فجر اور جديد وقطار الحرير الصيني
حلول اوربية منتظرة وضمانات دولية مطلوبة
مازن صاحب
2020-01-01 08:38
من يمتلك البلورة السحرية لمعرفة المستقبل؟، العرافون والسحرة منذ زمن الدولة البابلية والفرعونية احتلوا موقعا متميزا في بلاط الملوك، واليوم من باستطاعته التنبؤ بمستقبل العراق، هل تكفي ملاحقة الاحداث المتسارعة فهم المستقبل؟
هذه الورقة محاولة متواضعة ليس للنظر في تلك البلورة، بل ربط المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية لعل وعسى يكون هناك فهما أفضل عند المتصديين للسلطة في التعامل الناجع مع هذه المتغيرات فقط من اجل مصلحة عراق واحد وطن الجميع، يفهم مضمون قوة المستقبل الذي ينتظرهم في عالم متغير بسرعة فائقة.
شرق –غرب:
منذ العصور القديمة حتى استشراف أواسط القرن الحالي، تبقى الحلول تأتي من الشرق، مرة حينما توجه نتاج الحضارات الإبراهيمية الى اصقاع اوربا، وثانية عندما وظفت مخرجات الثورة الصناعية الموارد الأولية من الشرق لخدمة تطور الذات الإنسانية الاوربية التي عانت من حربين عالميتين مدمرتين.
أبرز هذه القراءات، كانت محور محاضرة الدكتور عبد علي سفيح لتحويل (اور – منطقة نبي الله ابراهيم) الى عاصمة جديدة للمال العالمي، ألقيت هذه المحاضرة خلال زيارته لبغداد في نوفمبر 2018، قد تبدو هذه الفكرة صاعقة على الذهن العراقي الحاضر وهو يواجه استحقاقات حروب متعددة، لاسيما دعوة الباحث العراقي أبناء جلدته الى اعتماد فكرة ان “تغيير العالم تأتي من العراق”.
فن التحاور في مثل هذه القراءات الاستشرافية، يتطلب الإمساك بدفة الحوار من مناطق مختلفة، هكذا كان حواري مع الدكتور عبد سفيح، أستاذ التربية في جامعة بوردو الفرنسية حول المساق المنهجي لفهم الماضي من اجل استنتاج المستقبل، في النطاق الزماني والمكاني لفهم الأدوات الحضارية التي ربما بدأت من العجلة وصولا الى النانو تكنلوجي!.
الفرضية التي وجدها الأستاذ العراقي المغترب تتعامل مع حقيقة يمكن اثباتها عبر التاريخ، كما فعل المفكر الفرنسي المعروف جاك آتالي في كتابيه (غدا .. من سيحكم العالم؟) و(قصة موجزة عن المستقبل)، كل ذلك يطرح تساؤلات مستقبلية عنما يمكن ان يحدث في الغد القريب او البعيد،كانت ضمن حوارات ثرية تطلبت التوقف عند الكثير من النقاط المثارة في النقاش الذي طال لساعات في مقاربات حضارية بين نموذج النهوض الحضاري ما بعد الطوفان العظيم، وقوته وقدرات الفكر الإسلامي في نموذجه الشيعي ما بين الخميني والسيستاني، لإعادة اطلاق المارد الحضاري الشرقي من جديد، في وقت يتطلب تحديد الاثر القريب منه والعالم الغربي ينتظر مفاجئات انتكاسة اقتصادية تنذر بشؤم ازمة 1929، وربما في الغد البعيد ترتسم علاقات ندية او منذرة بالمخاطر ما بين طريق (حرير جديد) يشارك فيه اكثر من نصف عدد سكان الأرض، مقابل ذات الطموحات الاوربية بالإبقاء على عنصر التفوق الاقتصادي بالاستثمار الأفضل لموارد اقتصاد المعرفة بعد ان تركت مكائن الصناعة تدور في مصانع متعددة الجنسيات في دول الشرق ذات الايدي العاملة الارخص، والإبقاء على انتاج المعرفة وصيرفة البنوك بقبضة عمالقة الصناعات الغربية متعددة الجنسيات.
الحرب الباردة:
كل ذلك يطرح السؤال الأبرز، ما علاقة كل من الخميني والسيستاني، وكليهما رجل دين يختلفان في المنهج الفقهي لنظرية الحكم، حيث يأخذ الأول بنظرية “ولاية الفقيه” وتعني باختصار شديد حكم رجل الدين الأكثر جمعا لشروط الامامة الدينية في الحياة السياسية الدنيوية، مقابل نظرية السيستاني التقليدية القائمة على مفهم الولاية العامة في تسيير الحياة الاجتماعية دون التدخل في الشؤون السياسية لإدارة الدولة.
