الشرق الاوسط .. والاحتواء الامريكي لحرب اقليمية وشيكة
كمال عبيد
2015-04-26 01:18
وصلت حتمية الحروب في الشرق الاوسط الى نقطة اللاعودة، فقد كرست أحداث العنف في الآونة الاخيرة صورا لصراعات مفتوحة النهايات مثال ذلك الصراع الجيوسياسي على مستقبل الشرق الاوسط بين السعودية وايران، الذي تجسد بالحرب على اليمن وحرب العراق مع داعش مما قد يمهد لحرب اقليمية تفجر الشرق الأوسط، وهذا أذكى لدى الكثير من المحللين تساؤلا مهما هو هل ستندلع مواجهة شاملة بين السعودية وحلفائها وايران وحلفائها؟.
يجيب بعض المحللين على هذا التساؤل بأنه في ظل التصعيد العسكري واستمرار الجدل السياسي الحساس بين السعودية وحلفائها وإيران قد تصنع مؤشرات وبؤر صراع استراتيجي يضع علامات استفهام حول حرب غامضة ومجهولة النتائج، وهذا يشعل لهيب الصراع الحربي خلال الفترة المقبلة، ولهذا تستعد السعودية وايران لأي حرب قد تكون مفاجئة ولا تحمد عقباها.
لكن يفند بعض المحللين هذه الاجابة والتحليل برؤية أخرى يرون فيها انه من الواضح جدا أن السعودية لا تسعى في الوقت الحالي إلى تصعيد كبير مع إيران، ولكن يتضح أيضا، أن السعودية تسعى إلى خلق توازن جديد في الحملة الجوية ضد اليمن مع إيران.
فقد أخذت التوترات بين ايران والسعودية مسارا تصاعديا، بعد أن توصلت ايران الى اتفاق مع القوى العالمية بشأن ملفها النووي، إذ يخشى حكام السعودية من أن يخفف تحسن علاقات أمريكا مع ايران من الضغط على طهران وأن يتيح لها مزيدا من الحرية في النفوذ والحصول على سلاح نووي، ولم تخف السلطات السعودية ريبتها ازاء الطموحات الايرانية في المنطقة، وليس فقط النووية وان كانت الاكثر تناولا وجدلا، وكانت الولايات المتحدة امرت حاملة الطائرات روزفلت والبارجة القاذفة للصواريخ "نورماندي" بالاقتراب من المياه اليمنية بعدما رصدت قافلة من تسع سفن ايرانية بينها اثنتان حربيتان، في طريقها الى هذا البلد. وبحسب مسؤولين اميركيين فان واشنطن كانت تشتبه في ان هذه القافلة تنقل اسلحة للمتمردين الحوثيين.
واتى هذا الاجراء الاميركي بعد قيام قافلة سفن ايرانية، مؤلفة من سبع سفن شحن وبارجتين حربيتين ومتجهة نحو اليمن، بالاستدارة والاتجاه شمالا ما يرجح انها في طريق عودتها الى ايران، بحسب مسؤولين.
وفور عودتها الى مياه الخليج ستستأنف حاملة الطائرات روزفلت مهامها في حملة الغارات الجوية التي يشنها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الاسلامية المتطرف في كل من سوريا والعراق.
وقد باتت واشنطن في موقف حرج لأنها تلقي باللوم على إيران في كثير من انعدام الاستقرار ولأنها لا ترغب في إثارة قلق حلفائها العرب في الخليج الذين يخشون أن يمهد الاتفاق النووي الذي يجري التفاوض عليه مع إيران الطريق إلى تفاهم أمريكي إيراني على نطاق أوسع، ويأتي النقاش بشأن الاضطرابات الإقليمية على خلفية المفاوضات بين إيران وبريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة بهدف التوصل لاتفاق لكبح برنامج إيران النووي مقابل رفع العقوبات الاقتصادية.
لهذا تخشى المملكة العربية السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم وأهم حليف عربي للولايات المتحدة، أن تكون إدارة الرئيس باراك أوباما تفتقر للحزم في التعامل مع ايران وتركز بدلا من ذلك على إبرام اتفاق نووي مع طهران.
وعليه تظهر المعطيات آنفة الذكر ان صراع النفوذ الذي يحرك بوصلة المصير المشترك بين الحلفاء من خلال وحدة المصالح بمختلف أنواعها، ربما يلهب أتون حرب وشيكة شرق اوسطية.
لكن الاوضاع الراهنة قد لا تسمح بحرب استنزافية كبرى قد تصبح مشروعا لصراع مستدام ومعركة سياسية باهظة التكاليف وطريقا لسباق الأنفاس الطويلة، لذا من المرجح ان يبقى الوضع في الشرق الاوسط مفتوحا على كل الاحتمالات.
