الحمار والتاريخ
هادي جلو مرعي
2019-03-12 08:22
التاريخ يكتبه الأقوياء، وفي احيان يكتبه الحمير، وقد يكتبه المرتزقة والمتطرفون والأغبياء والباحثون عن الشهرة، وقد لايعبأ الحمار حين يكتب التاريخ بالنتائج، ولا بالأسئلة المحرجة، والحمار ليس كالإنسان. فهو لايهتم بما يكتبه التاريخ عنه، فالتاريخ يكتب ماشاء عن سلوك الحمير، وأنواعها وإستخداماتها، وربما كان للحمير أن تفخر إنها اذكى المخلوقات بعد الإنسان، كما إنها ذكرت في القرآن الكريم لبيان نوع إستخدامها كما في قوله تعالى، والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة. كما ذكرت لبيان الإعتبار والإعجاز الإلهي وإحياء الموتى كما في قصة العزير حين أماته الله العزير لمائة عام، ثم أحياه، وامره أن ينظر الى طعامه، والى حماره.
هناك نوع من المسخ الذي يعاقبه الرب، كما في قوله تعالى. كونوا قردة خاسئين. وهناك من البشر من يسابق الحيوان في حيوانيته، ولايعبأ بقانون ولاضمير ولادين ولاخوف من الله، فتراه يظلم ويقمع ويستولي على الأموال والضياع، ويتسلط في الحكم، ولايغادره حتى يموت، أو بالقوة القاهرة، وهناك من يسرق الحقوق، ولايؤدي الواجبات التي عليه، ويهدر أموال الناس، ولايخلص في مسؤوليته، ويتماهل، ويتكاسل، ويترك الأمور بلاتنظيم، ولارعاية، ولاأدنى إهتمام.
الحمار من هذا النوع يوغل في السرقة والتسلط والقتل والإستعباد، ويجر معه أعدادا كبيرة من الحمير الذين يمجدونه، ويدافعون عنه ويحبونه، ويبكون عليه بدموع من نار ودماء ومن طين أحيانا، ويتجاهلون مظالمه وجبروته، ويبررون له طغيانه، فيستحقون ان يكونوا بمنزلة الظالم في الآخرة، ويحشرون محشره، وفي الحديث الشريف من أعان ظالما ولو بكلمة أدخله الله مدخله يوم القيامة.
الإنسان حين يفعل الخطايا ، ويرتكب الموبقات، ويعتدي على الحقوق، ولايخشى الله في عباده فإنه يتحول الى نوع من البهيمية التي لا أمل في الشفاء منها. الإنسان مكلف أن يسمو، لا أن يتسافل، ويتخلق بالمحامد كلها، ويفعل الخير، لكن الكثير من البشر يبحثون عن الزائل، وينسون الدائم، ولايفكرون إلا في الكثير المنقطع.
العراق الى الهاوية
المخدرات، الآيدز، السرطان، البغاء، الإتجار بالبشر، الفساد الذي يضرب في عدة إتجاهات، وظواهر أخرى، ربما تتحول لاحقا الى ثقافة مجتمعية، وبينما تبدو مؤسسة الأمن والصحة كسلحفاة في سباق مع تجار المخدرات فإن الأمور آخذة بالتدهور أكثر فأكثر مع عجز السلطات، وعدم رغبتها في إيجاد الحلول لكم المشاكل التي تتراكم في قطاعات مختلفة.
يزداد عدد المدمنين على المخدرات في مدن وقرى البلاد، ولايبدو أن أحدا لديه الجرأة على الوصول الى كبار المهربين، وإلقاء القبض عليهم، وتقديمهم الى العدالة، وليس هناك مصحات لعلاج الإدمان رغم تعاقب الوزراء، وتخصيص مليارات الدولارات سنويا لقطاع الصحة التي تذهب هدرا، بينما يشكو الجميع من تدهور هذا القطاع، وإمكانية إنهياره تماما بسبب الفساد، وسوء الإدارة.
يحكم القاضي على شاب بالسجن لستة أشهر بدلا من تحويله الى مصحة، لكن وحتى لو تنبه القاضي، وتصرف بذكاء، وأمر بحجره صحيا فأين هي المصحة التي يودع فيها المدمنون ليتلقوا العلاج اللازم، وينتهوا من مشكلة الإدمان؟ لاتوجد.
ما فائدة وضع الشاب المدمن في السجن حيث سيتحول الى مجرم وقاتل ولص، وربما يمارس الرذيلة فيضيع مستقبله ووجوده.
مؤسسات الدولة عاجزة ومترهلة، ولايمكن أن توفر للمواطنين ضمانات العيش الكريم والمحترم، وهو حق طبيعي للمواطنين، وواجب على تلك المؤسسات، فالأموال التي تصرف سنويا لاتتوفر لدى نصف دول العالم مجتمعة، ولكنها لاتكفي لأنها تهدر بالسرقة، وعدم الجدية والإخلاص في العمل، وبسبب الفشل الإداري والإصرار على توظيف الفاشلين والسراق في مناصب عليا، ووضع إشخاص حديثي العهد بالإدارة في مواقع المسؤولية، بينما الإصرار متوفر لدى القوى السياسية على ضمان مصالحها دون الإلتفات الى مصلحة الوطن والشعب، ولاندري على وجه اليقين الى اين نحن ماضون في ظل مؤسسة دولة ينخرها الفساد ويعيث فيها المفسدون..