اللامبالاة بين التحطم الذاتي والتخلف الاجتماعي
اللامبالاة وباء العصر (3)
مرتضى معاش
2021-12-05 05:32
(ابذل لأخيك دمك ومالك، ولعدوك عدلك وإنصافك، وللعامة بشرك وإحسانك)
الإمام علي (ع)
تعرضنا سابقا إلى مفهوم اللامبالاة، وإلى حديث الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) الذي يقول فيه: (من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم). كما عرفنا معنى عدم الاهتمام في المقال السابق، وذكرنا سابقا ملاحظات عن علاقة الاهتمام باللامبالاة، وبيَّنا بأن المسلم هو المهتم، ومن لا يهتم فهو ليس بمسلم، وأشرنا إلى بعض النقاط التي تعبر عن معاني لايهتم منها، انه ليس من همومه العامة بل هو يسعى فقط لتحقيق مصالحه الشخصية، وقد تكون اهتماماته تجارية او علمية محضة ليس لها مخرجات اجتماعية والبقاء في إطار محدودية الهدف، وعدم التصدي للمسؤولية التي حددها الإسلام على الإنسان، او ليس من أولوياته بترك الأهم والعمل بغير المهم، او انه لايتابع لتحقيق الامر وان كان مهتما في الظاهر بالأمور الشكلية، او يكسل ويتراخى ويسوف في تحقيق الأمور وهذا هو العبث، وهو أسوأ المراتب التي يمر بها الإنسان.
ومن المعاني الأخرى في لا يهتم هو تبرير الاخطاء عبر القاء اللوم في المشكلات على الآخرين، وهنا يعرف الإنسان غير المبالي.
في بعض الحالات لا يمكن الوصول إلى الهدف المرسوم والمرجو الذي تم التخطيط له ورسمه، فنقوم بإلقاء اللوم والتقصير على الآخرين، ولا نعترف بأننا نحن من قصّرَ في تحقيق بعض الخطوات وتهيئة المطلوب للوصول إلى الهدف.
ولكن الإنسان المسلم الذي يدور في إطار الحقيقة الكونية الإسلامية، هو إنسان مهتم، واهتمامه ينبع من خلال محاسبته لنفسه وقراءته لأفعاله ونتائجها، ولا يلقي اللوم على الآخرين، لأن ظاهرة إلقاء اللوم على الآخرين، تؤدي إلى تكريس حالة اللامبالاة والتهرب من المسؤولية.
وجاء في الحديث عن الإمام علي (عليه السلام): (لا يحمد حامد إلا ربه، ولا يلم لائم إلا نفسه)، الحمد والثناء لله سبحانه لأنه صاحب كل النعم، بمعنى تحمّل التكاليف الشرعية والأخلاقية، فالحمد لله سبحانه وتعالى بالالتزام بنظامه، وقوانينه، وفي حالة عدم الالتزام اللوم يقع على الإنسان نفسه ولا يلقي به على الآخرين.
نتائج عدم الاعتراف بالخطأ
هذا لا يعني أن الآخرين غير ملامين، لكن إذا أراد أن يراجع أعماله وكان هناك خطأ ما، فعليه أن يحاسب نفسه أولا، ومن ثم يذهب لموعظة الآخرين، وارشادهم إلى أخطائهم، لأن عملية محاسبة النفس تؤدي إلى تنضيج نفس الإنسان وبناء شخصيته.
إن الاهتمام هو الذي يؤدي إلى النتائج الطيبة وعلى العكس من ذلك، أي عدم الاعتراف بالخطأ يجعل الإنسان أنانيا وفاشلا، ولديه مشكلات مستمرة مع الآخرين، فالاعتراف بالخطأ فضيلة لأنه عملية ذاتية تنموية، تؤدي إلى نمو فضائل الانسان وترميم اخطائه، والفضيلة هي النمو والفضل يعني الزيادة، وكلما اعترف الإنسان بأخطائه يزداد نضوجا، على العكس من ذلك، الانسان الذي لا يعترف بأخطائه يتضاءل، ويتناقص.
وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم)، وعن الإمام محمد الباقر (عليه السلام): (والله ما ينجو من الذنب إلا من أقر به). وروي عن الإمام علي (عليه السلام): (حسن الاعتراف يهدم الاقتراف). وعن الإمام علي (عليه السلام): (الندم استغفار، الإقرار اعتذار، الإنكار إصرار). فالذي يهتم بإصلاح نفسه مقرا بأخطائه محاسبا نفسه يكون اقدر على التطور والتقدم في حياته بتحمل المسؤولية، على عكس غير المبالين فهم دائما في حالة إلقاء اللوم على الآخرين، يبررون أخطاءهم ولا يعترفون بفشلهم.
