الشباب وفلسفة التقدم... مواجهة الشائعات

محمد مصطفى معاش

2015-06-08 02:55

الشائعة هي المعلومات أو الأفكار التي يتناقلها الناس دون أن تكون مستندة إلى مصدر موثوق به يشهد على صحتها، تكون على شكل أقوال أو أخبار أو أحاديث يختلقها أو يتناقلها الناس بعضها بحسن نية أو مقصودة أحياناً أخرى دون التأكد من صحتها ودون التحقق من صدقها، والشائعة تنتشر بكثرة في المجتمعات التي تعاني الكبت والتضليل السياسي أو التي تعاني من الحرمان من حقوقها الأساسية في أن يكون لها رأي محترم أو يكون هناك دور لشبابها لصناعة مستقبلهم.

أحياناً تكون الشائعة وسيلة للتخويف أو تستخدم كوسيلة إلهاء للتغطية على قضية أكبر يُراد إخفاءها عن الناس، ومصدرها إما الحكومات أو أعداء البلد، للوقوف أمام التطلعات التي تريد النهوض بالمجتمع.

إن الشائعات لعبت دوراً في التاريخ، فأدت مثلا إلى قتل سقراط من قبل السفسطائيين بتهمة تحريض الشباب في أثينا على التمرد والعصيان، وقامت حروب في القرون الوسطى نتيجة للمغالاة في رواية قصص المعجزات والجرائم، وكان لها دور في التعبئة النفسية في أوربا أبان الحروب الصليبية، كما إن عبيد الله ابن زياد عندما دخل إلى الكوفة متخفياً استخدام أسلوب الإشاعة قبل مجيء جيش الشام لغزو العراق، وأن على أهل الكوفة أن لا ينصروا سفير الإمام الحسين عليه السلام مسلم بن عقيل وكان لهذه الإشاعة صدى مؤثر في أهل الكوفة.

كثيرا ما غيرت الحرب النفسية وجه التاريخ ووسيلة هذه الحرب هي الشائعات التي تستهدف الشباب قبل غيرهم لتغيير معتقداتهم وتوجهاتهم. ويستغل مرّوجو الشائعات الظروف الاجتماعية والنفسية المضطربة للشعب ليحققوا أهدافهم وفي جميع مجالات الحياة.

وفي العراق، ساعدت الفوضى السياسية والظروف الاجتماعية المضطربة على انتشار الشائعات وتحقيق البعض من ورائها أهدافا كبيرة، فإلى أي مدى تؤثر الشائعات على بنية المجتمع العراقي وكيف تسهم في تغيير الظروف السياسية التي تمر به ؟

يرى الدكتور عبد الأمير الفيصل/إعلامي أكاديمي، إن تأثير الشائعات ازداد في المجتمع العراقي في ظل ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصال وتطور دور المواطن من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وتحوله إلى مرسل ومستقبل للمعلومات ومنتج وموزع لها في نفس الوقت من خلال الحرية التي تتسم بها وسائل الإعلام الالكترونية، ما جعل البعض أسير الشائعات والأخبار التي لا تتمتع بالمصداقية في ظل ظروف سياسية وأمنية واجتماعية تخلق بيئة صالحة لسريان الشائعات كسريان النار في الهشيم وتداولها وصعوبة تكذيبها بسبب التقنيات التكنولوجية التي تتلاعب بالنصوص والصور ومقاطع الفيديو. ويؤكد الفيصل على حاجتنا إلى زيادة في الوعي لمجابهة الشائعات وعدم تصديق كل ما ينشر فكل احتمالات تشويه الحقائق قائمة في ظل غياب متحدث حكومي يتصف بالمصداقية وعدم الكذب والاستهانة بعقول المواطنين كما يفعل البعض في كل يوم.

