الكورونا واحتمالات حرب عالمية ثالثة
د. إبراهيم أبراش
2020-04-20 05:47
الأيام والأشهر القريبة ستكون مصيرية في تحديد وجهة العالم ومستقبله حيث أصبح أمام مفترق طرق بسبب الكورونا الذي أوجد فرصة مفتوحة على أحد الاحتمالين: تصعيد وحرب عالمية مباشرة وشاملة أو محدودة عبر وكلاء، لمن يريد الحرب والتصعيد وهناك عدة بؤر توتر عبر العالم قد تكون ساحة لهذه الحرب، أو فرصة لإعادة بناء النظام العالمي على أسس جديدة من التعاون والعدالة بعد استخلاص العبر من الخطر الذي سببه فيروس الكورونا وتهديده لكل البشرية، لمن هو حريص على السلم العالمي.
لأن العالم كان محتقِناً والنظام العالمي كان على شفا هاوية وتسوده حالة من انعدام الثقة ليس فقط بين واشنطن والصين وروسيا الاتحادية بل حتى داخل مكونات المعسكر الغربي فقد اطلق وباء الكورونا العنان لنظرية المؤامرة لتصول في ساحة التنظير والبحث ولتطال حتى منظمة الصحة العالمية، وما يساعد على ذلك عدم اليقين حتى الآن ما إن كان الكورونا فيروس طبيعي تطور طبيعيا عن فيروس سابق أم أنه نتاج مختبرات لإنتاج أسلحة بيولوجية و جرثومية وهذا ما تعكسه الاتهامات المتبادلة بين بكين وواشنطن.
إن ثَبُت أن فيروس الكورونا ذو نشأة طبيعية ولا دور لأية دولة في خلقه أو نشره أو التقصير في مواجهته فهذا سيُعجِل في محاصرة الفيروس والحد من تداعياته حيث ستتكاتف جهود كل الدول لمواجهة هذا الخطر الخارجي الذي يهدد البشرية وستصل الأمور إلى التعايش معه ليصبح مثلة مثل مرض الانفلونزا أو السرطان أو الإيدز الخ، وهذا بدوره سينزع فتيل أي حرب أو صراع دولي وسيحاصر الدول الراغبة في توظيف الكورونا للتصعيد وتصفية حسابات مع الخصوم، أما إن ثَبُت دور للصين كما تزعم واشنطن في تصنيعه أو نشره ففي هذه الحالة سنكون أمام نُذر حرب أو تصعيد قد يأخذ طابعاً عسكرياً وخصوصا أن النظام الدولي والعلاقات الاقتصادية والسياسية بين الدول العظمى وخصوصا الأقطاب الأربع: الصين والولايات المتحدة وروسيا الاتحادية والاتحاد الأوروبي وصلت قبل الكورونا لمرحلة حافة الهاوية.
تخوفات حقيقية بأن يتم توظيف الوباء وتداعياته الاقتصادية تحديدا لخوض حرب عالمية حتى وإن كانت محدودة للخروج من أزمات ومشاكل عميقة اقتصادية واجتماعية داخلية تعاني منها دول عظمى وخصوصا الولايات المتحدة الامريكية. في هذا السياق قد تلجأ الولايات المتحدة في عهد ترامب لتوظيف الاتهامات الموجهة للصين بالمسؤولية عن نشر الوباء للدخول في حرب معها وقد تتوسع الحرب لتنظم للصين دول أخرى مثل روسيا الاتحادية وإيران وفي المقابل قد تستقطب واشنطن دولاً أوروبية إلى جانبها.
إن كنا نتمنى الخروج من كابوس الكورونا في أقرب وقت وهناك مؤشرات إيجابية في هذا الاتجاه مثل: قدرة الصين على محاصرته، إعلان ألمانيا أنها استطاعت السيطرة على الوباء، توجه عديد الدول نحو التخفيف من الإجراءات الوقائية المتخذة، كما أن كل دول العالم تقريبا لا تشاطر الرئيس ترامب في اتهامه للصين بالوقوف وراء تفشي الوباء بالإضافة إلى أنه بالرغم من التداعيات الكبيرة والخطيرة للكورونا إلا أنها حتى الآن دون مستوى الخسائر البشرية المترتبة عن الانفلونزا والسرطان مثلا، إلا أن سيناريو أو تصور الحرب القادمة يثير الرعب ليس فقط لأن أطرافها تملك ترسانات من أسلحة الدمار الشامل النووية والذرية والكيماوية والبيولوجية والإلكترونية التي تجعل من الاستحالة حسم الحرب لصالح طرف على حساب بقية الأطراف، بل أيضا لأن التربط والتشابك والاعتمادية المتبادلة بين الدول ستجعل من الحرب كارثة اقتصادية ستضرب جميع الدول وستؤثر على الحضارة الإنسانية برمتها.
التخوفات من الانزلاق نحو الحرب تبقى واردة ليس بسبب كثرة الضحايا بل لأسباب اقتصادية. فبالنسبة للصين وبالرغم من أن مبررات التصعيد والحرب ضعيفة عندها لأنها لم تبني اقتصادها كاقتصاد حرب حتى وإن كانت دولة نووية وتملك جيشا قوياً، إلا أن الصين لا يمكنها أن تتراجع أو تتنازل عن توسعها الاقتصادي وسياسة اغراق الأسواق العالمية بالمنتوجات والاستثمارات وإلا لن تستطيع إطعام مليار ونصف المليار من البشر.
وفي المقابل فإن كان وعي أصحاب القرار في واشنطن بالمخاطر المترتبة عن حرب عالمية ترجح كبح جماع النزعة الحربية، إلا أن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تتراجع أو تتنازل عن امبرياليتها وليبراليتها المتوحشة وإلا ستنهار داخلياً بسبب حرب أهلية بين خليط الأعراق والاجناس فيها والذين لا يجمعهم إلا الوضع الاقتصادي المتميز، حيث قوة الاقتصاد وحالة الرفاهية حلت محل الانتماء القومي في تماسك المجتمع و الدولة، وبالتالي لن تسمح بأن يتراجع اقتصادها أو يفلت زمام قيادة العالم من يدها.