مؤامرات!
عبد الامير المجر
2019-12-24 04:10
من بين الامثال العراقية المعبّرة، التي كان يرددها اهلنا في الريف؛ ((احفظ حلالك ولاتخوّن جارك))! وخلاصته، ان لاتترك ممتلكاتك، من نقود ومواش وغيرها، سائبة، وتتعرض للفقدان، ثم تتهم جارك بالسرقة او تأخذك به الظنون.. وحين نجعل من هذا المثل، مقاربة لواقعنا اليوم، مع الفارق طبعا.
نستحضر طروحات اكثر من مسؤول او شخصية سياسية عراقية، مفادها ان هناك مؤامرة خارجية، تستهدف العراق، من خلال الوقوف، بشكل او بآخر، وراء التظاهرات التي اجتاحت معظم المحافظات العراقية، او استغلتها لتحقيق اهداف سياسية .. الخ .. مثل هذا الكلام، قد يكون دقيقا وواقعيا، حين تكون الاوضاع طبيعية والمواطن يعيش برفاهية، تعكسها حالة الامن والاستقرار والتنمية.
وكل المفردات الاخرى التي تؤكد متانة الدولة ومؤسساتها المختلفة، وعندها يكون المواطن الذي يتفاعل مع مشاريع خارجية تستهدف الامن الوطني، خائنا لبلده وغير جدير بان يحمل صفة المواطنة، وان قمع تلك المؤامرة ضرورة وطنية قبل كل شيء، اما ان يكون المواطن مستلبا ومسروقا من قبل القائمين على امر الدولة.
فان احساسه بالانتماء اليها، سيضعف حتما، وبالضرورة يكون موقفه تجاه النظام السياسي الذي يقود الدولة، سلبيا، ويغدو عدائيا، حين تصبح الطرق الى حياة مقبولة، مغلقة امامه، وهو مايعانيه اغلب شباب العراق اليوم، كونهم بلا عمل ولا امل، ولايمارسون نشاطات ثقافية ورياضية مناسبة، تستوعب تطلعاتهم وطموحاتهم، وهم في هذه المرحلة العمرية الحيوية، فالحياة باتت عبارة عن صحراء تتسع من حولهم كل يوم.
من التجارب العالمية التي يمكن ايضا ان تكون عبرة للساسة في اي بلد، تلك التي حصلت في المانيا، فبعد ان فرض الحلفاء عليها دفع تعويضات كبيرة، اثر هزيمتها في الحرب العالمية الاولى، وحمّلوها وحدها مسؤولية تلك الحرب! عاشت البلاد وضعا اقتصاديا صعبا، وهبطت العملة الوطنية الى مستويات قياسية، فتملّكت النفوس نقمة، يغذيها شعور جمعي بالحيف، وباتت هذه المشاعر، تبحث عمن يستثمرها، قبيل الانتخابات التي جاءت بالنازيين الى السلطة في العام 1936، وقف مستشار المانيا، وقتذاك، خطيبا بالناس، وهم في حالهم المزرية تلك.
ويذكر المؤرخون، ان الرجل كان يتحدث وهو يرتجف، قائلا: ((ان هناك الملايين من الشباب في بلادنا، يرون الحياة بأعينهم، لكنهم لايعيشونها))، وانقل هنا بالمعنى وليس بالنص. وفعلا وصل النازيون الى السلطة، وكان ماكان فيما بعد، لكن المؤكد ان صعودهم لم يكن بمؤامرة خارجية، بل بعوامل عديدة، اسهمت في دفع الشعب الالماني الى خيار سياسي، كلفه الكثير مستقبلا. ولعل نقمة العراقيين اليوم على الدول التي اسهمت بتخريب بلدهم، ستدفعهم مستقبلا الى خيارات سياسية قاسية، بعد ان يشتغل عليها البعض من الساسة ويمتطوها للوصول الى السلطة.
لااحد يجزم بان التظاهرات نقية تماما من الاجندة الاقليمية او الدولية، التي ربما دخلت عليها، او تسعى لاستثمارها، وان مثل هذا يحصل في اغلب الثورات والانتفاضات في العالم، لكن في المقابل، لااحد يستطيع الدفاع عن الواقع السياسي والاقتصادي والامني المتردي منذ العام 2003، حتى بات الطفل ابن الخامسة، وقتذاك، شابا، يتطلع الى حياة يراها امامه، لكنه لايستطيع ان يعيشها، وفقا لتعبير المستشار الالماني!
المؤامرة التي علينا ان نعمل على قبرها وانهائها، هي قبل كل شيء داخلية، وان سلّمنا بوجود مؤامرات خارجية، فعلينا ان نقطع عليها الطريق، بتحصين أنفسنا من الداخل، وفي مقدمة هذا التحصين، تحقيق الحياة الكريمة للشعب، قبل كل شيء، وعندها ستتحصن الدولة بالضرورة، ويصعب على المتربصين اختراقها.
للاسف، لم يصنع ساسة العراق، ومنذ نحو سبعة عشر عاما غير جيوش من الناقمين، الذين لم يحتاجوا الى ايعاز خارجي ليتحركوا، بل جاءهم الايعاز من واقع مرير، تمثل بهذا الخراب الذي قاد الى الانفجار وتعطيل الحياة، بحثا عن الحياة!.