وتعد حرب الشائعات في الحالة العراقية الأشد خطورةً وتدميراً نظراً لحالة الانقسام السياسي في البلاد وتبعاته المجتمعية، فكل يوم يتداول الناس أخباراً مفبركةً تتناول الحياة الخاصة لشخصية عامة بشكل فج وقبيح وأحياناً مشفوع بوثائق أو صور مزورة، وأسوأ ما في الأمر، إن كل ما يُنشر يصدقه كثير من الناس ويتناقلونه بحسن نية أو بقصد مريب، وتصل هذه الأخبار المختلقة في غالب الأحيان مرتبة السب والقذف، هذه الحرب تضع الدولة والحكومة في موقف حرج لان هذه الكارثة الإعلامية تتطلب معالجة ولكن من دون المساس بالحريات العامة وهو ما يجعل المهمة صعبة وحساسة للغاية، وقد توفر في السنوات الأخيرة فضاءاً واسعاً لترويج الشائعات وتصديقها مهما كانت ضعيفة الدليل وبذيئة المضمون، وإذا ما قام أحد ما بمحاولة لتفنيدها فإنه سرعان ما يُوصم بالعمالة للحكومة أو لهذا الطرف السياسي أو ذاك.

إذا بدلا من أن نحسب لأطرافنا الأخرى ألف حساب وحساب قبل التثبت الدقيق، فلنحسب للإشاعات بعضاً من الحساب، لأنها في كثير من الأحيان تصنع من النملة جملاً، ومن الحبة جبلاً، وعندها توقعنا في شراك الأخطاء الكبيرة، وتدفعنا للمشي في طريق لا يستحق المشي أو مقابلة الفعل ورد الفعل بما هو اكبر واخطر منه دون الاحساس بذلك، وبذلك قد نخسر ليس في بعد واحد، بل في أبعاد مختلفة بعد أن نكون قد سلمنا الخصم فرصاً كبيرة للإضرار بنا من حيث لا نحتسب.

إن مواجهة الإشاعات والتصدي لها هي من أسس التقدم التي يجب أن تكون من ضمن الثقافة في المجتمع الشبابي وهي من المهام الرئيسية في ظل مجتمع يواجه أزمات متتالية.

ومن أسس المواجهة:

1- الاستعانة بأهل العلم والخبرة لصياغة الخطط المدروسة التي تكافح الشائعات من جذورها.

2- التزام الشباب بالشفافية العالية في عرض الحقائق عند النشر، إذ هذه الشفافية سوف تقطع الطريق أمام مروجي الشائعات.

3- تكذيب الشائعات: ينبغي اللجوء إلي تكذيب الشائعات كأداة للتصدي لها، ويكون ذلك من عرض الحقائق والأدلة والبراهين التي تنهي الشائعة من أساسها عندما تكون الشائعة بكل مكونتها غير صحيحة.

4- صرف انتباه الفئات المستهدفة : من أساليب مواجهة الشائعة ومكافحتها العمل على صرف انتباه الفئات المستهدفة عن الشائعة وإشغال هذا الفئات بقضايا مهمة من الواقع.

5- اتخاذ عقوبات رادعة لمروّجي الشائعات.

6- التوقف في نقل الإشاعة وعدم قبولها إذا لم تصل إلى حد العلم واليقين بها، فيجب الاعتناء بنقل الخبر الصحيح عن المغلوط.

7- الرجوع إلى المعنيين بالخبر وعرضه عليهم.

وأخيرا فإن دور الشباب في فلسفة التقدم لمستقبل مشرق هو مواجهة مشكلة الشائعة، إن محاربة الشائعات والقضاء عليها يجعل المجتمع يعيش متماسكاً قوياً لا يضعف ولا يهتز، ويتحقق ذلك بتربية النفوس على الخوف من الله ومراقبته، والتثبت في الأمور، فالشاب ينبغي أن لا يكون أذنا لكل ناعق، بل عليه التحقق والتبيّن، وطلب البراهين الواقعية، والأدلّة الموضوعية، والشواهد العملية، وبذلك يُسدّ الطريق أمام الأدعياء، الذين يعملون في الخفاء، ويلوكون بألسنتهم كل قول وزور، ضد كل مصلح ومحتسب وغيور.

...............................
المصادر
1- الرأي العام و الاعلام-الامام الشيرازي (قدس سره)
2- ادارة الازمات مدخل متكامل –الدكتور يوسف احمد ابو فاره
3- ادارة المؤسسات من التاهيل الى القيادة –فاضل الصفار
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا