داعش وخفايا إدارة العنف الدموي
باسم حسين الزيدي
2015-07-10 12:28
تنظيم "داعش" لا يجد صعوبة تذكر في تجنيد المقاتلين من أكثر من 100 جنسية حول العالم، ليشارك في المعارك التي يخوضها عناصره في سوريا والعراق... ومنهم الانتحاريين والذئاب المنفردة التي تهاجم اهداف عشوائية او مركزة داخل بلدانهم... إضافة الى المقاتلين المهاجرين الى بلدان (غير العراق وسوريا)، يرغب التنظيم في تأسيس وجود "لدولة الخلافة" المفترضة فيها، مثل ليبيا واليمن ومصر وتونس...الخ.
بخلاف الولايات المتحدة الامريكية، التي قادت "التحالف الدولي" المشكل من أكثر من (60) دولة غربية وغربية... التي لم تستطع جمع اكير من (60) مقاتل سوري جاهز لمحاربة التنظيم في سوريا، بينما تجري الترتيبات بتعثر في العراق... لجمع الالاف من أبناء العشائر العراقية السنية... من اجل تدريبها وتسليحها للمشاركة في مقاتلة التنظيم على الضفة الأخرى... على الرغم من وجود قوات من العشائر السنية تقاتل التنظيم منذ أشهر... وهي مشاركة مع قوات "الحشد الشعبي" للدفاع عن مناطقها التي غزاها التنظيم بعد سقوط الرمادي، وبعض المدن التابعة لمحافظة صلاح الدين.
الاستراتيجية التي استخدمتها الولايات المتحدة الامريكية كانت عبارة عن "نسخ" تكتيكاتها السابقة للتعامل مع التنظيمات المتطرفة... ومنها "القاعدة"، ليعاد "لصقها" على تنظيم "داعش"، وفي حقيقية الامر اعتمد تنظيم "داعش" على الغموض الذي شكله امام الولايات المتحدة الامريكية والدول التي تحاربه، ليطور تكتيكاته الخاصة به باستمرار، ويبقى لغزا كبيرا بالنسبة للعالم الذي اعتمد على القراءة الخاطئة للولايات المتحدة الامريكية والغرب عن التنظيم الذي عرفه باعتباره النسخة الثانية للقاعدة.
قد يبدو الامر قريبا من الواقع للوهلة الأولى... لكن في جوهرة فالحقيقية مختلفة تماما... "داعش" لا يمثل استراتيجية القاعدة ولا يقترب من تكتيكاتها الا بنسبة ضئيلة قد لا تتجاوز في أفضل التقييمات عن 10%، والتي تعتمد في اغلبها على التسميات الإسلامية وإدارة التوحش والرعب والتقارب الأيديولوجي في بعض النقاط، فيما يبقى الفارق كبيرا في النقاط الأخرى.
الاعتماد على المعلومات السابقة وبناء تقييم خاطئ عليها، فاقم من تمدد التنظيم داخل سوريا والعراق... وارتفاع نسبة مؤيديه في الشرق الأوسط والغرب، بعد ان صنعت منه هذه التقييمات "الخاطئة" نجما لا يقهر... وان كان في حقيقية الامر ليس بهذه الدرجة من الخطورة، لكن طريقة التعامل معه... وضعف الاستراتيجية المضادة للتنظيم... حولت نقاط الضعف لديه الى نقاط قوة.
للانتصار على تنظيم "داعش"... ينبغي عكس "استراتيجية داعش"، واستخدام تكتيكات مضادة للتي يستخدمها التنظيم في كسب نفوذه... وعلى سبيل التوضيح، يمكن إعطاء ثلاث امثلة على الخلل الذي تعاني منه "الدول الكبرى" خلال شنها لحملاتها العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية... بهدف القضاء على "داعش" والموالين له.
المثال الاول
كما ذكرنا في بداية الحديث، فان داعش استقطب عشرات الالاف من مختلف دول العالم، ومنهم من فجر نفسه بمهمة انتحارية نزولا عند رغبة قادة التنظيم، بينما فشلت الولايات المتحدة الامريكية في استقطاب 5000 الالاف معارض سوري حسب برنامج التدريب الذي أعدته بالتنسيق مع تركيا... اما في العراق، فالأمر ما زال يراوح مكانة بالنسبة للعشائر السنية التي سلبت أراضيها على يد التنظيم... في حين لم تقدم الولايات المتحدة الامريكية الدعم لقوات "الحشد الشعبي"، (بل لم تقدم الدعم الكافي حتى للحكومة العراقية)، التي قاتلت التنظيم وتمكنت من طرده من معظم محافظات صلاح الدين وديالى ومحيط بغداد، إضافة الى مشاركتها للقتال في محافظة الانبار... والسبب هو تضارب "المصالح السياسية" و"التقييم الخاطئ".
المثال الثاني
استطاع تنظيم "داعش" تنويع مصادر تمويله، فهو لم يعتمد على التبرعات والاعانات والفدية مثلما فعل تنظيم "القاعدة"، بل بحث عن مصادر جديدة، كان أبرزها الاعتماد على تهريب النفط ومشتقاته من خلال شبكة من المافيات وتجار التهريب، إضافة الى تجارة السلاح والمخدرات فرض الضرائب والسيطرة على التجارة (مصارف، عقارات، بيع وشراء...الخ) داخل المدن التي استولى عليها.
امام هذه الحركة والتشبيك في تنويع مصادر التمويل... ما زال المجتمع الدولي يراوح في مكانة وهو يحاول منع او تجفيف مصادر التمويل... والغريب ان جهات رسمية في عدد من دول العالم متهمة بالتعاون مع شبكات غسيل الأموال والتهريب والمافيات العالمية التي تسهل عمل التنظيم وأمواله.
المثال الثالث
إذا توفر "المال" و"الرجال" لن يتبقى امام التنظيم سوى إدارة "العنف"... وهذه الإدارة تحتاج الى منظومة كبيرة ومعقدة من "الاعلام" بكل أنواعه وصنوفه... وقد فاق تنظيم "داعش"، جميع التنظيمات والحركات المتطرفة في العالم... من حيث إدارة الاعلام والترويج للتنظيم، عبر شبكة كبيرة من الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية... وبث العشرات من المقاطع الاحترافية الصوتية والمرئية... كما ساهم الاعلام الناقل لأخبار التنظيم في الترويج له عبر إطلاق تسمية "الدولة الإسلامية" و"ارض الخلافة" و"الخليفة" وغيرها من الأسماء والالقاب التي زادت من شعبية التنظيم وسط المتطرفين والمتعاطفين معه... وكالعادة وقف المجتمع الدولي والدول الكبرى المتصدية للتنظيم... عاجزة امام احتواء "اعلام التطرف" الذي يبثه "داعش" على اثير الانترنت بصورة يومية.