مشهد المندسين وعدالة الاقوى

مسلم عباس

2019-10-12 04:40

إذا كانت للمظاهرات الشعبية شعارات ثابتة متمثلة بمطالبة الحكومة بتحسين الواقع الخدمي وتوفير فرص العمل، فان للحكومة شعارات مضادة وثابتة ايضا متمثلة بالتخويف من مشهد المندسين داخل المتظاهرين، وتصور الامر على انه مؤامرة كونية لاستخدام التظاهرات من اجل تدمير العراق.

من منا ينكر وجود مندسين داخل التظاهرات، فالعراق ساحة للصراع بين الدول، وكل دولة تريد تحقيق انتصار صغير او كبير ضد عدوها، فحروب الوكالة تتمثل في العراق بأوضح صورة، فهل يعني دخول المندسين ان نقمع التظاهرات؟ ام اننا يجب ان نحاسب الحكومة نفسها على دخولهم؟ لنفترض ان مندسا اجتاز الحدود العراقية بدون اجراءات اصولية فمن يتحمل المسؤولية؟ المتظاهر ام الحكومة؟

بالتأكيد تكون الحكومة هي المسؤولة عن دخول المندسين، لان ضبط الحدود من اهم وظائفها من اجل ضمان السيادة الوطنية، ومثلما تكون الحالة مع الحدود الخارجية ينطبق الامر مع الاجراءات الداخلية، فلو ان تظاهرة شعبية خرجت للمطالبة بالحقوق المشروعة، مثل الخدمات وفرص العمل، فليس من وظيفة المتظاهرين ان يحددوا من هو المتظاهر الحقيقي ومن هو المتلبس والذي يريد القيام باعمال الشغب، لان المواطن لا يملك ادوات الكشف عن هؤلاء المندسين والتي تقع بيد الحكومة، ومن ابرز ادوات الكشف هي اجهزة المخابرات وقوى الامن ما يسمح لهم بفعل ما يرونه مناسبا لضمان السلامة لجميع المواطنين، وفي جميع الظروف سواء في الاوضاع الطبيعية او مع حدوث الاضطرابات، وان افلتت الامور منهم فهذه مشكلتهم ولا يمكن ان تلقى التهمة جزافا على مجموعة من الشباب المشرد المحروم من الوظيفة والسكن اللائق ومحروم ايضا حتى من التظاهر اللائق.

من غير المنطقي ان تتهم شخصا بالتقصير عن شيء لا يحمل صلاحية السيطرة عليه او اصدار القرارات بشأنه، على سبيل المثال لا يمكن ان نلوم مدرساً عن رسوب الطلاب في مادة دراسية اخرى غير المادة التي يدرسها، الا اننا سوف نلوم مدير المدرسة لانه المسؤول عن كل المدرسين والطلاب، وهو يملك صلاحية المراقبة وتحديد اوجه الخلل واصلاحها في الوقت المناسب.

وبالعودة للتظاهرات ولنفترض جدلا ان المسؤولية تقع على المتظاهرين في كشف المندسين، وقبلنا بهذا الافتراض، شريطة ان يعمم على جميع مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فماذا يحدث؟ يعني هذا ان الحزب الذي يكون فيه شخص فاسد سوف يتحمل مسؤوليته زعيم الحزب، وان النائب البرلماني الذي يرشح من قبل الحزب ثم يقوم بالمتاجرة بمقعده التشريعي عبر عملية بيع الوزارات سيكون من مسؤولية زعيم الحزب نفسه، ولو طبقنا هذه القاعدة ربما لا يبقى لدينا زعيم حزبي واحد خارج اسوار السجون، لكن المسألة لا تؤخذ بهذا الشكل، فرغم المسؤولية الكبيرة لزعيم الحزب على اعضائه، الا انه في النهاية لا يتحمل الحالات الفردية، فهناك اجهزة مختصة تقوم بهذه المهمة وعلى رأسها القضاء الذي يفترض انه يقوم بواجب الاستقصاء عن حالات الفساد في الأحزاب ومعاقبة المفسدين.