الغرق في مستنقع التفاهة
من عناصر عدم الاهتمام هو الاهتمام بالتوافه من الأمور، هذا الإنسان غير المبالي عندما تتضخم لامبالاته يقع في حالة التفاهة، أي أنه يهتم بالأمور غير المهمة، بل العبثية، بسبب تفكيره السطحي وانشغاله بأشياء لا قيمة لها.
إذا أردنا تعريف التافه بالمعنى الحقيقي له، فهو لايدرك لنفسه أية قيمة اجتماعية او أخلاقية أو معنوية أو علمية، ويتعرى من كل مسؤولياته الإنسانية الطبيعية فتراه تراه دائما منشغلا بتوافه الأمور.
وقد سمي هذا العصر الجديد بعصر التفاهة، وذلك بسبب تغوّل المادية وتصاعدها، وهو دليل على تخلي الإنسان عن العلم والأدب والتربية والثقافة والنضج والنمو فأصبح يعيش في عالم تافه، في كل شيء تشعر أنه لا قيمة له، فكلما قلّت قيمة الإنسان العلمية، والفكرية وقيمة الوعي لديه يستلذ بالتوافه من الأمور. لان الذي ينشغل بتوافه الأمور سوف يسقط في مستنقع اللامبالاة، فعن الامام علي (عليه السلام): (من شغل نفسه بما لا يجب، ضيع من أمره ما يجب)، اي اذا شغل نفسه بالأشياء التافهة غير المفيدة ضيع وبدد الأمور الهامة التي تفيده، فالتفاهة هي هدر لعمر الانسان وطاقاته وتضييع لقيمته في الحياة.
التمسّك بالهدفية
الاهتمام هو الذي يدخل في إطار (ما يجب)، نضرب مثالا عن ذلك، فالإنسان الذي يريد أن يسافر من منطقة إلى أخرى ويقطع 1000كم، لابد له أن يختار وسيلة النقل المناسبة التي يمكن أن تصل به في الوقت المحدّد، وعليه أن لا ينشغل فيما يراه بطريقه، كأن يشغل نفسه بتناول الطعام أو يدخل الأسواق وينشغل بأشياء غير ذات أهمية، فهذا الشخص شغل نفسه بما (لا يجب)، وكان عليه أن يصب تركيزه على هدف الوصول في موعده.
هذا هو معنى الهدفية في الحياة، فمن لا يسير نحو الهدفية ولا يهتم سوف يضيّع أمره ونفسه في عالم التوافه، كما نرى بعضهم يعيشون العبثية، (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) سورة المؤمنون. هناك من يعتقد أنه خُلِق كي يأنس في الدنيا ويستلذ بها، فينشغل بأمور غاية في التفاهة.
هناك من لا يستثمر عمره، ويقتل وقته في جلسات لا فائدة منها، فيذهب عمره في خسران، لذا فإن اللامبالاة هي نتيجة لسوء تفكير الإنسان، وضياعه في الحياة.
اللامبالاة هي علاقة متداخلة مع النفس أو مع الناس، فالذي يضيع المجتمع سوف يضيع نفسه، هل يمكن للإنسان الذي لا يهتم بالآخرين أن يهتم بنفسه، هذه معادلة خاطئة وتفكير غير صحيح، فإذا كل فرد من المجتمع يهتم بنفسه فقط، ولا يعنيه الآخرين، فهذا يعني أن المجتمع كله لا شيء ولا معنى له.
المسلم الظاهري والمسلم الحقيقي
النقطة المهمة التي يجب أن نتأملها بعمق، هي أن الإنسان الذي يهتم بنفسه فقط، فهو ليس بمسلم، والسؤال هنا هل يعني بأنه كافر أو أنه يقع خارج تعاليم الإسلام؟، إن الحديث المذكور يوضح لنا معنى المسلم الحقيقي، وقد ذكرنا في بداية مقالنا الاول (كنتم خير أمة أخرجت للناس).
هناك مسلم ظاهري وهو الذي يؤدي الشهادتين، ومن ثم قد يؤدي بعض الأعمال والعبادات وربما لا يؤديها، أما الحديث الشريف فهو يؤكد على المسلم الحقيقي الواقعي الذي يهتم ويؤمن بالمسؤولية التي تقع عليه، أما المعني بـ (ليس بمسلم) فهو يختلف عن المسلم الحقيقي الذي عليه واجبات عقلية وشرعية واجتماعية وعرفية لابد أن يؤديها.
حينما نتحدث عن الواجبات الشرعية، فإن الإنسان يجب أن لا تخلو أعماله من الأحكام الخمسة، وهي أما واجب، أو حرام، أو مكروه، أو مستحب، أو مباح، بمعنى يجب أن تكون أفعاله مسؤولة في اطار الاحكام الشرعية.
إن المسلم يتحقق بتكامله الاجتماعي والتزامه، لذلك حين نقول لا يهتم، فإن هذا يخرجه من دائرة المسلم العملي، لأن المجتمع الإسلامي له أهداف يسير نحوها في حركة مستمرة إلى الأمام، وفي عمل صالح لكي يحقق هويته وانتمائه الإسلامي الصحيح. المسلم الحقيقي هو الذي يعمل عملا صالحا، لأنه الاهتمام يعني العمل الإيجابي الصالح، واللامبالاة تعني السلبية، والإسلام لا يقبل الإنسان السلبي اللامبالي.
النتائج السلبية على اهمال الاهتمام
اليوم جميعا نعيش حالة من عدم الرضا بالواقع الاجتماعي الحالي، ونعتبر مجتمعنا غير سليم وفيه نواقص، ومشكلات وأزمات كثيرة، هذه الأمور كلها تأتي كنتيجة، لأن المجتمع يؤسسه أفراده، أي يفسدهُ ويصلحهُ أفراده.
لذلك من أسباب اختلال التكامل الاجتماعي عدم اهتمام الفئات الاجتماعية والأفراد في المجتمع، ويدل هذا على الحاجة للتكامل الاجتماعي، إذن هنالك نقص، ولنفترض أننا نعاني من اختلال في الجانب التعليمي. وهذا يؤدي إلى خلل كبير في تعليم الأطفال في المجتمع، أما إذا حدث اختلال صحي فهذا يدل على قلة الأطباء الجيدين، وكذلك في الجوانب الأخرى، لذا فإن حالة الاختلال الاجتماعي تعتمد على ظاهرة الاهتمام المشترك بين أفراد المجتمع من اجل تحقيق التكامل الاجتماعي.
من النتائج الأخرى لعدم الاهتمام، أنه يؤدي إلى توقف التطور وحركة الزمن في المجتمع، فإذا حدث ركود في المجتمع فسوف يصبح جامدا، مما يؤدي لاحتضانه مشكلات كثيرة جدا، وأزمات تحلّ بالمجتمع نتيجة لجموده، ويحدث هذا الجمود عندما يتوقف كل فرد عن الاهتمام بمسؤولياته تجاه المجتمع.
إذا تكلمنا اليوم عن ظاهرة التخلف، وطرحنا السؤال التالي: لماذا تخلفنا، ولماذا تقدم الآخرون؟، السبب يكمن في جمود المجتمع وتوقف التطور الاجتماعي بالإضافة إلى نمو اللامبالاة، فالأزمات تحل بأي مجتمع نتيجة للجمود والركون إلى عدم الحركة التي تحدث بسبب توقف الفرد في المجتمع عن الاهتمام بمسؤولياته الاجتماعية.
إذا تخلى كل فرد عن مسؤولياته يحدث التخلف والتراجع العلمي والفكري، ويكون المجتمع محدودا، والمقصود هنا ليس التخلي عن الاهتمام فقط، وإنما الانشغال بغير الأهم، أو ينشغل الفرد بأشياء ثانوية ليست لها أولوية في المجتمع، هذا النوع من الأفراد ليس مهما عنده ماذا يحتاج المجتمع، فهو يتصور بأنه يمكن أن يعيش من دون المجتمع وهذا خطأ كبير.
الإنسان مؤسس المجتمع
يجب أن يعيش الفرد في مجتمع يحتضنه بسلام، لأن الإنسان هو المؤسس للمجتمع، والاستقرار الاجتماعي يحصل من خلال التوازن داخل المجتمع، وعندما تتخلخل القيم والالتزامات والمسؤوليات، يحدث اختلال في المجتمع، فتضعف المسؤولية والاهتمام ويصبح المجتمع غير متوازن ولا يستطيع أن يكون قويا ومتماسكا، كل هذا يحدث نتيجة لعدم الاهتمام.
هناك أفراد أما يختاروا غير المهم، أو لا يختارون أي شيء، على سبيل المثال نلاحظ بعض المجتمعات الإسلامية اليوم، سبب تخلفها يعود إلى القيادات والنخب الحاكمة، غير مهتمة بكيفية بناء المجتمع بشكل صحيح، بل تحصر اهتمامها بحماية سلطتها وامتيازاتها ومغانمها فقط.
لذلك نلاحظ أن المجتمع يتراجع، وقد تقوم السلطات الحكومية ببعض الخطوات الجيدة مثل إعطاء الرواتب أو المنح والعطايا لاسيما حين تقترب الانتخابات، لكن نلاحظ عدم الاستثمار في التعليم، ولا في قطاع الصحة، ولا في التربية، ولا يعالجون قضية التوظيف وإيجاد حلول لمشكلة البطالة.
كيف ولماذا تتكاثر الأزمات؟
وهكذا تتكاثر الأزمات والمشكلات نتيجة لعدم الاهتمام إلا بالقضايا الفردية، ويعود هذا إلى وجود الاختلال في التفكير لدى هذا النوع من البشر، وعدم فهم ديناميكية عملية التكامل الاجتماعي، وكذلك وجود اختلال في مفهوم وطريقة الإدارة، لذلك يتجه المجتمع إلى التفكك والاختلال الاجتماعي.
هناك نقطة نراها في عالم اليوم هي نشوء الجزر المنعزلة، ونتيجة للتقدم المادي أصبح الإنسان يعيش في جزيرته الخاصة، وينعزل عن الآخرين حتى الطعام يطلبه بطريقة الـ (الدلفري/ التوصيل)، وقد لاحظنا الإغلاق العالمي الذي حدث في زمن كورونا، وأدى ذلك إلى العيش المنعزل بعيدا عن الآخرين.
لكن هذا الإغلاق الذي حدث يؤدي الآن إلى نتائج اقتصادية خطيرة جدا، لذلك حدث الاختلال الاقتصادي الكبير بسبب الإغلاق والعيش في حالة عزلة تامة.
العيش في الجزيرة المنعزلة
الجزيرة المنعزلة التي يعيش فيها الفرد، تؤدي إلى اختلال اجتماعي، وانفصام الإنسان عن الإنسان، وتفكك القيم الاجتماعية، لكن كيف يعيش الإنسان بلا قيم؟، نعم يمكن أن يعيش الإنسان في الماديات، يعيش جسميا، لكن نفسه وروحه وعقله ودواخله تعيش بالقيم.
بخصوص كيفية عيش الإنسان مع الآخرين والاهتمام بهم يقول الإمام علي (عليه السلام): (اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك، وأحب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها، لا تظلم كما لا تحب أن تظلم، وأحسن كما تحب أن يحسن إليك، واستقبح لنفسك ما تستقبحه من غيرك، وارض من الناس ما ترضى لهم منك)، كل ما ورد في هذا الحديث قيم اجتماعية تركز على معنى التلاحم الاجتماعي المهم جدا في عملية البناء الاجتماعي ونجاح المجتمع في تكامله.
أما إذا بقينا نعيش في الجزر المنعزلة، فإن النتائج سوف نراها ونعيشها لاحقا.
ما أسباب الاختلال الأخلاقي؟
من ضمن نتائج ترك الاهتمام، والعيش في الجزر المنعزلة، أولا حدوث الاختلال الأخلاقي، على الرغم من أن الأخلاق تحصيل ذاتي، فكل إنسان يمكن أن يتعلم الصدق والأمانة بنفسه، لكنها تبقى اجتماعية أيضا.
حين قال الإمام علي (عليه السلام) في الحديث (أحب لغيرك ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لها) وما تلا ذلك، كل هذا يدل على وجود قيم وأخلاقيات اجتماعية، أما الأخلاقيات الفردية فهي تتحقق في إطار منظومة أخلاقية اجتماعية لابد للإنسان أن يتبادلَها مع الآخرين.
مخاطر النبذ الاجتماعي
إن الإنسان الذي يعيش منعزلا عن الآخرين لابد أنه يمتلك إمكانيات مادية كافية، وإلا كيف يعيش منعزلا، ويؤدي هذا إلى ظهور النبذ الاجتماعي، أي يتم عزل طبقات مهمشة منبوذة في المجتمع، وهذا يؤدي إلى تهديد السلم الاجتماعي، وحدوث الانحراف، وهناك كثير من الناس فقراء مساكين منبوذين، السبب أن هناك أناس يمتلكون الثروات ويتحكمون بكل شيء، وهناك أناس لا يمتلكون أي شيء.
يُقال هناك أكثر من مليار إنسان في العالم يعيشون تحت خط الفقر، أي دخله اليومي اقل من دولار واحد، أما عدد الفقراء في العالم فيبلغ ما يقرب ثلاثة مليارات نسمة. ويحدث هذا الفقر لان كل دولة تفكر بنفسها فقط، وكل مجتمع يفكر بنفسه، وكل إنسان يفكر بنفسه، فتحصل عملية النبذ الاجتماعي والتهميش.
لكن لا يستطيع الإنسان أن ينقذ نفسه فقط، فالإنقاذ يجب أن يكون للجميع، وقد توصلوا إلى نتيجة أنهم إن أرادوا إنقاذ العالم من هذا الوباء أو من أية أزمة أخرى مثلا أزمة الكارثة المناخية، فلا بد أن يتعاون الجميع معا، ولا يصح العمل بشكل فردي، من دون تنسيق وتعاون جماعي.
ظاهرة النبذ الاجتماعي هي نتيجة لظاهرة الجزر المنعزلة والتهميش، وكذلك ظهور الطبقية، يُقال أن ثروات الأغنياء ازدادت خمسة ترليون دولار بعد كورونا، وأغنى إنسان في العالم يمتلك 300 مليار دولار وهو يعتبر أغنى رجل في التاريخ، هؤلاء ازدادوا ثراءً وعامة الناس ازدادوا فقرا بسبب الطبقية واللامبالاة.
ظاهرة الانشطار الفئوي
لكن السؤال ماذا يريد هذا الشخص أن يفعل بهذه الثروة الهائلة، هذا نوع من الفساد، الثروة المطلقة فساد مطلق، ولابد أن تكون الثروة في خدمة الفقراء، وحق على الغني أن يعطي للفقير بل هذه من الواجبات التي أوجبها الله سبحانه وتعالى على الغني، وقد روي عن الإمام علي (عليه السلام): (إن الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلا بما متع به غني، والله تعالى سائلهم عن ذلك). هذا هو معنى الاهتمام الحقيقي، وإلا ماذا يفعل بالثروات هؤلاء الذين يتكالبون عليها؟
الطبقية والفردية حيث كل فرد يعيش في جزيرته بمعزل عن الآخرين، سيؤدي الى الانشطارات الفئوية الحادة وفئات متقاتلة متصارعة فيما بينها، وتنظر لمصالحها الخاصة وليس لها علاقة بالمصالح العامة.
والانشطار الفئوي يؤدي إلى فقدان الثقة وإلى العنف الاجتماعي، حيث بات خطيرا في بعض الدول سواء كان عنفا عرقيا أو طائفيا أو سياسيا، فهو يؤدي إلى نتائج خطيرة جدا.
المشكلات والأزمات التي تحدث في عالم اليوم هي نتيجة للانشطار الفئوي والاهتمام الفردي الضيق، بالنتيجة يؤدي هذا إلى وجود صراعات وصدامات اجتماعية مستمرة.
رسالة المسلم
إن الرسالة التي يمكننا طرحها حول قضايا الاهتمام، أننا نحتاج إلى التضحية والعطاء والتفاني والإنصاف والعدالة والاحسان وقضاء حوائج الناس، ويجب أن تكون المسؤولية أولى من الرغبة، وإذا أردنا أن نتجاوز أزماتنا ومشكلاتنا ونتقدم إلى الأمام لابد أن نعالج قضية اللامبالاة، ونطبق ما جاء في الحديث الشريف وثقافة أهل البيت (عليهم السلام).
وقد قال الإمام علي (عليه السلام): (ابذل لأخيك دمك ومالك، ولعدوك عدلك وإنصافك، وللعامة بشرك وإحسانك).
ان تقدم المجتمع وتخلفه قائم على مستوى الاهتمام وان نجاح المجتمع الإسلامي يعتمد على فعالية كل مسلم في تحمل مسؤولياته، وان ترك الاهتمام واللامبالاة من اهم عوامل التحطم الذاتي والتخلف الاجتماعي والحضاري.
ويؤكد سماحة المرجع السيد صادق الشيرازي دائما على ثقافة أهل البيت (عليهم السلام) والاستفادة منها، فهذه الثقافة تؤكد على مسؤوليتنا، وعلى التعامل الجيد مع الآخرين وإنصافهم وحسن الأخلاق وتحمّل المسؤولية الاجتماعية ومساعدة الفقراء، هذا الاهتمام يلبّي حاجتنا المعنوية الكبيرة داخل أنفسنا، فلو أن كل شخص عرف قيمة الاهتمام وخرج من أغلال وقيود الأنانية سوف يحس بلذة كبيرة جدا، ويشعر بمعاني عظيمة في حياته.
وللكلام تتمة..