعبية والحقيقة تقول غير ذلك، وهي الارتماء في غير الاحضان الامريكية، وما زيّد الطين بلة هو توقيع المعاهدة الصينية التي دخلت بعض بنودها حيز التنفيذ بعد مرور أعوام عليها.

سقوط عبد المهدي جاء على خلفية الخروج عن الجادة التي اريد له السير بها، وهي الجادة التي تقع بين خطين متوازيين وضعتهما الدولتين السابقتين، ولا يمكن ان تغيب هذه الصورة عن ذهن رئيس الوزراء الحالي السيد محمد شياع السوداني، فمن الممكن ان ينتهي بنفس المصير، بعد الزيارة الأخيرة الى فرنسا، شريطة ان يكون ما تم الاتفاق عليه من تفاهمات لا يخرج عن نطاق الرغبة الامريكية.

ويبقى السؤال المعلق والباحث عن إجابة من قبل رئيس الحكومة الحالية، أي الطريقين سيسلك في الأيام القادمة، هل سيواصل المسير بنفس الطريق الذي رسم ملامحه الرؤساء السابقين، ام يفاجئ التوقعات ويستثمر النفور الشعبي لطرف على حساب الآخر، ويركن الى حيث ما تقتضيه المصلحة العامة؟

هذه الأجواء المشحونة من جميع الاتجاهات تجعل السيد السوداني في دوران مستمر، اذ عليه ان يوازن بين الكفتين، ولا يمكن ان يغضب أحداهما او يفضلها على الاخرى، وعلى سبيل الاستنتاج المنطقي لمثل هذه الحالة سيكون مقيد الاغلال، قراره محسوب، وحريته غير كافية، ان لم تكن مسلوبة في بعض الأحيان.

ذات صلة

الإمام علي عليه السلام وتحجيم الجبروت والطغيانعلى حكومة السيد السوداني ان تكون أكثر حذراالمطلوب فهم القرآن بشكل جديد!مَعرَكَةُ بَدر هِيَ يَومُ الفُرقَانِ العَظِيمِ حَقَاًتعلم ثقافة السؤال بداية التعليم