واذا انتقلنا الى الدائرة الاوسع لنطاق عمل الاحزاب، وخرجنا من دائرة الفساد المالي الى دائرة العمل الفعلي الذي يزدهر اليوم ولصالح جهات خارجية لها توجهات تتعارض مع المصالح الوطنية العليا، أي ان هناك احزاباً تدين بالولاء لدول خارجية وتعلن عن ذلك دون خجل، وبعضها فيه من المندسين الذين يتبعون مصالح دول أخرى اكثر خطرا على العراق عشرات المرات من المندسين الفرديين داخل التظاهرات، فكما ان المندسين يهددون امن المواطنين والمتظاهرين وقوات الامن من خلال اعمال الشغب، فان الحزب الذي يعمل لصالح جهة خارجية يقوم بهذه الأفعال.

بعض هذه تقوم فعلياً بإدخال المندسين للتظاهرات من اجل توفير تهمة جاهزة لقمع الحراك الشعبي، وهناك مشاهد نتذكرها مع كل تظاهرة شعبية عندما تقوم بعض الأحزاب بإدخال أعضائها داخل التظاهرات وهم يحملون الأسلحة البيضاء، او الأسلحة النارية ليقموا بالواجبات المنوطة بهم، سواء بقتل المتظاهرين او قوات الامن معا، فهؤلاء لا يهتمون بمصالح العراق، ولا يعترفون بالكلام الأخلاقي الذي يقولونه في وسائل الاعلام، وبعض المندسين يقومون بالتسويق لفكرة معاداة دولة على حساب الأخرى، مستغلين قوة وسائل التواصل الاجتماعي في ترويج الكراهية، ليتحول البلد الى ساحة تغلي بالصراع لصالح اطراف خارجية.

ماذا لو اكتشفنا هذا النوع من الأحزاب التي تندس بين المتظاهرين؟ هل سيعتقل زعيم الحزب لأنه المسؤول عن ادخال أعضاء حزبه وتخريب البلد؟ وماذا عن انشطته المتعارضة مع المصلحة الوطنية؟

اذا طبقنا القواعد التي يتم التعامل بها مع المتظاهرين وتحميلهم مسؤولية اعمال ليست من اختصاصهم؛ فان ذلك يعني ان جميع الشعب العراقي يجب ان يحاسبوا، ربما القاعدة الحقيقية هي ان العقاب دائما ما يقع على حساب الضعفاء، والذين لا يملكون القوة العسكرية ولا النفوذ السياسي، ولا المال الذي يحصنهم من الثغرات القانونية، ما يعني اننا في بلد يحكمه الأقوى، وتغيب فيه العدالة، وهنا تشرع الأحزاب لممارسة خطيرة ليست على الضعفاء وحسب، انما على جميع من يقطن بلاد الرافدين، فلا يوجد ضامن للحزب انه سيبقى قويا الى الابد، واذا استطاع اليوم قتل المتظاهرين بحجج تنبع من قدرته على تبرير القتل، فيمكن ان يأتي تيار اقوى منه ويفتك به، ويسحل عناصر الحزب في الشوارع، لان شريعة الغاب مثل عجلة تدور على نفسها، اذا كنت اليوم في القمة بفعل قوة الدوران، فسوف تسحقك قوة الدفع التي تفاخرت بها يوماً.

لا نريد هذه النتيجة لان القتل يولد القتل، ويسحبنا الى عالم من الفوضى والخراب، ويبعدنا عن العدالة، ومثلما لا نريد القتل للمتظاهرين الأبرياء، لا نريده لكل من ينتمي لحزب عراقي، علينا ان نطلب العدالة دائما التي تضمن الحياة الكريمة والهدوء والسكينة، حتى لا يخاف أي حزب استفاد من دوران عجلة العنف ضد غيره.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا