هل يمضي العراق نحو الانغلاق السياسي؟
علي مراد العبادي
2021-11-25 08:11
بعد اعلان نتائج الانتخابات الأولية وما أسفر عنها من تفاوت بين الكتل السياسية، وتراجع قوى تقليدية لمستويات كبيرة فقد تباينت مكانة كتل سياسية أخرى بعضها استطاعت الحفاظ على مكانتها الانتخابية وحجمها بين الكتل الأخرى في الوقت الذي برزت كتل أقل مكانة إذ تعد من الكتل الوسط والأقل حجما من الكتل الأخرى.
وبطبيعة الحال هذا الوضع لا يرضي بعض القوى السياسية ولا سيما تلك التي ظهرت في ظل النظام السياسي الجديد منذ 2003 وهي لا تريد التسليم بذلك أو تتقبل نتيجة التراجع أو ربما الجلوس في خانة المعارضة، لذلك تصاعدت وتيرة الشكوك والتشكيك سواء أكانت بإجراءات المفوضية أم في نتائجها التي تعرضت للتغيير أو بالعامل الخارجي، في ما كانت غالبية الطعون التي تقدمت بها كانت نتائجها مطابقة بعد إجراء العد والفرز اليدوي، فإنطلق المعترضون على نتائج الانتخابات بتظاهرات واعتصام من أمام بوابات المنطقة الخضراء مطالبين بإعادة العد والفرز اليدوي لمجمل محطات العراق الانتخابية، مما أدّى لحدوث مناوشات مع القوات الأمنية نتج عنها جرح عدد كبير من الطرفين، فيما تصاعدت وتيرة التهديد المعلن والمبطن، ليتبعها بعد ذلك استهداف مقر رئيس الوزراء بطائرة مسيرة تحمل عدة قنابل أدّت لأضرار مادية في المنزل، لتتصاعد بعدها وتيرة الادانة الداخلية والخارجية، وفي هذا الوقت شرعت القوات الأمنية بتأليف لجنة تتولى التحقيق في ما حدث، في مقابل ذلك يبقى ملف التفاوض بين الكتل يشهد جمودا كبيرا.
مفهوم الانغلاق السياسي
أكد العديد من الشخصيات السياسية والاعلامية بأن العراق قد يدخل في خانة الانغلاق السياسي، لذلك لا بد من معرفة ما المقصود بهذا المصطلح، الذي يعني "بقاء النظام السياسي مغلقا على مجموعة محدودة من المكونات فقط فيرتبط الوصول إلى ذلك النظام بالولاء للدوائر المحيطة بمجموعة السلطة وأصحاب القرار، ويبقى مستقبل البلاد رهينا بتوجهات هذه المجموعة التي تشكل جوهر النظام، وسواء تغيرت تشكيلة المجموعة بمرور السنين، أو توسّع عددها أو انخفض، فإن وجودها يظل ثابتًا ولا يمكن تخطيها للوصول إلى السلطة".
وواقعيا هذا الحاصل منذ عام 2003 الى انتخابات 2021 فالقوى السياسية تؤمن بوجود انتخابات وديمقراطية وتغيير سياسي بشرط ان تبقى تتصدر واجهة النظام، ودليل ذلك بعد كل انتخابات وعند الشروع في التفاوض لتأليف الحكومة كان ينظر للكتل السياسية بثقلها السياسي وليس الانتخابي فلا يمكن تجاوز أي قوى سياسية تقليدية دون اشراكها بتأليف الحكومة واعطائها مناصب على وفق ما يتم الاتفاق عليه من نقاط مقابل تمرير الحكومة، وهي ظاهرة تجعل النظام السياسي العراقي فعلاً يعيش بحالة انسداد، كتل بعينها تتناوب على مراحل الحكم دون السماح للقوى الاخرى بالولوج لذلك النظام.
المتغير في نتائج انتخابات 2021
هناك العديد من المتغيرات جعلت من الانتخابات الأخيرة مختلفة عن سابقاتها أولها القانون الانتخابي ذي الدوائر المتعددة وما لها من مميزات، الأمر الآخر هو اجراء انتخابات من دون اشتراك رئيس الوزراء فيها أي إنه لم يرشح نفسه ولأول مرة يحدث هذا منذ بدء الانتخابات في العراق بعد 2003، وهذا الأمر اعطاها زخما ومقبولية اكثر مما سبق، والشيء الآخر هو سرعة اعلان النتائج والمراقبة الدولية، فضلا عن تولي القضاة لمجلس المفوضين، أما نتيجة الانتخابات والتي شكلت محل جدل وخلاف حتى الان فغالبية المراقبين للشأن الانتخابي يعدونها واقعية لأن الدوائر المتعددة تخدم القوى الشعبية المؤثرة، فالكتلة الصدرية عملت على توزيع مرشحيها على وفق عدد أصواتهم في انتخابات 2018 ووجهت قواعدها لاختيار المرشح ضمن رقعة جغرافية معينة حتى تتمكن من حصد أعلى الاصوات للدائرة الانتخابية نفسها وهي عملية حسابية معروفة، والدليل ان مجموع أصوات التيار الصدري في تلك الانتخابات أقل من انتخابات 2021، إلا إن عدد مقاعدها ارتفع من 54 الى 73 على وفق قانون جديد وتقسيم مناطقي، وكذلك الحال بالنسبة للقوى الجديدة، وهذا لا يبرر بأن الشارع رافض لبعض الاحزاب والشخصيات السياسية وقد عبر عن رأيه الانتخابي.
التفاوض والانغلاق
في معادلة العراق السياسية ليس من السهل أن يكون هناك فائز وخاسر، وهذه مفارقة كبيرة أمام العقبة الدستورية التي نصت على إن اختيار رئيس الجمهورية يكون بأغلبية الثلثين والحصول على ثقة الحكومة يكون بأغلبية النصف زائد واحد، ومعنى ذلك من الاستحالة ان تحقق كتلة بعينها أو تحالف هذا العدد مع وجود التعددية السياسية والطائفية وتركيبة العراق السكانية، مما يضطر الفائز لخوض مشاور تفاوضي كبير وارضاء أطراف عدة بمن فيهم الخاسر وترتيب الأوراق وتقاسم الحصص حتى يكون الاتفاق على شخص رئيس الجمهورية والنواب ورئيس الوزراء.
لذلك فإن الانغلاق السياسي نابع من هذه العقدة التي من الصعب تجاوزها، وقد نشهد تحالف الصدر مع الديمقراطي الكردستاني، وتحالف تقدم وقوى شيعية صغيرة، وهذا قد لا يبدو سهلا في ظل تمسك قوى الاطار التنسيقي الشيعي بمطالبهم، وهنا يكمن دور المفاوض القوي الذي يستطيع ارضاء الجميع بأقل خسائر.