الطبقة السياسية ونعيمها المُستفِز
مصطفى ملا هذال
2022-07-23 06:55
أتمنى ان اتجول ولو لمرة واحدة داخل أروقة المنطقة الخضراء او غيرها من مقار إقامة المسؤولين في الدولة العراقية، أتمنى ان يحدث ذلك حتى وان كان لبضعة دقائق، ويشاركني بهذه الأمنية الملايين من العراقيين، الملايين ممن يرغبون بمعرفة الحياة داخل هذه القصور العاجية، التي اختلفت فيها الحياة عن نمط حياتهم البائس.
ففي القصور التي يقطنونها الساسة مع اسرهم وذويهم لا يعرفون معنى الازمة الاقتصادية التي مر بها البلد، وقد لا يسمعون عن تسعيرة الامبير الواحد من الكهرباء تجاوزت الخمسة عشرة ألف دينار عراقي، ولا يعلمون ان اغلب العاملين في مهنة البناء يذهبون الى مكانهم المعهود ثم يعودون الى منازلهم وحرارة الشمس قد أحرقت جباههم.
من يسكن في القصور الرئاسية ليس بحاجة الى معرفة الاخبار المتعلقة بارتفاع درجات الحرارة ولا موجات البرد القارص التي تجتاح البلاد على مر الفصول الأربعة التي يشهدها المناخ، فهم ينعمون بخيرات يحلم بها المواطن العراقي الذي أتعبه ملاحقة الجوانب المتعلقة برفاهيته وضمان سعادته مع اسرته البسيطة.
النعيم الذي تتمتع به الطبقة السياسية بالتأكيد هو نعيم مستفز، فمن حكم لهؤلاء الطبقة الحاكمة ومنحهم الحق بكل هذه الامتيازات؟، وهل يستحقون كل هذه الرفاهية جراء ما يقدمونه من خدمة للشعب العراقي؟، فهم لا يقدمون شيئا سوى انهم يستنزفون ثروات البلد، ويستحوذون على خيراته المتناثرة في جميع الأماكن.
بمنطق المقارنة مع فارق الأهمية، فهل يمكن ان نفصل او نعمل جدارا بين عمل عمال النظافة في المدن وعضو البرلمان الذي وظيفته تشريع القوانين ومراقبة عمل الجهات التنفيذية، فكلاهما يؤدي الخدمة الموكلة اليه لكن لا يمكن ان نجري مقاربة في الامتيازات والحقوق التي يتقاضاها الاثنان، فالأول رغم ان عمله يحتم عليه التجول في الطرقات، متحملا حرارة الشمس والمخاطر الأخرى، ومع ذلك مستمر في تأدية واجبه.
بينما الآخر يتنقل بالسيارات الفارهة والمكيفة، التي تحتوي على جميع وسائل الراحة والأمان، وينظر خلال مروره هذا لعامل النظافة الذي يترقب تشريع قانون او اتخاذ قرار حكومي يحوله من صفة الاجير اليومي او العقد الى موظف على الملاك الدائم، ولو دققنا بملفات العاملين سنجد اغلبهم يزاول العمل بهذه الصفة لأكثر من خمس سنوات دون ضمان لحقوقه.
ربما هنالك من يشكل علينا ويقول ان النموذجين لا يقبلان المقارنة، وليس من الصواب ان نساوي بين عامل بسيط وبرلماني دخل معارك ضارية حتى تمكن من الوصول الى البرلمان، وقد أنفق ملايين الدولارات وله من الخدمة السياسية والجهادية ما يفوق عمر عامل النظافة الأعزل.
نحن نتكلم هنا عن الفارق في الحقوق والامتيازات المكتسبة من الدولة، فهل يعقل ان يكون مقدار راتب عامل الخدمة او النظافة لا يتجاوز المئتين وخمسين ألف دينار، بينما البرلماني يفوق ذلك الرقم بعشرات المرات، وقد يوجد من يعتقد ان أهمية عامل البلدية تتجاوز أهمية البرلماني الذي توقف او انحسر دوره في السنوات الأخيرة، وأصبح اسير لرغبات رئيس الكتلة النيابية.
وليس بصدد اجراء مقارنة بين الحالتين، لكن نريد ان نوضح من كل هذا مدى الرفاهية التي يعيشها السياسيين وهم يتنعمون في غفلة من الزمن عما يدور خارج اسوار قصورهم، مُحرمين الرفاهية على غيرهم من طبقات الشعب المحروم، والسؤال الآخر الذي يمكن ان يطرح هو، لماذا يرتفع مستوى رفاهية الحكام بالتوازي مع انحطاط مستوى حياة الشعب الذي فقد اغلب مقومات العيش الكريم؟
تتولد موجات الغضب بين الحين والآخر من قبل الشعب عندما ينتبهون انه محرم عليهم الاقتراب من بوابات القصور الرئاسية، وليس التجول داخلها للاطلاع على نوع الحياة التي لا يوجد لها مثيل في جميع المدن الا الحاشية المقربة من السلطة والتي تعتبر امتداد لنفوذ أصحاب النفوذ في الدولة ومؤسساتها.
والمأساة تتجسد في محاولة هذه الشعوب تحديد مصيرها بتغيير حكامها، ومن ثم النأي بالدولة عن احتدام الأزمات، لكن تبقى هذه الرؤى مجرد اضغاث أحلام ولا يمكن ان تكون حجر الأساس الذي تنطلق منه الجماهير لتغيير حكامها وان تقلب النظام الذي أودى بها إلى التهلكة ولم يحمها من الفقر والجوع والفتن الداخلية التي قادت الى الانغلاق.
فالشعب هنا أصبح وقودا للصراعات السياسية الدائرة منذ سنوات واقربها تلك التي مر عليها أكثر من تسعة شهور بعد اجراء الانتخابات المبكرة التي حطمت الرقم القياسي في كل شيء، ابتداء من التجاوز على المدد الدستورية بمجملها، وانتهاء بالخروج على المألوف في طبيعة التحالفات والانسحابات والاستقالات من عضوية البرلمان حتى ذهب الامر الى المجهول، ولو حتى المجهول وفق الطريقة العراقية اشبه بالمعلوم، وهو البقاء على الانسداد والتمتع بالخيرات دون تغيير.
اعود لحلمي وحلم الملايين الذي اجهضته نزاعات من يدعون العدالة ومناصرة حقوق الشعب، فالثورات الشعبية عند اندلاعها يرجع السبب الأساس منها هو الفارق الفاحش بين أسلوب الحياة في البيوت المتهالكة للفقراء من العامة، والقصور ذات الجدران الرخامية المطرزة بآمال وآلام الملايين من العراقيين الذي يحلمون بقضاء ليلة هانئة بعيدا عن ضوضاء المولدات الاهلية التي شوهت المناظر ولوثت الأجواء بسمومها النفاثة.