تصعيد عسكري مضطرد
في سياق متصل قال متحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) إن أسطولا يتألف من تسع سفن تابعة للأسطول الإيراني وسفن شحن -كان مسؤولون أمريكيون يخشون من أنها تحمل أسلحة إلى اليمن الذي تمزقه الحرب- قد أبحر نحو الشمال الشرقي باتجاه ايران وإن هذا ينبغي أن يهدئ المخاوف الأمريكية.
إلا أن وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الايرانية (إيرنا) نقلت عن قائد البحرية الايرانية الأميرال حبيب الله سياري قوله إن الأسطول لا يزال ينفذ مهمته في خليج عدن، وقال وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر لمجموعة صغيرة من الصحفيين المرافقين له بعد رحلة إلى ولاية كاليفورنيا "لقد حولت السفن (الإيرانية) وجهتها... بوضوح نحن لا نعرف ما هي خططهم القادمة، وأضاف كارتر "إنه أمر موضع ترحيب لأنه يساهم في الحد من التصعيد وهذا ما نحاول أن نقترحه على جميع الأطراف هناك باعتباره المسار الأفضل وبين هذه الأطراف الإيرانيون"، وقال الكولونيل ستيف وارن المتحدث باسم البنتاجون في وقت سابق إن القافلة كانت في المياه الدولية في حوالي منتصف الطريق على طول ساحل عمان ولا تزال وجهتها صوب الشمال الشرقي، ورفض وارن القول بأن السفن عائدة إلى إيران أو في طريقها إلى إيران. وقال وارن إن الجيش الامريكي لا يعرف نيتهم مضيفا أن السفن يمكن أن تغير اتجاهها في أي لحظة، وقال قائد سلاح البحرية الإيراني حبيب الله سياري لوكالة أنباء الجمهورية الاسلامية الايرانية "في الوقت الراهن يتواجد الأسطول الرابع والثلاثون في خليج عدن عند مدخل مضيق باب المندب ويقوم بدوريات" في إشارة إلى سفينتين حربيتين تشكلان جزءا من الأسطول.
وكان سياري قال عندما تم نشر السفن لأول مرة في وقت سابق هذا الشهر إنها في مهمة روتينية لمكافحة القرصنة وحماية حركة الملاحة، وقال الرئيس الامريكي باراك اوباما إن الحكومة الأمريكية حذرت إيران طالبة منها عدم إرسال أسلحة إلى اليمن والتي يمكن استخدامها في تهديد حركة الملاحة في الخليج. وقال كارتر إن الولايات المتحدة تشعر بالقلق من احتمال أن تكون السفن تحمل أسلحة متطورة إلى الحوثيين هناك، وأرسلت البحرية الامريكية حاملة الطائرات تيودور روزفلت وسفينة حربية مرافقة لها الى بحر العرب لدعم سبع سفن حربية أمريكية موجودة في المنطقة بالفعل في محيط خليج عدن بسبب المخاوف من الاضطرابات المتزايدة في اليمن.
البحث عن حلول سياسية
من جهته دعا الرئيس الاميركي باراك اوباما ايران الى المساهمة في التوصل الى حل سياسي بين مختلف اطراف النزاع في اليمن حيث تتهم واشنطن طهران بتزويد المتمردين الحوثيين بالاسلحة، وصرح اوباما في مقابلة تم بثها على قناة ام اس ان بي سي "لقد ابلغنا الجانب الايراني بضرورة المساهمة بحل وبالا يكون جزءا من المشكلة"، واضاف "آمل في ان نتوصل الى تهدئة الوضع في اليمن"، مشددا على "معاناة" العديد من سكان البلاد. وقال "ما علينا القيام به هو جمع كل اطراف النزاع حول الطاولة والتوصل الى حل سياسي". بحسب فرانس برس.
وتنفي ايران تسليح المتمردين وتؤكد انها قدمت مساعدات انسانية فقط، وكان التحالف بقيادة السعودية اعلن انتهاء عملية "عاصفة الحزم" التي بدات قبل شهر تقريبا مؤكدا بدء مرحلة سياسية جديدة بعنوان "عودة الامل" في خطوة رحبت بها كل من طهران وواشنطن، واعلنت برناديت ميهان المتحدثة باسم مجلس الامن القومي الاميركي ان "الشعب اليمني يستحق اجراء نقاش سليم حول دستوره الجديد (...) ويجب ان يكون بامكانه المشاركة في اقتراع وطني حر وعادل"، وعند سؤال اوباما حول انتشار مجموعة من سفن النقل الايرانية قرب سواحل اليمن اشار الى انها لا تزال في الوقت الحالي "ضمن المياه الدولية"، واوضح اوباما ان الولايات المتحدة حذرت ايران من تسليم اسلحة الى اليمن وهو من شانه ان "يهدد الملاحة" في المنطقة.
الاتفاق النووي يؤدي الى تعاون اقليمي افضل
فيما اعتبر وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف ان الاتفاق حول برنامج بلاده النووي من شانه ان يمهد الطريق امام تعاون اقليمي افضل، داعيا الى مفاوضات لانهاء النزاع في اليمن، وقال ظريف في صحيفة نيويورك تايمز متحدثا عن الملف النووي الايراني "عبر ابداء القدرة على القيادة والجرأة اللازمة لاتخاذ القرارات الصائبة، يمكننا وعلينا انهاء هذه الازمة المختلقة والتركيز على اعمال اهم بكثير".
ونشرت مقالته قبيل المحادثات المقررة هذا الاسبوع في فيينا. وكانت ايران والدول الكبرى ابرمت اتفاق اطار حول برنامج ايران النووي في 2 نيسان/ابريل، ويفترض التوصل الى اتفاق نهائي في 30 حزيران/يونيو، وكتب ظريف "كانت ايران واضحة جدا: فطبيعة تعهداتنا البناءة تتجاوز المفاوضات حول النووي". واضاف ان "مبدأنا الاساسي هو ان مسألة النووي هي احد اعراض الريبة والخلاف وليست سببها"، واضاف ان الوقت حان "كي تبدا ايران والاطراف الاخرى معالجة منابع التوتر في منطقة الخليج الفارسي".
في ما يتعلق بازمة اليمن حيث يشن تحالف بقيادة السعودية غارات على مواقع المتمردين الحوثيين الشيعة المدعومين من ايران، عرضت طهران في الاسبوع الفائت على امين عام الامم المتحدة بان كي مون خطة سلام من اربع نقاط.
لكن وزير الخارجية اليمني رياض ياسين رفض اي وساطة ايرانية لان طهران "تورطت في الشان اليمني"، ودافع ظريف في مقالته في نيويورك تايمز عن موقفه مشددا على ان "ايران قدمت مقاربة معقولة وواقعية"، وعرضت ايران وقفا فوريا لاطلاق النار ومساعدات انسانية وحوار بين الاطراف تنبثق عنه حكومة وحدة وطنية.
واكد الوزير الايراني "لا يمكن مكافحة القاعدة والمقربين منها ايديولوجيا مثل التنظيم المسمى الدولة الاسلامية، وهو ليس اسلاميا وليس بدولة، فيما يسمح لهم مواصلة توسيع سلطتهم في اليمن وسوريا"، وقد تزعج مقالة ظريف دول الخليج والولايات المتحدة التي تتهم ايران باذكاء التوتر عبر دعمها نظام الرئيس السوري بشار الاسد او الحوثيين في اليمن.
متى يحدث الاستقرار الإقليمي؟
الى ذلك قالت وزارة الخارجية الأمريكية إنها قد تتحدث مع إيران بشأن تعزيز الاستقرار الإقليمي وأشارت إلى أنها كانت منفتحة على مشاركة إيران في الجهود السابقة لتحقيق اتفاق سلام في سوريا إذا غيرت طهران سياستها، لكن وزارة الخارجية ميزت بين الحديث مع إيران عن قضايا بخلاف برنامجها النووي والعمل فعليا مع طهران على مثل هذه الأمور وهو الأمر الذي استبعدته واشنطن. بحسب رويترز.
قالت ذلك المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماري هارف ردا على سؤال عن دعوة وجهها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في مقال رأي بصحيفة نيويورك تايمز للحوار الإقليمي لمعالجة الأزمات في بلدان مثل العراق وسوريا واليمن.
وبدت وزارة الخارجية تسير على خط رفيع حتى لا تغلق الباب تماما أمام الحوار مع إيران ولا تؤدي في الوقت ذاته إلى نفور حلفائها العرب في الخليج مثل السعودية التي تعتقد أن إيران تريد الهيمنة على المنطقة.
وردا على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة قد تناقش القضايا الإقليمية كما فعلت في الماضي مع إيران إذا ما اتبعت طهران سياسات أكثر انسجاما مع أهداف الولايات المتحدة قالت هارف "ربما"، وقالت إن واشنطن كانت منفتحة على مشاركة طهران في الجولة الثانية من محادثات السلام السورية عام 2014 إذا كانت إيران تبنت "بيان جنيف" الصادر في 2012 والذي دعا لانتقال سياسي في سوريا لكنه ترك مصير الرئيس السوري بشار الأسد غامضا، وفي النهاية لم توقع إيران على بيان جنيف ولم تشارك في اجتماع "جنيف الثاني" في يناير كانون الثاني 2014، وسعت هارف للتمييز بين إمكانية التحدث مع الإيرانيين وواقع "العمل معهم" مما يوحي بأن هذا خط لن تتجاوزه واشنطن.
وقالت هارف "قلنا دائما إننا لا ننسق ولا نعمل مع الإيرانيين وهناك فرق بين المناقشة والعمل معهم"، وأشار البيت الأبيض إلى أنه يرى أن دعوة وزير الخارجية الإيراني مراوغة لاسيما فيما يتعلق باليمن. وتقول الولايات المتحدة إن إيران قامت بتسليح الحوثيين الذين سيطروا على أجزاء واسعة في اليمن.