حرب ثانية في اليمن، معركة المعلومات الكاذبة
د. حسن زيد بن عقيل
2022-11-10 08:14
التلاعب بالمعلومات عبر وسائل التواصل الاجتماعي يعني التلاعب بالوعي وهو شكل من أشكال القوة وعامل أساسي في تحقيق الأهداف المرجوة. إن تأثير الاتصال ونقل المعلومات على الصراع السياسي واستخدامه كسلاح للحرب السياسية هو موضوع لا يمكن تجاهله. لم يعد مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي أشخاصًا عاديين يحاولون التواصل مع زملائهم في مسقط رأسهم.
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي منصة تستخدمها الجهات الفاعلة غير الحكومية والأحزاب السياسية لنشر معلومات مضللة عن مجموعة أخرى كوسيلة لتعزيز التوتر والصراع. الفاعلون الذين يستخدمون المعلومات المضللة أو "الأخبار الكاذبة" كسلاح سياسي على دراية بمن يحاولون التأثير عليهم، حيث يحاولون التلاعب بالجمهور للاعتقاد بشيء لا يؤمنون به عادةً.
على سبيل المثال، "دولة الجنوب العربي". لا توجد دولة بهذا الاسم، بل توجد مستعمرة بريطانية تحت اسم "اتحاد الإمارات لجنوب شبه الجزيرة العربية"، تتكون من مشيخات وسلطنات مستقلة عن بعضها البعض وتحت الحماية البريطانية، والتي أصبحت فيما بعد ما أطلق عليها اسم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
حرب المعلومات أكثر فعالية من الحرب المسلحة. نشر الفضائح والمؤامرات والمعلومات المضللة ليس بقصد التسلية. المعلومات المضللة تمليها حاجات الدولة تجاه دولة أخرى، أو ملف من المؤمرات لكيان سياسي على كيان آخر. لذلك، بالتوازي مع الحرب الأهلية المروعة في اليمن، ظهرت معركة أخرى يقودها التحالف هي معركة المعلومات الكاذبة. أن المعلومات الكاذبة تزعج المجتمعات المستقرة، تمامًا كما هو الحال في مناطق الحرب يمكن أن تكون أكثر فتكًا. تعمل المعلومات المضللة على تقويض الثقة الضئيلة المتبقية بعد ثماني سنوات من الصراع في اليمن. لا يؤدي هذا الضرر إلى إبطاء الجهود المبذولة للحد من التوتر فحسب، بل إن المعلومات الكاذبة تعمق العداوات بين اليمنيين وتقوض احتمالات التوصل إلى اتفاق سلام دائم.
نستذكر الفترة التي استقال فيها الرئيس علي عبد الله صالح بسبب انتفاضة 2011 وتولى عبد ربه منصور هادي الرئاسة عام 2012. كان فشل حكومة هادي وضعفها في إدارة السلطة بسبب الضغوط المختلفة التي مورست عليها من السعودية. على سبيل المثال، في عام 2013، رحلت السعودية من 300 ألف إلى 400 ألف عامل يمني مهاجر من السعودية، في وقت ارتفع فيه سعر الديزل والسلع الضرورية الأخرى، هذا تسبب في أزمة اجتماعية واقتصادية أدت إلى تفتت السلطة. نتيجة لذلك، ظهرت قوى متنوعة في اتجاهاتها ونشطت على المستوى الوطني، وهي: الكتلة الرئيس هادي الموالية للسعودية و المعترف بها دوليًا، وهم أقلية، وكتلة الحوثيين (تحالف الرئيس صالح الحوثي) التي سيطرة على الحكومة وشكلت لجنة ثورية مؤقتة بقيادة محمد علي الحوثي، ومعظمهم من القبائل والقوات الأمنية والمسلحة الموالية للرئيس صالح وهم ضد الرئيس هادي، ويشكلون الأغلبية. استقال هادي ووزرائه في يناير 2015، وهرب إلى عدن، حيث أعلن إنه لا يزال الرئيس الشرعي لليمن، وأعلن عدن عاصمة مؤقتة للبلاد، ودعا المسؤولين الحكوميين الموالين وأفراد الجيش للالتقاء معه، وهم أعضاء في حزب التجمع اليمني للاصلاح والقاعدة والإسلاميين السلفيين الموالين للسعودية والإمارات. اخيراً كتلة "الحراك الجنوبي" حركة شعبية لأبناء الجنوب، وهم أيضا ضد الرئيس هادي، متهمين إياه بالخيانة والتآمر مع الرئيس صالح في احتلال الجنوب عام 1994.
بعد فشل حكومة هادي وضعفها، نشأ فراغ سياسي وأمني أدى إلى انقلاب عام 2014 في صنعاء بقيادة جماعة أنصار الله. إذن ما حدث هو شأن داخلي لإصلاح الوطن اليمني. ساعد على نجاح الانقلاب فشل المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي قدمت، وفشلت كل المبادرات اللاحقة. استقال الرئيس صالح لكنه بقي في صنعاء ولعب دورا في معارضة المبادرة الخليجية وخليفته الرئيس هادي. للرئيس صالح قوة لا تضاهيها إلا قوة حزب التجمع للاصلاح. يدعم الرئيس صالح أكثر من نصف أعضاء البرلمان وتحتل عناصره مناصب حساسة وهامة في حكومة هادي ومؤسسات الخدمة المدنية. بمعنى آخر الرئيس صالح هو الذي يحكم وليس الرئيس هادي. لعب أنصار الرئيس صالح دورًا مهمًا في دخول الحوثيين إلى صنعاء ونجاح انقلاب 2014.
أما وصف الحرب في اليمن بأنها حرب بالوكالة، فهذا نوع من التضليل المعلوماتي ووسيلة للتخفيف من الواقع القاسي للعدوان السعودي في اليمن، والفصل الأول من معركة المعلومات الكاذبة لقوات التحالف السعودي الإماراتي. من المؤكد أن إيران لها علاقات مع الحوثيين، وكلاهما ينتميان إلى نفس الطائفة - الشيعة، لكن الدعاية المشبوهة للتحالف بأن الحوثيين كانوا وكلاء إيران منذ فترة طويلة لا تدعمها الأدلة. لا ينفذ الحوثيون أهدافاً واستراتيجيات خارجية. وقالت مصادر استخباراتية أمريكية لـ Huffington Post إنه قبل دخول الحوثيين إلى العاصمة صنعاء نصح الإيرانيون الحوثيين بعدم اتخاذ مثل هذه الخطوة، لكن الحوثيين تجاهلوا هذه النصيحة. هذا ما أكدته الخبير جابرييل فوم بروك الأكاديمية المتخصصة في الشؤون اليمنية.
أظهرت الأحداث التي أعقبت استقالة هادي أهمية الانقلاب الحوثي في عام 2014، والذي شكّل عقبة أمام الخطط الأمريكية الإسرائيلية الخليجية لمحو الهوية اليمنية، بل محو اليمن تمامًا من الخريطة السياسية. لم يحالفنا الحظ منذ تنصيب هادي كرئيس (2012)، هو الذي طلب من التحالف السعودي الإماراتي التدخل وإطلاق حملة قاسية لا ترحم من الضربات الجوية والحصار الاقتصادي على اليمن. نتيجة لذلك، وقع اليمن في أسوأ كارثة عرفتها البشرية. هذه الحرب رفضها تحالف الحوثي والرئيس السابق صالح والحراك الجنوبي.
في ذلك الوقت، لم يتمكن التحالف من إيجاد مخرج من هذه الحرب الكارثية وغير الشرعية وفقًا للاتفاقيات الدولية و اليمنية. بالتوازي مع الضربات الجوية والحصار الاقتصادي اندلعت حرب أخرى، حرب المعلومات الكاذبة. اشتركت فيها كل الجهات الفاعلة الرئيسية بما فيها القوتان الرئيسيتان للتحالف (السعودية والإمارات)، تقاتلوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتشكيل الرأي العام للصراع، ومحاولة دعم استمرار الحرب واستخدام موارد الدولة.
سيطر التحالف على الإعلام اليمني والفضاء الإلكتروني والإنترنت نفسه. يسعى التحالف من خلال حرب المعلومات غسل دماغ اليمنيين وحشد الدعم الدولي والمحلي ضد التيارات الوطنية المعارضة للاحتلال السعودي الإماراتي وتحويل الصراع الداخلي اليمني اليمني إلى صراع إقليمي بالوكالة. وبالتالي، منذ عملية عاصفة الحزم عام 2015، ظهرت حملات على وسائل التواصل الاجتماعي مناهضة للحوثيين في جميع أنحاء البلاد بهدف فصل جنوب اليمن عن شماله.
تُعد وسائل التواصل الاجتماعي أهم جبهة لدولة الإمارات في ساحة المعركة السياسية والعسكرية في اليمن، تُدار العديد من وسائل الإعلام من قبل الدولة أو المنظمات أو الهيئات الموالية للتحالف. منذ عام 2015، انتشرت وسائل الإعلام المرئية بينما اقتصرت المطبوعات على المدن لأن معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة لا تزال منخفضة، لا سيما في المناطق الريفية. أصبح التلفزيون الرسمي والقنوات الفضائية الأخرى أكثر شيوعًا وزاد استخدام الإنترنت في السنوات الأخيرة. يوجد في اليمن حوالي 3.2 مليون مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي، أي حوالي 10٪ من السكان. أكثر من ثلثي هؤلاء موجودون على Facebook، و 24٪ يستخدمون YouTube بانتظام، ونسبة أقل بكثير على Twitter.
في الآونة الأخيرة، وثق الباحثون زيادة مقلقة في الخطاب العدواني الإماراتي والمحرّض الذي يستهدف قوى المعارضة. تؤثر الحكومة على المؤسسات الإعلامية الرسمية أو شبه المستقلة من خلال فرض متطلبات الترخيص السنوية أو التمويل أو الدعم المالي والسيطرة على العديد من هذه المؤسسات. تم رصد العديد من المخالفات والمضايقات والسجن والاعتداءات الجسدية على الاعلاميين والصحفيين الرافضين للاحتلال الاماراتي للجنوب.
ومن المعلومات المضللة، على سبيل المثال، ما قاله الرئيس الدكتور رشاد العليمي أمام الملوك والرؤساء العرب في مؤتمر القمة العربي العادي الحادي والثلاثين بالجزائر: "أن هذه الجماعة الإرهابية (يقصد الحوثيين) تسببت في مقتل نحو نصف مليون شخص، وشردت حوالي خمسة ملايين آخرين في أنحاء البلاد وخارجه ". يعلم الدكتور العليمي في 14 أبريل 2015، فرض قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2216 حظرًا على توريد الأسلحة إلى العديد من الجماعات المسلحة في اليمن، بما في ذلك جماعة أنصار الله. طبق الاتحاد الأوروبي الحظر في 8 يونيو 2015 في لائحة المجلس رقم 878/2015. نسأل الدكتور العليمي لماذا تتهمون أنصار الله بالتسبب في وفاة وقتل نحو نصف مليون شخص؟ العالم كله يعلم ان الحصار والتجويع فرضه التحالف أضف ان أنصار الله في ذلك الوقت لم يكن لديهم طائرات تزود بالوقود من الجو لقصف تجمعات العزاء أو حافلات طلاب المدارس أو حرق المزارع أو تدمير المستشفيات... إلخ. هذه الطائرات تخص التحالف التي قتلت طائراتهم عشرات الآلاف من المدنيين. أشار معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام ومعاهد أخرى إلى أنه "منذ ربيع 2015 قادت السعودية والإمارات تحالف ضد قوات المتمردين في اليمن، وشمل التدخل هجمات طائرات وعمليات برية عسكرية، وفرضت حصارًا جويًا وبحريًا على اليمن بدلاً من تحقيق نصر سريع في النزاع."
الحرب بين اليمن والتحالف ليست حربا بالوكالة، ولا طائفية أو دينية، إنها حرب جيوسياسية بامتياز، ودوافعها للسيطرة على الجغرافيا وابتلاع الاقتصاد. أما العقيدة (الشيعة والسنة) فهي مجرد قناع لتغطية أهدافها وتبرير الحرب والدمار. إيران شماعة يعلق عليها التحالف كل جرائمه البشعة. إيران لم ترسل طائرات حديثة وأباتشي وطائرات أخرى لقصف مناطق يمنية، ولم ترسل مرتزقة لقتل يمنيين، ولم نر أو نسمع أن إيرانيًا واحدًا قُتل أو أُسر. كل ما نسمعه هو أن هناك مرتزقة إماراتيين. لكن المضحك المبكي نحن ننتقد حكم الإمامة. كان الإمام من أجل ضمان إخلاص وطاعة القبائل والجهات المختلفة له، يأخذ الإمام رهائن من مشايخ العشائر أو من ذوي النفوذ في مختلف المناطق والرهينة هو دائما الابن أو الأخ أو الأقرب منهم يريد الإمام الخضوع. والآن، تمارس قوات التحالف السعودي الإماراتي نظام الرهائن لضمان سيادته وإخلاص وطاعة قيادات المكونات السياسية والعسكرية الموالية لها.