خرافة الاستقلالية: عن العلاقة بين السلطة والاعلام ومراكز الابحاث في الولايات المتحدة

رياض محمد

2020-12-06 04:10

للكثيرين تبدو عناوين مثل معهد بروكنز وصحيفة النيويورك تايمز وشبكة ان بي سي وعناوين اخرى كثيرة مؤسسات رصينة لايمكن التشكيك بتقاريرها واستنتاجاتها، لكن الحقيقة اكثر تعقيدا، فهذه المؤسسات سواء كانت اعلامية او مراكز ابحاث تقدم نماذج ممتازة لفهم العلاقة (غير البريئة) بين السلطة و الاعلام والسلطة ومراكز الابحاث في الولايات المتحدة، فخلال متابعتي للانتخابات الامريكية ومابعدها عبر شاشات شبكات التلفزة الامريكية الكبرى الثلاث (ان بي سي وسي بي اس واي بي سي) تكتشف الكثير والكثير الذي لا تحرص هذه الشبكات على اخفائه.

فمثلا خلال لقاء اجرته مذيعة شبكة ان بي سي سافانا غوثري مع نائب الرئيس الاسبق ال غور ذكرت المذيعة ال غور بان زوجها كان يعمل معه في وقت ما، ذكرني هذه باواخر عام 2008 اثناء حملة الانتخابات الرئاسية حيث وجدت – خلال عملي في مكتب النيويورك تايمز في بغداد – انه لا يوجد اي مراسل امريكي في الصحيفة الا ويؤيد باراك اوباما. بل اخبرتني احدى المراسلات حينها انه اذا لم يفز اوباما فانها ستذهب لتعيش في العامرية (التي كانت تحت سيطرة القاعدة)!

حينها نشرت النيويورك تايمز مقال رأي بقلم اوباما لكنها رفضت نشر مقال ممائل بقلم السناتور ماكين منافسه الجمهوري متحججة بانه لا يلبي متطلبات الصحيفة الفنية، بالعودة الى شبكة ان بي سي فقد ذكرت قبل اسبوع قائمة بالمرشحين لشغل منصب الناطق باسم البيت الابيض (اختار بايدن ناطقة سابقة باسم الخارجية) وكان نصف المرشحين مذيعات سابقات في نفس الشبكة! امر مثير اخر ومتكرر هو عمل المسؤولين الحكوميين السابقين (وبعضهم كانوا وزراء) بصفة (محللين) لشبكات التلفزة. فمثلا وزير الخارجية القادم بلينكين كان محللا لصالح السي ان ان.

ماذا يعني كل ذلك؟

لايعني ان المؤسسات المذكورة غير رصينة بالمرة لكنه ينسف خرافة الاستقلالية التي تزعم هذه المؤسسات انها تتمتع بها. لهذا فان تقاريرها يجب ان تقرأ بعين ناقدة لانها كثيرا ما تعكس الاتجاه السياسي لهذه المؤسسات (في الشؤون الداخلية) وكثيرا ما تكون سرقة لجهود الكادر المحلي (في الشؤون الخارجية).

وهذا ليس حكرا على المؤسسات الليبرالية. فالامر ينطبق على شبكة فوكس نيوز التي يخرج منها غالبية الناطقين الرسميين الجمهوريين مثل الناطقة الحالية باسم الخارجية الامريكية مورغان اورتاغوس. لكن الفارق ان المؤسسات القريبة للجمهوريين لا تتبجح كثيرا بالاستقلالية مثل نظيراتها المقربة للديموقراطيين.

ماذا عن مراكز الابحاث؟

قد يبدو الانتماء لمؤسسات مثل بروكنز ومدرسة كينيدي في جامعة هارفارد ومركز التقدم الامريكي كافيا لكي يوفر للباحث مصداقية لا يعتورها الشك.

لكن نظرة بسيطة الى قائمة من يشغل وظيفة باحث كبير او كبير باحثين في هذه المؤسسات ستكشف ان عددا غير قليل من هؤلاء كانوا مسؤولين حكوميين (وزراء ونواب وزراء وجنرالات وغيرهم).

وبالعودة الى ادارة بايدن القادمة فقد رشح بايدن نيرا تاندن رئيسة مركز التقدم الامريكي لمنصب مدير مكتب الادارة والميزانية في البيت الابيض (وهو من اهم المناصب الاقتصادية وينافس في اهميته منصب وزير الخزانة).

ونيرا هذه ديموقراطية من المقربين لهيلاري كلينتون وقد رأست مركز ابحاث التقدم الامريكي الذي قد يبدو مؤسسة بحثية في حين انه حقيقة ليس الا حديقة خلفية للحزب الديموقراطي حيث يعين مسؤولوه السابقون هناك.

ومن جديد فان هذا لا يقتصر على مراكز الابحاث الليبرالية فمؤسسات مثل هاريتدج وانتربرايز معروفة بانها حدائق خلفية لتدوير المسؤولين السابقين من الحزب الجمهوري. لكن اكرر ان المراكز المحافظة لا تدعي الاستقلالية كثيرا كما تفعل المؤسسات الليبرالية.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا