ماهو علم السياسة؟

حيدر الجراح

2015-04-11 12:50

اذا حاولنا تعريف (علم السياسة) بشكل رسمي ودقيق فسوف نواجه الكثير من المشكلات، ترتبط احدى هذه المشكلات في ما اذا كنا نتحدث عن السياسة باعتبارها نشاطا بشريا او باعتبارها نشاطا اكاديميا او باعتبارها علم سياسة او علوما سياسية كما هو الحال في الولايات المتحدة الامريكية.

مبدئيا، يعتقد بعضهم ان البحث عن الحقيقة حول كيفية ممارسة البشر للسلطة قد يكون منفصلا تماما عن النشاط الفعلي في السعي الى ممارسة هذه السلطة. ولكن عمليا، تمثل الافكار السياسية بعض اهم الاسلحة في ترسانة الرجل السياسي، ولا شك في ان محاولات تجاهل ذلك هي اما انه امر ساذج او محاولات متكررة متعمدة لتقديم ايديولوجية سياسية مثيرة للجل على انها حقيقة سياسية لاجدال فيها.

في ضوء ذلك يجدر دراسة الدلالات لبعض معايير التعريفات الاكاديمية للسياسة والسلطة بصورة نقدية.

هناك تعريفات عديدة لعلم السياسة منها:

تعريف جامعة كولومبيا:

بأنه (علم دراسة الحكومات والمؤسسات والسلوك والممارسة السياسيين)، بمعنى أن علم السياسة يهتم بدراسة عملية الحكم والمؤسسات السياسية بنوعيها من مؤسسات رسمية (المؤسستان التشريعية والتنفيذية) وتنظيمات غير رسمية مثل الأحزاب وجماعات الضغط والرأي العام.، كما يعنى بدراسة النشاطات السياسية للأفراد مثل عمليات التصويت في الانتخابات وغيرها.

تعريف المعاجم الفرنسية:

هو علم دراسة حكم المجتمعات الإنسانية (أي علم حكم الدول).

تعريف ديفيد إيستن الأمريكي:

هو العلم الذي يهتم بدراسة التوزيع السلطوي الإلزامي للقيم في المجتمع. بمعنى أن علم السياسة يتركز اهتمامه على دراسة الدور المحوري للسلطة السياسية في الحفاظ على قيم المجتمع وإنفاذ القوانين باستخدام أدوات القوة والإكراه إذا اقتضى الأمر في مواجهة الخارجين على هذه القيم والقوانين.

وهذه التعريفات تتضمن جوانب كثيرة، أهمها:

- العلاقات الاجتماعية التي تشمل السلطة والحكم، كالعلاقة بين الحاكم والمحكوم، وعلاقة الدولة بجيرانها، والعلاقة بين الحكومة والأحزاب السياسية، والعلاقة بين الأحزاب السياسية...

- الدراسات المتعلقة بالحكومة والمكونات السياسية الأخرى للدولة كالأحزاب السياسية والنظام السياسي والدستور والعلاقات الدولية...

- الوظيفة المتعلقة بالحكم والشؤون السياسية، كالرئيس أو الوزير أو النائب...

- وجهات النظر المتعلقة بالمسائل السياسية.

تتضمن الحقول الفرعية التي تتناولها العلوم السياسية: النظرية السياسية، والفلسفة السياسية، والمدنيات وعلم السياسة المقارن، والأنظمة القومية وتحليل سياسات بين الأمم والتطور السياسي والقانون الدولي والسياسة تاريخ الفكر السياسي والحريات العامة وحقوق الإنسان.

أصبحت الجامعات تعترف بعلم السياسة كعلم أو فرع من العلوم الاجتماعية والإنسانية منذ نهاية القرن التاسع عشر، وترسخ هذا الاعتراف بإنشاء كل من المدرسة الحرة للعلوم السياسية في باريس عام 1872، ومدرسة لندن لعلم الاقتصاد والسياسية وقد تأكدت أهمية هذا العلم باعتماده كمادة للتدريس في الجامعات الأوروبية بصفة عامة والجامعات الأميركية بصفة خاصة.

وقد أدى وجود عوامل عديدة للاهتمام بعلم السياسة وقد اقترن ذلك الاهتمام بالمزيد من الاتجاه نحو الدراسة الاستقرائية لمختلف الظواهر السياسية كالأحزاب السياسية والرأي العام وجماعات الضغط والمصالح وغيرها خاصة في الولايات المتحدة حيث غلبت فيها النزعة المنهجية لدراسة الوقائع والجزئيات إلى درجة أحدثت تطوراً منهجياً جديداً جعل علماء السياسة فيها يتبنون نظريات جديدة.

وقد ظلت دراسة النظريات السياسية التقليدية غالبة في أوروبا إلى أن تأثر العلماء والمفكرين السياسيين في أوروبا بالمناهج الاستقرائية والتحليلية الأمريكية مما أحدث تحول تدريجي لصالح هذا الاتجاه.

