الولاية الخامسة وأطراف كرسي الرئاسة في الجزائر

د. أسعد كاظم شبيب

2019-03-12 08:24

تمر الجزائر هذه الأيام بحراك شعبي كبير، بعد أن أعلن مقربون من الرئيس الجزائري المخضرم عبد العزيز بوتفليقة عن نية الأخير الترشيح لولاية خامسة لرئاسة الدولة الجزائرية، وهو ما أثار ابتداءً سخط الشباب في المدارس والجامعات، ليتشكل بعد ذلك رأي عام معارض محتج لترشح بوتفليقة لولاية خامسة تمثل بنشاط متواصل عبر السلوك بالمظاهرات الاحتجاجية في عدد من المدن الجزائرية ومنها العاصمة الجزائر، ومدينة وهران وغيرهما، كما أعلنت عدد من الجمعيات الدينية، والأحزاب السياسية في الجزائر مساندتها لمطالب المحتجين.

ويعود سبب الاعتراض على ترشح الرئيس الجزائري لأسباب مختلفة منها: تقدمه بالسن وحالته الصحية، التي جعلته عاجزا عن الحركة وأداء عمله بصورة طبيعية أو حتى شبه طبيعية، وشكلانية الحياة السياسية والانتخابية بالرغم من وجود التعددية الحزبية والانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وتعديله الدستور الجزائري من أجل استمراره في السلطة، شأنه في ذلك كل حكام العرب، ولعل ليس آخرهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حيث طالبت الجبهة البرلمانية المقربة منه تعديل الدستور لكي يستمر في الرئاسة لغاية 2034.

الرئيس بوتفليقة الذي لا يزال ماسكا بكرسي الرئاسة منذ العام 1999 وجدد له لولايتين حسب الدستور الجزائري النافذ، ففي عام 2008، أعلن بوتفليقة نيته الترشح لولاية ثالثة بعد أن شكل لجنة لتعديل الدستور إذ عدلت بموجب ذلك المادة 75 من الدستور التي تسمح له بالترشح لولاية ثالثة، وفي 9 أبريل 2009 كان له ما أراد إذ أعيد انتخاب عبد العزيز بوتفليقة للمرة الثالثة على التوالي بأغلبية ساحقة قدرت بنسبة 90,24% مثلما أعلنت وزارة الداخلية في الجزائر.

ومع إنتهاء الولاية الثالثة في أواخر عام 2013 حاول نظام بوتفليقة الاستفادة من فوضى التنظيمات الإرهابية التي ضربت عدد من الدول كالعراق، وسوريا، وليبيا الجار العربي الإفريقي للجزائر، حيث تعبث فوضى الإرهاب والمجموعات المسلحة الإسلامية والقبلية دورا عبثيا جعل ليبيا في أتون حرب أهلية ليعلن بوتفليقة ترشحه لولاية رابعة في العام 2014 لاسيما الجزائر لا تزال تعيش هاجس الخوف من التنظيمات الإرهابية التي سبق وأن ضربت الجزائر وكانت طرفا بالحرب الأهلية التي اندلعت بعد العام 1990.

من هنا صور أركان نظام حكم بوتفليقة، إن الرجل المعقد على كرسي الرئاسة وجوده على قمة السلطة قد يكون ضرورة في مواجهة التحديات التي يمر بها العالم من أزمات سياسية وتفشي ظاهرة الإرهاب، ويبدو أن هذا التعليل يدحضه التحسن النسبي وتحقيق الانتصار على ظاهرة الإرهاب في عدد من الدول كطرد تنظيم داعش من العراق والتحسن الأمني في سوريا ولكن لا تزال التوترات قائمة في ليبيا.

ومما تقدم يعرض التساؤل الآتي: ما الذي يدفع بوتفليقة ليعلن الترشح لولاية رابعة، ومن ثم ولاية خامسة مع حالته الصحية البدنية الحرجة وتقدمه في السن وعجزه بصورة شبه تامة عن أداء أبسط المهام، هل وجوده فعلا ضرورة لأمن واستقرار الجزائر؟، أم الأمر يتعلق بالمصالح السياسية التي يضمنها استمرار وجود بوتفليقة الرمزي والشكلي لأركان وأعضاء حكومته وحزبه؟.

في الإجابة عن التساؤل الأول، يظهر أن الضرورة التي اقتضتها وجود بوتفليقة في سدة السلطة يمكن تحليلها من زوايا مختلفة منها: تحدي الإرهاب، إن الجزائر منذ تجاوز محنة الحرب مع الإرهاب والمجموعات الإسلامية بعد أزمة الانتخاب في العام 1990 لم يعد خطر الإرهاب يشكل تحديا بارزا حيث تعيش الجزائر استقرارا داخليا، وهناك سيطرة أمنية على الجيوب الإرهابية إلا أن هناك جماعة البربر كجماعة اجتماعية عرقية تقطن في منطقة القبائل وتشكل أغلبية فيها، قد تشكل تحديا إذا ما حركتها الأجندات السياسية، وقد انتفضت عدد من المرات في العقد الأخير، وهذا التحدي لم يكن يشكل أزمة اجتماعية مع باقي فئات الشعب الجزائري وإنما صراع البربر كان في جزء منه مع السلطة وقواتها الأمنية، لكن قد تنمي هذه الجماعة الاجتماعية طموحها من جديد، وقد تصعد في مطالبها كالمناداة بالانفصال أو الحكم الذاتي إذا ما كان هناك واقع سياسي غير مريح بالنسبة لهم.

أما الإجابة عن التساؤل الثاني فيمكن الإجابة عنه، ما أن الرئيس الجزائري يدرك صعوبة حالته الصحية وفق ما يشير عليه الأطباء بالتأكيد!، لذا ما الذي يدفعه لإعلان تمسكه بالسلطة خاصةً وأن هناك الكثير من الجزائريين يشيد بما قدمه بوتفليقة للجزائر في طوال السنوات الماضية، ويمنون النفس أن يترك الرئيس المخضرم السلطة ويسلمها بطريقة ديمقراطية سلمية لمن يضع الشعب الثقة به، ويرجح مراقبون أن المقربين أو أركان نظام حكم بوتفليقة الذين يسيطرون على كل مؤسسات الدولة منذ العام 1999 قد يكونوا هم الدافع الأساسي في إعلان ترشح بوتفليقة لولاية رابعة ومن ثم ولاية خامسة لضمان استمرار وجودهم في السلطة.

وبالمقابل فإن انتخاب قيادة جديدة من الأحزاب المنافسة قد يقضي على تغلغلهم في مؤسسات الدولة، وبالتالي لم يكن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة المقعد بسبب المرض والذي عدل له الدستور من أجل الاستمرار في السلطة، وإنما هناك أطراف أخرى وأهمها: أركان حزبه وحاشيته الذين يمسكون بكل مؤسسات الدولة.

وهناك الطرف الثالث الذي دخل على الخط بقوة وهي الأحزاب السياسية، والقوى الأهلية التي قد تكون المصد الرادع لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة وقد تنجح في ذلك إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن هذا الترشح كان مخالفا للدستور قبل التعديل في العام 2008، وهناك أسباب شخصية قد تدفع بالرئيس بوتفليقة نفسه بالخروج عن رغبة المقربين منه بالانسحاب عن سباق الرئاسة.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2019Ⓒ
http://mcsr.net

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا