المعارضة البحرينية والدرس العراقي
محمد علي جواد تقي
2019-07-04 04:25
انفرد من بين جموع الحاضرين بمقترحه المثير والصادم في حينه، بأن "من الجدير أن يكون العلم العراقي فوق رؤوسنا ونحن نجتمع من أجل انقاذ العراق من الديكتاتورية والمحن".
الكاتب والاعلامي القدير؛ عادل رؤوف، أرى من الوفاء احياء ذكره في معرض الحديث عن مسار عمل المعارضة السياسية وعلاقتها بمفهوم "الوطن" في بلادنا الاسلامية، وهو الذي عرفته عن قرب باخلاصه وحبّه لوطنه طيلة وجوده في المهجر مجاهداً بالقلم، وكان ضمن وفد لاعلاميين معارضين الى مؤتمر صلاح الدين في كردستان العراق عام 1994، علماً ان اقتراحه هذا لم يلق آذاناً صاغية بسبب انشغال "المعارضين" بالحروب الكلامية والتنافس المحموم على امتيازات ومواقع لم يكن لها شكل واقعي آنذاك، كما هو اليوم.
وبعد مرور حوالي خمسة وعشرين سنة على تلك الواقعة، أجد تكراراً لأزمة هوية جديدة يواجهها المعارضون البحرانيون خلال مقارعتهم للنظام الديكتاتوري الحاكم في المنامة، فحادث اقتحام السفارة البحرينية في بغداد والاساءة لعلم البحرين من قبل متظاهرين عراقيين، ربما يضع رموز المعارضة البحرينية أمام اختبار سياسي جديد، كون هذا العلم يمثل دولتهم، قبل أن يمثل نظام الحكم القائم في المنامة، وقد رفعوه في شوارع البحرين للمطالبة بحقوقهم، وقد سقط تحته المئات من الشهداء والجرحى.
المعارضة والتنافس على الاخلاص الوطني
الاحزاب السياسية المعارضة في أي بلد بالعالم إنما تنطلق في نشاطاتها من خارج الحكومة، بدعوى أن لديها الأفضل لجماهير الشعب وللبلد ايضاً، فهو تبذل الكثير من داخل قبة البرلمان للظهور على أنها الاكثر حرصاً على مصالح الشعب والوطن ممن يتولون المناصب الحكومية، لذا فهم أكثر من يتحدث عن السلم والبيئة والحريات، والخدمات، وربما تكون هذه الشعارات وسائل ناجحة لانتقال الاحزاب المعارضة هذه الى قمة السلطة في حال تحقق المصداقية.
هذا باختصار ما يتعلق بالممارسة الديمقراطية في بعض أنظمة الحكم بالعالم، أما في الانظمة الديكتاتورية فان مصطلح "المعارضة" التي لم تجد مكاناً سوى في خارج الوطن، فانه يتفرض بها ان تكون اكثر وطنية وحرصاً على مصالح الشعب، كونها تمارس نشاطاً سياسياً من منطلقات فكرية وحضارية، الى جانب التوجه السياسي، وهذا ما كنّا نقرأه في شعارات الاحزاب الاسلامية العراقية التي انتقلت بنشاطها المعارض الى المهجر.
ولكن! ما حصل للاحزاب السياسية العراقية (الاسلامية المعارضة) أنها انزلقت في طريق أبعدها عن الوطن جغرافياً وفكرياً، حتى بات مفهوم الوطن لدى افراد هذه الاحزاب، فكرة غامضة وحتى غريبة على الاذهان، لاسيما وأن البعض استراح في بعض المهاجر واتخذها وطناً جديداً له، وهذا يعود لاسباب نذكر اثنان:
السبب الأول: التركيز على الايديولوجيا والتنظيم والمكانة السياسية بين سائر الاحزاب السياسية غير الاسلامية، فقد تركزت كل الجهود والامكانيات للتسابق على احتلال اكبر مساحة من القاعدة الجماهيرية، متبعين في ذلك وسائل مختلفة، فبات الهمّ الأكبر رفع الصور والأسماء في التظاهرات الجماهيرية في شوارع هذا البلد او ذاك، قبل رفع العلم العراقي او الحديث عن الوطن الجريح والشعب المضطهد –مثلاً- .
السبب الثاني: الضغوط الاقليمية والدولية المحيطة بهذه الاحزاب، فكل بلد مستظيف لهذه الاحزاب كان له نوع من العلاقة السلبية او الايجابية مع نظام صدام، مما دفع بهذه الاحزاب لأن تكون ضمن عجلة هذه السياسات في البلدان المستضيفة، فقبل أن تفكر بالوطن والمواطنين، وحتى المهجرين والمهاجرين العراقيين، الذين هم بالحقيقة مواطنون عراقيون خارج بلدهم، كانوا يجهدون انفسهم لإرضاء العواصم المعنية وكسب ودهم بغية الحصول على المساعدات والدعم بالسماحة لهم بمزاولة نشاطاتهم على اراضيها.
الحؤول دون خسارة مبكرة للوطن
عندما ذكرنا العراق مثالاً كونه يقدم تجربة حيّة طرية على خسارة كبيرة تكبدتها معظم الاحزاب السياسية –إن لم نقل جميعها- بسبب تجاهلها كل ما يعود الى الوطن والمواطنة، حتى يكاد العراقيون، ومن على صفحات التواصل الاجتماعي، يجزمون بعدم عراقية الوزير الفاسد او النائب المتحزّب ذو الميول الاجنبية، لما يعيشونه من مشاكل وأزمات في مجالات عدّة.
ومن بين جميع البلاد العربية التي عصف بها "الربيع العربي"، صمدت البحرين بوجه الارادات الاقليمية والدولية، وبقيت نقيّة في مطالبها الحقّة واستقلال قرارها الثوري، فما يزال الشباب الشعب البحريني صامداً في الشوارع للمطالبة بحقوقه المشروعة من حرية وتقسيم عادل للثروة ومساواة في فرص العمل وغيرها، فيما يعاني العشرات منهم في السجون وفي غرف التعذيب، والأهم من كل ذلك، فانه أحرز تقدماً مهماً في مسيرة التغيير عندما أكد للعالم بأنه الاكثر حرصاً على الوطن وهويته من الحكام الذين حولوا العمالة الاجنبية الى مواطنين فيما بات يسمى بالتجنيس السياسي، وتشويه ديمغرافية البلاد بشكل لم يشهده أي بلد في العالم، وهذا ما جعل ابناء الشعب البحريني يرفع علم بلاده عالياً، ويتخذ منه رمزاً لوحدته الوطنية ولمصداقية حراكه الجماهيري العارم.
مثل هكذا شعب، هل يستحق ان يُهان علمه، وأن يرمى من مكان شاهق الى الارض، وأن تقتحم سفارة بلده، بغض النظر عن الخلفيات والظروف والدوافع، فما حصل امام السفارة البحرينية في بغداد، شأن عراقي بحت، أما ما يتعلق بالسفارة نفسها فهو شأن بحريني، والارض التي عليها السفارة ليست ملكاً لآل خليفة، وإنما هي ملك للشعب البحريني، وهي حقيقة لا أظن يجهلها رجال المعارضة البحرينية.
إن العلم لا قيمة حقيقية له، إنما هو رمزٌ من الرموز، كما كانت الراية المرتفعة في المعارك قديماً، رمزاً للجيش الصامد في المعركة، بينما القيمة الحقيقية للانسان وكرامته وحقوقه المنتهكة في البحرين، وفي سائر البلاد الاسلامية، بيد أن هذا الانسان يعيش على الارض وله تاريخ وتراث وحضارة، وهو انما يطالب بحقوقه، بفضل رصيده التاريخي من بطولات الآباء ومنجزاتهم، ومن نافلة القول؛ أن المعارضة البحرينية تتحدث وثائقياً عن تاريخ البحرين بانها ليست هذه الجزيرة الصغيرة، وانما هي بالحقيقة "البحرين الكبرى" التي تضم المنطقة الشرقية من السعودية، و إنما جاء آل خليفة الى البحرين دخلاء محتلين، وبفضل الاستعمار البريطاني تم توطينهم وتمكينهم من مصائر الشعب البحريني.