اذا قارنت مساق ونطاق الإجابة على هذا التساؤل في مناقشاتي مع الدكتور صفيح، ربما يجدر بنا التذكير بمفهوم “حكومة العالم” التي شكلت في عهد الرئيس كارتر بقيادة زبنغيو بريجنسكي مستشاره للأمن القومي، التي حولت رئيس الولايات المتحدة الامريكية الى رئيس مجلس إدارة اعلى للشركات متعددة الجنسيات، عندها كان لابد من انهاء الحرب الباردة التي أنهكت القارة الاوربية، بل ظهر أواسط الثمانيات غلاف مجلة التايم الامريكية بعنوان (افول اوربا) وهو ما يتجاور اليوم في تصريح الرئيس ماكرون بانتهاء حلف الناتو!
السؤال الاخر، ما الذي جرى ما بين نهاية سبعينات القرن الماضي والعقد الثاني من القرن الحادي والعشرين؟؟
رغم تبشير مراكز الأبحاث الامريكية ب( افول اوربا) وبروز اليمن الأمريكي الجديد مبكرا في كتاب (ما بين عصرين) لبريجنسكي، الا ان نوفيتل شاتو قد استضافت الخميني، رجل المعارضة لاحد أعمدة الحرب الباردة التي تهنك اقتصاديات الدول الاوربية، ربما لم يؤشر الدكتور اتالي ذلك في أي من كتابه المشار اليهما أعلاه، الا ان الحقيقة المتفق عليها في هذا الحوار المشترك، بان اوربا استطاعت إيقاف نزيف الحرب الباردة باستثمار تاريخي للمشروع الأمريكي بضرب البطن الرخوة للاتحاد السوفيتي في مشروع بريجنسكي ذاته عندما قامت واشنطن بتمكين المنهج الشيعي من التيار الإسلامي لإعادة توجيه الاحداث بطرق مختلفة، تصب جميعا في مصلحة الإبقاء على نموذج التفوق الغربي.
كيف؟
بوضوح يمكن القول ان نظرية ضرب الجدار الأسفل لدول الاتحاد السوفيتي وتأجيج هزاره أفغانستان الشيعية، تطلب ظهور نجم الزعيم الإيراني اية الله الخميني، وان اختلفت ملامح طروحاته المذهبية عن الطروحات السياسية الا ان المجموعة التي أحاطت به مثل محمد يزدي وزير الخارجية وأبو الحسن بين صدر اول رئيس للجمهورية الإيرانية الاسلامية، عملت على مبدأ تصدير الثورة للانتهاء بعد أعوام من الحرب العراقية الإيرانية، بظهور بوادر الاقتحام الأمريكي لأسوار السوفييت، وظهور نموذج الغلانسوسيت والبيسترويكا، بقيادة الرئيس غورباتشوف حتى انهار جدار برلين عام 1990، ومن ثم ظهور الاتحاد الأوربي بدلا من ترسيخ نموذج ( التفوق الأمريكي والافول الأوربي ).
المتناطحون ونهاية التاريخ!
نتاج هذا النجاح الغربي الذي جعل الدكتور فوكوياما يكتب عن نهاية التاريخ، فيما بشر ليستر ثرو عن نظرية(المتناطحون) حول اليات الاستثمار لأبعاد النيوليبرالية داخل الاتحاد الأوربي، مع التحدي الياباني، والذي ربما تطور فيها بعد الى نموذج النمور الاسيوية ناهيك عن نهوض اقتصادي صيني وهندي متصاعد نهاية العقد الأخير من القرن العشرين لتفاجأ بنمو اقتصادي اسيوي مسيطر عليه في حلف الأسيان على عكس عقارب الساعة الأوربية التي كانت تواجه ارتدادات دخول دول اوربا الشرقية الى منظومة الاقتصاد الأوربي الموحدة .
في وقت بقيت مراكز الأبحاث الامريكية تتعامل مع ابرز المخاطر الانية والمستقبلية، فانتهت في مشروعها للقرن الأمريكي في القرن الحادي والعشرين الى التنبيه من خطرين، الأول ما وصف ب” الخطر الإسلامي الأخضر” والثاني تهديد نهوض التنين الصيني، ووجدت حلولا لكلا الخطرين فيما عرف بصفقة القرن، التي تمنح إسرائيل صفقة السلام من خلال تحويل المركز المالي والاقتصادي للشركات متعددة الجنسيات من دول النمور الأسيوية الى منطقة الشرق الأوسط، بعد الانتهاء مما وصفه مارتن انديك ب” محور الشر” المتمثل في ايران والعراق وسورية.
ربما تكون خطوات التكتيك الامريكية لتنفيذ استراتيجيات ديمومة قيادة واشنطن لما يطلق عليه عادة ب(العالم الحر) محل نقاش او جدل في الأوساط الاوربية التي ترفض مبدأ الحرب بلا منفعة مباشرة، بل هناك من يرفض اهوال الحروب حتى وان تحققت مثل هذه المنفعة، عكس التفكير الاستراتيجي الأمريكي، وهذا يحتاج الى حلول متجددة، تجعل يد الاتحاد الأوربي اكثر قدرة على الحركة التكتيكية بمواجهة نتاج الخطوات الامريكية التي تتعامل مع خطوط متوازية، كل منها لا يشابه الاخر، فتنظيم القاعدة أصلا هو مخيم تدريب امريكي للمعارضين الأفغان بدعم السلفية الإسلامية للعربية السعودية ضد الوجود السوفيتي في أفغانستان، وارتداد هذا المخيم على مدربيه، نقل شظاياه الى دول الاتحاد الأوربي بعمليات “جهادية” فسارعت مراكز الدراسة الأمنية في بروكسيل، مقر الاتحاد الأوربي لوضع الخطط الاستراتيجية التي تمنع وصول هذه الشظايا الى أبواب بيوت الأوربيين!
الامر الثاني الذي تمضي به الجهود الاوربية، تمثل في ضمان امن الطاقة ووصول الغاز والنفط بالأسعار المناسبة لكل بيت اوربي، مع المضي قدما في الشراكة ربما المتفوقة ضمن منظومة الشركات متعددة الجنسيات، وفتح الشركات متعددة الجنسيات التي وصلت حتى فيتنام ناهيك عن دول أمريكا الجنوبية.
فجوة احتلال العراق:
في هذه الفجوة التاريخية، قفزت القوات الامريكية لاحتلال العراق، في الخطوة الأولى من مشروعها عن المضي القرن الحادي والعشرين أمريكيا كما كانت نتائج القرن العشرين، وكانت بريطانيا على ذات الخط مع المشروع الأمريكي، ربما لأسباب تاريخية تتعلق حتى بتاريخ العائلات الثرية الامريكية وارتباطاتها مع الماسونية البريطانية.
ومن خلال هذه الفجوة، نجحت إسرائيل في اختراق أكبر قلعة مضادة لها، والعمل على تهديم عوامل التهديد الاستراتيجي فيها بعد أدى ذلك الى استسلام شبه كامل لمنظومة دول مجلس التعاون الخليجي، مع تواصل مقاومة إيران لهذا التطور واعتباره تهديدا مباشرا لوجودها، فأخذت تصعد من حدة التهديد النووي، مما جعل الاتحاد الأوربي يسارع للتدخل في إيجاد الحل الدبلوماسي، وكانت للدور الفرنسي -الألماني، خطوات مبكرة في هذا المجال.