وقد ظلت النظرة السائدة إلى علم السياسة إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية على أنه فرع من العلوم الاجتماعية أو الإنسانية التي تهتم على وجه ما بالحياة السياسية وأنه ليس هناك ميدان خاص للمعرفة ينفرد به علم السياسة انطلاقاً من أن جميع العلوم الاجتماعية والإنسانية تتناول السياسة، أي أن النظرة لعلم السياسة أو العلوم السياسية كانت تؤكد العلاقة بين علم السياسة والعلوم الاجتماعية دون أن نعترف له بموضوع خاص ينفرد به دون سائر العلوم الاجتماعية.

إلا أنه عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية وما نتج عن تلك الحرب من ظواهر سياسية لم تكن موجودة من قبل وانقسام العالم إلى كتلتين وقيام كيانات دولية جديدة - كل هذه العوامل أكسبت أهمية لعلم السياسة وفتحت الباب للبحوث السياسية والدراسات المستقلة، وأعطت لعلم السياسة أبعاداً جديدة تبرزه عن العلوم الاجتماعية الأخرى.

الولادة الحديثة لعلم السياسة بدأت مطلع الخمسينيات عقب استشعار الحاجة له بعد الحرب العالمية الثانية. ما دفع المؤسسات الدولية (الناشئة كنتيجة لهذه الحرب)، مثل اليونسكو، على تشجيع نموه وتطوره. حتى أن أول تحقيق لليونسكو في ميدان العلوم الاجتماعية تناول موضوع السياسة ونجم عنه مجلد متعدد المؤلفين تحت عنوان " علم السياسة المعاصر " كما رعت اليونسكو ولادة " الجمعية الدولية لعلم السياسة " التي عقدت مؤتمرها الدولي الأول في زيوريخ العام 1949 ثم توالت مؤتمرها بمعدل مؤتمر كل ثلاث سنوات. وتوالت بعد ذلك الجمعيات والمجلات المحلية والعالمية المتخصصة في مجال السياسة.

وقد اكتسب علم السياسة شخصية متميزة عن غيره من العلوم الاجتماعية مع ظهور قائمة اليونسكو لعام 1948 والتي حدد من خلالها علماء السياسة المجتمعون بباريس أربعة قطاعات لعلم السياسة هي:

النظرية السياسية:

وتشمل النظرية السياسية وتاريخ الفكر السياسي.

النظم السياسية:

وتشمل فروعاً مثل الدستور – الإدارة العامة – النظم السياسية المقارنة.

الحياة السياسية:

وتشمل موضوعات عديدة منها: الأحزاب السياسية وجماعات الضغط السياسي – الرأي العام.

العلاقات الدولية:

وتشمل: العلاقات السياسية الدولية والسياسة الدولية – التنظيم الدولي – القانون الدولي وغيرها.

هناك مناهج عديدة تستخدم في دراسة عالم السياسة منها:

(المنهج الفلسفي المثالي - المنهج التاريخي - المنهج الوصفي (الاختباري الصرف) - المنهج العلمي التجريبي - المنهج المؤسسي - المنهج السلوكي - المنهج المقارن)

ميادين علم السياسة:

يصر الباحثون العاملون في اليونسكو على اعتبار علم السياسة علما قائما بذاته. رافضين اعتباره بمنزلة الفن أو المهارة أو الموهبة. وعلى هذا الأساس انطلق هؤلاء الباحثون من الوجود الموضوعي - الواقعي لهذا العلم كي يحددوا ميادينه. متجنبين بذلك الخوض في جدلية الاعتراف به وعدم استكماله لقواعد هذا الاعتراف. ولقد حدد هؤلاء ميادين علم السياسة على النحو التالي:

أ‌- النظريات السياسية: النظرية السياسية - تاريخ الأفكار.

ب‌- المؤسسات السياسية: الدستور - الحقوق المركزية - الحقوق الإقليمية والمحلية - الإدارة العامة - الوظائف الاقتصادية والاجتماعية للحكومة - المؤسسات السياسية المقارنة.

ج- الأحزاب والكتل والرأي العام: الأحزاب السياسية - الكتل والتجمعات - مساهمة المواطن في الحكم وفي الإدارة - الرأي العام.

د- العلاقات الدولية: السياسة الدولية - المنظمات الدولية - القانون الدولي.

أما في الجامعات فان تدريس السياسة يعتمد لائحة تصنيفية قوامها:

1- تاريخ الآراء السياسية.

2- المؤسسات السياسية.

3- سوسيولوجيا السياسة.

ذات صلة

مقام التسليم والرضا والعبودية لله تعالى، علماء وعالمات جبل عامل نموذجاًفي ذكرى مولدها السعيد: السيدة زينب ورؤيتها المستقبليةالنظام الحزبي والديمقراطيةآليات مناقشة وتقييم بحث الترقية للقاضي بين الماضي والحاضر؟حياتنا بحاجة لهذه القرارات