الصحافة الاستقصائية في العراق: قضايا عارية امام عيون الصحفيين
مسلم عباس
2018-12-04 05:42
العمل الصحفي بشكل عام يواجه تحديات عدة، وتتضاعف التحديات تلك عند الحديث عن الصحافة الاستقصائية، فالنظام السياسي العراقي لا يزال في طور التكوين، والمال السياسي مسيطر على البيئة الصحفية، وكل القضايا والاحداث توظف لخدمة الأحزاب، فانحرفت الصحافة عن وظيفتها الأساسية المتمثلة بكشف الحقيقة الى اتجاه اخر عبر الهجوم على الخصوم او تبرير سياسات الزعماء.
بيئة شديدة التنافس السياسي حيث تنعدم فكرة احترام القانون، والسياسات ابعد ما تكون عن التخطيط واقرب لاهواء اشخاص لا يهمهم سوى تحقيق اهداف شخصية او حزبية او فئوية، ينتشر الظلم، وتزداد جيوش المحرومين، بينما تتجمع الأموال والامتيازات عند فئات اجتماعية صغيرة، وتتحول الإدارة الى قرارات فردية قد تصيب او تخطيء.
انها أجواء مناسبة لزرع بذور صحافة استقصائية، فالتعريف العام لهذا النوع المميز يتركز على: كشف الفساد والظلم وسوء الإدارة، لتحقيق المصلحة العامة، عبر الحفر عميقا في القضايا التي يريد القائمون عليها ان تبقى مخفية. لكن وجود "الفساد" و"الظلم" و"سوء الإدارة"، لا يعني ان المهمة سهلة، نحن نتحدث عن قضايا يريد أصحابها ان تبقى مخفية، ويمكن ان يملكون خبراء في فنون التخفي او استغلال الثغرات في القوانين، لذلك يجب ان يكون لدينا اشخاصا يحملون صفات الصحفي الاستقصائي، والتي من أهمها:
أولاً: قدرة الصحفي على البحث، وهذه مهمة الصحفي الاستقصائي القادر على الحفر عميقا في القضايا التي يراد لها ان تبقى مخفية، وبدون التمتع بالصبر والمطاولة والانتظار طويلا من اجل معلومة هنا، او وثيقة هناك لا يتعلم الصحفي الاسقصائي أسلوب البحث العميق.
ثانياً: المعرفة العميقة بالقوانين الوطنية والمعاهدات الخاصة بحماية حقوق الانسان، لان الصحفي الذي لا يملك ثقافة قانونية لا يمكنه فرز الصواب من الخطأ في وقت يكون القانون هو المعيار بتحديد سلوكيات الافراد (على الاقل هكذا يفترض) القانون هو المسطرة التي نقيس بها ابتعاد الافراد عن السلوك الصحيح.
ثالثاً: المعرفة المعمقة باساسيات العمل الصحفي، من حيث فنونه الأساسية (ان يميز بين الخبر والتقرير والتحقيق، والمقال والتحليل الاخباري)، وان يضع ثلاثية المعلومة الصحفية في جيبه وهي: الصدق والدقة والموضوعية. الثلاثية هذه تفرض عليك ان تكون شفافا في عرض المعلومات من حيث طريقة الحصول عليها وذكر مصادرها الصريحة، وتواريخ الحصول عليها، وتوضيح عمل المصادر او المتحدثين حتى توضح للجمهور مدى علاقتهم بالقضية المطروحة.
رابعاً: الابتعاد عن العمومية في التقارير، فكلما كان الموضوع الصحفي محددا بقضية واحدة اصبح اكثر وضوحا وتاثيرا، وهذه النقطة تتبع صفة الدقة الواجب توافرها في كل مادة صحفية، اذ ان الشخص الذي لا يملك معلومات محددة يحاول تعميمها ليخفي ضعفه في البحث والتقصي.
خامساً: توصية لكل صحفي، اياك ان تتحول الى طرف في القضية ضد طرف اخر، وظيفتك كشف الحقيقة ونشرها للجمهور، لا تنمسخ الى جندي عسكري لفرض الحقيقة، انت الضوء الذي نسلطه على الحقيقة وليس البندقية التي تحول الحقيقة الى طلق ناري.
منهج الصحافة الاستقصائية الذي يدرس في كليات الاعلام العراقية، يضع مجموعة أخرى من الصفات الواجب توافرها في الصحفي الاستقصائي، وهي: القدرة على التحرير الجيد، والتحلي باخلاقيات المهنة، والقدرة على الكتمان خاصة فيما يتعلق بالمعلومات عن مصادره حتى لا يعرضهم للخطر، بالإضافة الى كتمان معلومات التحقيق قبل اكتماله لكي لا يعلم اطراف القضية بها ويقوموا باخفاء الأدلة.
اما اهم التحديات التي تواجه العمل الصحفي الاستقصائي يمكن تحديدها بالاتي:
اولاً: الرقابة السياسي، اذ ترتبط بحركة الأموال التي تسيطر على اغلب المؤسسات الإعلامية العراقية، ومن ثم فان التحقيقات التي يسمح بها غالبا ما تتسم بطابع الصراع السياسي الجاري في البلد، لا تهتم بكشف الحقائق اكثر من اهتمامها باستهداف جهات سياسية معارضة لها، فتنتج تحقيقات عرجاء اقرب للبروبغندا. من جانب اخر هناك رقابة سياسية حزبية او حكومية بشكل غير مباشر على المؤسسات الصحفية التجارية او غير الحزبية عبر الضغوطات بمختلف وسائلها.
ثانياً: القوانين الناظمة للعمل الصحفي في العراق، فرغم وجود قانون حقوق الصحفيين والقوانين الأخرى، ووجود نص دستوري صريح بحرية عمل وسائل الاعلام، الا ان القانون بشكل عام خاضع للاهواء السياسية، والاحزاب المتنفذة.
ثالثاً: المهارات لدى الصحفي نفسه، فهناك نسبة من الصحفيين لا يعرف وظيفته الأساسية، لهذا نجده يتفاخر بوقوفه مع طرف ضد اخر، او قيامه بخرق اخلاقيات المهنة لجهله بوجود تلك الاخلاقيات فتجده يجمع المعلومات ويكدسها لديه ليهدد الشخصيات المعنية بالقضية.
رابعاً: ضعف التمويل، فالمؤسسات الإعلامية العراقية لا تدعم صحفيا يعمل لمدة ثلاثة اشهر او ستة اشهر من اجل تحقيق استقصائي واحد، هناك هوس بالكم الاخباري، اجلب لي اكبر عدد من الاخبار، ولا اهتم بالتنقيب البطيء عن المعلومات، هذا هو المنطق السائد في غرف الاخبار العراقية.