ترامب في أفغانستان: زيارة سرية واتفاقات علنية
مصطفى ملا هذال
2019-12-01 07:25
ما يقرب من العشرين عاما والخلافات والمنحاحرات قائمة بين حركة طالبان والولايات المتحدة التي تزعم انها لا تتوانى عن محاربة جميع الحركات الارهابية او الاسلامية المتطرفة التي تسعى بصورة دائمة الى خلق حالة عدم الاستقرار في المجتمع الدولي.
في تغيير غير متوقع في مسار المحادثات الدائرة بين الطرفين الامريكي والافغاني فقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال زيارته الأولى إلى أفغانستان استئناف الحوار مؤكدا وجود رغبة جدية لدى الحركة في التوصل لصفقة حقيقية
ترامب بعد ان اوقف المحادثات التي اتسمت بعدم المرونة والتوصل الى نتائج مقبولة الى حد ما للطرفين نراه اليوم يستأنف تلك المباحثات بأريحية ملحوظة مغطاة بالتفاؤل والامل الذين باتا واضحين على التصريحات التي عقبت الزيارة المفاجئة.
فما يخص الموقف الامريكي المتحول فانه جاء نتيجة المباحثات المستمرة بين الطرفين منذ رئاسة اوباما ولغاية الآن، فالرئيس هنا يحاول كسب لين الجانب الباكستاني المتمثل بحركة طالبان عبر تخفيض عدد الجنود والابقاء على عدد قليل مهمته مراقبة ما يدور في البلاد من احداث مستجدة.
من المتوقع او الشبه المؤكد ان هذه الزيارة لها اهداف عدة من جملتها هو رغبة ترامب ان يكون القائد الاعلى للقوات المسلحة وليس فقط رئيس الولايات المتحدة الامريكية، ويتضح ذلك من ذهابه الى افغانستان في احد اهم الاعياد الامريكية وهو عيد الشكر مفضلا عدم الراحة اذا كان ذلك يصب في مصلحته فيما بعد.
وربما تكون لترامب اهداف اخرى تتجاوز الوصول الى صفقة مع حركة طالبان فقد يكون الهدف الاهم او الاسمى هو الحصول على مكتسبات النتخابية لاسيما وان توقيتها مقارب الى اجراء الانتخابات الرئاسية الامريكية.
المحادثات التي كانت تتم بصورة سرية فقد تحولت الى صورة علنية وبشكل رسمي وهذا ما يوضح عزم الطرفين على التوصل لحلول ناجعة واخراج العلاقة من الطريق المعرج الذي سارت به منذ عقود الى طريق آخر يتسم بالانسيابية وعدم وجود العراقيل.
لم تبقى حركة طالبان بمحدودها المحلية فقد وصلت الى اماكن دولية مختلفة واتبعت اساليب متعددة لكي تجبر الولايات المتحدة على الجلوس الى طاولة الحوار، ومن الممكن ان نعتبر زيارة ترامب الى افغانستان في اولى زيارته هي فرصة لاعلانه الجدية في مسار المباحثات والوصول الى تسوية قريبة للخلافات.
قابل تلك المبادرة الامريكية ترحيب كبير من قبل حركة طالبان تمثل بقولها وعلى لسان الناطق بأسمها ذبيح الله مجاهد الذي افاد ان وقف اطلاق النار سيكون مباشرة بعد توقيع الهدنة مع حكومة البيت الابيض.
احتلال افغانستان والسيطرة عليها امران صعبان الحصول والرئيس ترامب يعرف هذه الحقيقة، فمن يتابع التاريخ يجد سقوط الامبراطورية البريطانية في افغانستان وكذلك الاتحاد السوفيتي انتهى بنفس النتيجة، وهذا ما لا يريد ترامب الوقوع فيه فهو يحاول وبشتى الطرق ان يكسب ود الجانب الافغاني لضمان عدم الهزيمة المحتملة.
فاذا تمكن ترامب من تحقيق الاتفاق مع حركة طالبان فانه بذلك فقد ضمن ايقاف الخسائر بين صفوف الجيش الامريكي ومنع الاعتداءات المتكررة عليه، الى جانب ذلك ضمان السيطرة على المنشآت الحيوية في البلاد بضمنها القواعد الجوية وغيرها من المواقع الاستراتيجية، لان افغانستان موجودة بالقرب من اللاعبين الرئيسين مثل روسيا والصين وايران كذلك.
زيارة ترامب الى القاعدة الامريكية كانت تحمل دلالتين، الاولى ان حكومة كابل في هذه المرحلة سيكون لها منزلة ومقام في مسار السلام مع حركة طالبان والمبحاثات الامريكية في العاصمة القطرية الدوحة، وهو ما يعطي صورة جديدة ويفسح المجال امام حكومة كابل التي تتبع استراتيجية من اجل استحصال بعض المكتسبات من الجانب الامريكي.
وحركة طالبان ايضا تحاول الحصول على شيئ ما من هذه المباحثات كونها مرت بأشهر عصيبة للغاية فقدت فيها ما يقرب من الخمسمائة قيادي لها في المواجهات مع عناصر الجيش الامريكي، هذه النتيجة ادت الى سعيها التوغل في مباحثات السلام.
ان استعدادت الولايات المتحدة الى الحوار مع طالبان يفسر دون شك خسارة واشنطن المواجهة مع الحركة، وبهذه الحالة سيكون الاتفاق قابل للتحقق في ظل الظروف التي تمر بها امريكا في الوقت الراهن، ومن المتوقع ايضا ان تسعى الحركة لان يكون لها تمثيل في الحكومة الافغانية ليتسع نفوذها في البلاد.
الاستقرار في افغانستان يعني الاستقرار في وسط آسيا وهنا يفسر سر الرغبة الدولية في تحقيق هذا الامر والمحافظة على مصالح تلك الدول مع بعضها.
الايديولوجية التي تتبعها طالبان تجعل من الصعوبة التنبؤ بمستقبل الاتفاق فربما ينتهي مفعوله بوقت مبكر وتعود لمزاولة حركتها الهجومية ضد القطعات العسكرية، مغادرة بذلك الحياة الهادئة والانسجام مع شرائح المجتمع المسالمة التي تريد ان يعم الامن والسلام في ربوع البلاد.
في الختام يبقى امام الشعب الافغاني خياران دون ثالث، اما ان يختار العيش في القرن السابع عشر او اقل من ذلك نتيجة عدم وقوفه بوجه حركة طالبان والممارسات التي قامت بها وادت الى زعزعة الامن وترويع المجتمع، او يقول الشعب قوله ويضع الحد لهذه التصرفات والذهاب نحو الاساليب الحضارية من خلال اقناعها المشاركة بالعملية السياسية وتقديم كل ما يخدم المصلحة الوطنية.