مرة أخرى ولكن؟
كما يوصف الدور الأمريكي بكونه مثل ذلك النمر الهائج الذي يدخل مخزن الخزف الصيني، انبرت مراكز الأبحاث الامريكية في إعادة قراءة نتائج العقد الأول للمشروع الأمريكي في القرن الحادي والعشرين، فانتهت الى أسباب داخلية الى ما وصف بالانسحاب المسؤول في سياسات الرئيس باراك أوباما، ومن ثم ظهور تنظيم القاعدة في نموذج جديد عرف بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”، فارتبك الوضع الإقليمي مرة أخرى، وكان لابد من وصول رئيس امريكي جديد بشخصية مثيرة للجدل الإعلامي والإداري على حد واحد، فظهرت شخصية الرئيس دونالد ترامب منتقلا من برامج ” التوك شو” الى الغرفة البيضاوية، ليحقق بصراحة ربما توصف بالوقحة او الفجة، ما لم يستطيع احد تحقيقه في العقد الأول من مشروع القرن الأمريكي الجديد، حيث واجه الصين في عقر دارها بالتباحث مع الرئيس الكوري الشمالي، مذكرا بخطوات كيسنجر في كسر الجمود مع الصين الشعبية، وفتح خزائن الأموال الخليجية في اكبر مشروع دولي لتمكين إسرائيل من إدارة الشرق الأوسط اقتصاديا،لكنه واجه الخطيئة الامريكية التي انتجت ” داعش” وكان لابد على الاتحاد الأوربي، وربما حتى إسرائيل البحث عن حلول لها، فاتجهت الأضواء نحو ذلك الرجل الشيعي في التسعين من عمره في داره القديمة وسط النجف الاشرف، حيث قبر علي ابن ابي طالب ابن عم النبي محمد، ليصدر كلاما من ثلاثة اسطر فقط، اذيعت في خطبة تعقد عادة يوم الجمعة من كل أسبوع، داعيا الى عرف ب ( الجهاد الكفائي) لمواجهة تنظيم داعش التي كانت قواته تهدد اسوار العاصمة العراقية بغداد واسقط مرتكز التحرك الأمريكي لإعادة حركة التاريخ مجددا نحو مشروع القرن الأمريكي الجديد، فيما لم تستطع الدول الاوربية غير التحرك ضمن التحالف الدولي لمواجهة محرك المشروع الأمريكي بنسخته المتجددة، وفشلت تاريخيا في التعامل مع المتغير الإقليمي العراقي، بانتظار ان تستثمر النتائج كما فعلت مع ضرب البطن الرخوة للاتحاد السوفيتي والخلاص من الحرب الباردة لكن هذه المرة كانت وسائل التعامل الاقتصادية والأمنية مختلفة في مساق ونطاق خطوات الاستثمار الأمثل، بسبب واضح ان كل من واشنطن والاتحاد الأوربي يعملان لصالح إسرائيل، ولا يمكن لدول الاتحاد الأوربي ان تسحب منافع صفقة القرن في الشرق الاوسط، التطبيق الواقعي للمشروع الأمريكي في القرن الحادي والعشرين .
فجر اور يتجدد:
يطرح الدكتور سفيح الحلول، من وجهة نظره، في نهوض عراقي جديد، كما هو الحال بعد الفضيان العظيم وهناك اختلافات في مدونات تلموديه وبابلية عنه، لكن ما يمكن ان يوظف في هذه المقاربة، ان الدكتور اتالي في قصته الموجزة عن المستقبل، يتوقف طويلا عند التحويلات الاقتصادية، المادية والبشرية وصولا الى ما بعد منتصف القرن الحادي والعشرين، وهذا يتطلب ان نضع استنتاجا اقرب الى الدقة في معطيات الواقع العراقي، بان تبدأ دول الاتحاد الأوربي، ومنها فرنسا، ليس النظر الى سقوط حلف الناتو كما صرح بذلك الرئيس ماكرون مؤخرا، بل الى خلق قاعدة شراكة في قيادة قطار المستقبل منطلقا من نهوض مالي جديد في منطقة ( اور) العراقية – الرافدينية، ترتكز على ثلاثة محاور، الأولى العمل على إعادة تصميم خطو نقل الغاز وتأمينه من منطقة الخليج العربي التي ستحتفظ بأكثر من 70% من مخزون الطاقة حتى بداية اختفاء نصف مكامنه في النصف الثاني من هذا القرن، من العراق، حيث اكبر مخزون للغاز في العالم مرورا بحقل الغاز الإسرائيلي – اللبناني – القبرصي، والثاني التفكير بتعويم قيمة الطاقة بسلة مشاريع تهدأ الحاجة للعمل في منطقة يمكن ان تفكر شعوبها بنعيم ثرواتها بدلا من مفاسد اهدارها على منافع دكتاتورية او حروب عبثية، تضع حدودا مغلقة لتطبيقات الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة العابر للدول، وهذا لن يحدث دون إدارة حكم رشيد للمنظومة الإقليمية والدولية، ولابد من المرتكز الثالث في إعادة صياغة تعريف جديد للعلاقات الدولية ومفهوم الامن الدولي من خلال تعزيز الشراكات الإقليمية والدولية، حتى وان بقيت الولايات المتحدة الضامن لوجود الأمم المتحدة بهيكلها الجديد .
قطار الحرير:
كلما تقدم يمثل قراءة واقعية مشاعة لمستقبل العالم والمنطقة حتى منتصف القرن الحالي، يطرح السؤال الأصعب: كيف يستعيد العراق دوره في وظيفة جغرافية -استراتيجية -اقتصادية ربما تجعل قطار الصين على طريق الحرير، يقاد من قبل الاتحاد الأوربي، بموافقة أمريكية ؟؟
حين اقارن الإجابة على هذا التساؤل مع نظريات الدكتور جاك اتالي في كتابيه من يحكم العالم وقصته الموجزة عن المستقبل، فان تعاظم الأوضاع السكانية والأزمات الاقتصادية المتعاقبة، تتطلب نموذجا فريدا من دمقراطية النظام الدولي، وهي الحالة المعكوسة اليوم ما بين نمو صيني باتجاه طريق حرير يجمع القارة الاوربية مع اسيا ليخلق منطقة ” اور-اسيا” بتحالف روسي، يعيد تأسيس الاتحاد السوفيتي بنموذج متجدد، لمواجه النفوذ الأمريكي، اين سيكون موقع الاتحاد الأوربي ؟؟ وما الدور المنتظر من العراق ؟؟
اعود الى حواري مع الدكتور سفيح عن تحول مركز ادارة المال الدولي الى منطقة اور العراقية، كنقطة انطلاق لتأصيل هذا الدور المنشود كمرتكز حلول دولي، يمر فيها قطار “الحرير” الصيني، للتبادل التجاري والمالي، بوجود ورضا امريكي – إسرائيلي، يمرر صفقة القرن ويحقق لواشنطن القدر الكاف من مشروعها للقرن الحادي والعشرين، ويحقق لإسرائيل النموذج الأفضل للتطبيع مع العرب، وفي ذات الوقت، يفتح أبواب التعاون الإقليمي لإيران للوصول الى شواطئ البحر الأبيض المتوسط من دون صلح معلن مع إسرائيل، وبضمانات اقتصادية لإدارة المعرفة من الاتحاد الأوربي، تمنع موجات الهجرة من داخل الشرق الأوسط وشمال افريقيا لتهديد الوجود السكاني الأوربي، وأيضا الاستثمار في التنمية البشرية التي تهدأ من الحماسة الشبابية للأفكار المتطرفة .
ضمانات مطلوبة:
هل يكفي النظر الى بلورة المستقبل؟ ام الحديث عن المطلوب من حكام عراق اليوم للسير نحو هذا الابتكار الاستراتيجي في التحول الى مركز مالي دولي تتلاقى فيه مصالح جميع الأطراف المتضاربة؟
جوابي على ذلك، ان دور مرجعية النجف الاشرف بوجود السيد السيستاني اليوم، يمكن ان تؤهل العراق للعلب هذا الدور، الذي سبق وان لعبه الخميني لإنهاء الحرب الباردة، ويتحقق ذلك من خلال الاتي:
أولا: ضمان بناء دولة مدنية عصرية، وما حصل في خطب المرجعية الدينية خلال تظاهرات ساحات التحرير مؤشر حيوي على ذلك.
ثانيا: فهم اللاعبون الاساسيون في العملية السياسية العراقية ان نظام مفاسد المحاصصة لا يمتلك الديمومة وإمكانية تغييره من الخارج بالقوة الناعمة وهذا ما حصل في ساحات التحرير أيضا.
ثالثا: الحاجة الإيرانية والروسية وربما حتى التركية الى منطقة ضمان مالي مكفولة دوليا، وبوجود الثقل الأوروبي الضامن لهذه المنطقة في العراق، يفتح بوابات التبادل ما بين قطار حرير الشرق الصيني والتبادل السلعي والمعرفي مع الغرب، الأوربي -الأمريكي.
رابعا : ادراك الجميع ان أفكار الامن الدولي، تحتاج الى ضمانات متجددة ليس من خلال اليات مجلس الامن الدوي فحسب بل في تطبيق الاتفاقيات الدولية، التي تسعى الإدارة الامريكية لتجاوزها مثل اتفاقية المناخ، او الانسحاب من الاتفاق الإيراني النووي، وهذا يتطلب البحث عن ضوابط دولية جديدة، وليس هناك افضل من الضوابط المالية، التي تمنح جميع الأطراف التحكم بالتبادل النقدي وإدارة اقتصاد المعرفة والإنتاج، هذا الانتقال الى الشرق الأوسط وافريقيا، ربما يجعل الأفكار الامريكية عن التعامل مع أمريكا الجنوبية، كوحدة جغرافية موحدة اقتصاديا، يظهر الكثير من الميول لإعادة تحديث نظرية الانعزال الامريكية، ما يجعل الاقتصاد العالمي يتعامل مع نموذج جديد من إدارة الاقتصاد الدولي، وهذا يعني ضوابط متجددة في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي واليات عمل الأمم المتحدة التي سيكون لمقرها الأوربي مسؤوليات جديدة .