العراق وعودة الليبرالية المتوحشة: أزمة تَلِدُ أخرى
د. محمود عزو حمدو
2018-07-30 06:37
تكاد تكون سمة عدم الاستقرار هي السمة المميزة للعراق منذ تشكيل الدولة العراقية الحديثة، وذلك يعود في جزء منه الى غياب العمل السياسي المؤسسي علاوة على غياب النظرية السياسية التي تحرك عمل مؤسسات الدولة، فمن ليبرالية الى الانتقال الى الاشتراكية ومن ثم عودة الى الليبرالية المتوحشة بعد 2003، سجل العراق تقلبات فكرية كذلك انعكست على اداء الدولة وعدم بناء قدرات المجتمع السياسية فمن حزبية الى احادية حزبية الى تفشي الحزبية بعد 2003 وعدم قدرتها على تقديم رؤى ومعالجات لما يمر به العراق، وفي أحسن الاحوال تكون ترقيعية أو رد فعل على أمر معين ومحدد.
احتجاج صامت وآخر معلن
مارس العراقيون منذ ما يقارب القرن جميع انواع الاحتجاجات السياسية، فمن الاحتجاج الصامت الى المعلن، وشكلت الانتخابات الاخيرة اكبر عملية احتجاج صامت اذ بلغت نسبة عدم المشاركين في انتخابات ايار 2018 حوالي 57% وهي نسبة تعد عالية جدا سواء بالنسبة لمعايير المشاركة أو مقارنة مع التجارب الانتخابية الاربعة السابقة. وهي تدل على زيادة نسبة المقاطعين للشأن السياسي والانتخابي في العراق، ويعلل ذلك في الاغلب الاعم الى ما اعترى الممارسة السياسية للاحزاب السياسية من ضعف في الاداء وعدم القدرة على تقديم برامج مقنعة علاوة على ضعف قدراتها السياسية والاعلامية في اقناع المواطنين بالمشاركة وجدواها، مما ادى الى أن تتحول تلك الحركة الاحتجاجية الصامتة الى معلنة نتيجة سوء الخدمات الاساسية للمواطنين يضاف اليها عدم حل مشكلة الكهرباء صيفا والتي اكتوى العراقيون بنار الصيف ونار ضعف الخدمات. ويمكن أن يشار الى أن جزء من الاحتجاج يعزى الى غياب افق الاتفاق بين الكتل السياسية في ظل شكوك بعملية تدوير للوجوه السياسية العتيقة التي تصدرت المشهد السياسي منذ 15 عام.
رقابة ذاتية متبادلة
ومما لاشك فيه اسست طريقة الاحتجاج سلوكا ديمقراطيا للرقابة على المسؤولية السياسية والسلطوية ايقظت وافزعت كثير من المسؤولين في مؤسسات الدولة بعد غياب وترهل وان كانت النتائج الملموسة على الارض لم تشي بالشيء الكثير، بيد أنها وفرت قناة مهمة لإيصال الصوت الشعبي بعيدا عن فكرة التمثيل بالنيابة كما تشترطه الدساتير والتي تنهي دور المواطن عند وضع ورقته في صندوق الانتخابات، ولكن الخشية تدور من ان يتحول هذا الاحتجاج الصامت أو المعلن من ساحة لتصفية الحساب بين الكبار في العملية السياسية في العراق.
تفاعلات قيد الانتظار
يؤسس الاستقرار السياسي عبر جملة التفاعلات التي تزيد الثقة بين المواطن أو المجتمع مع السلطة السياسية ويتضح ذلك من احترام القانون ووجود تداول سلمي للسلطة واحتكار العنف الرسمي من أجهزة الدولة فقط عبر تطبيق القوانين على الجميع، وتتزايد ثقة المواطن قدرة السلطة السياسية بالتفاعل مع مطالبه وتوفير قنوات رسمية لتمريرها سواء عبر القوانين والقرارات الحكومية، ومدى استجابة لتطلعاته، كما ان ثقة المواطن المشارك تتضح عبر تيقنه من عدم ضياع صوته في الانتخابات، والمواطن المقاطع للشأن الانتخابي عبر ادراكه ان جميع التفاعلات السياسية بين أطراف العمل السياسي في العراق ستكون نتائجها للجميع ولا تستثنيه هو كونه من المقاطعين، لان مساحة استخدام القوانين والقرارات ستكون ثمارها للجميع ولا تسمى لمواطنين معينين دون غيرهم.
آمال قيد التحقيق؟
تدعيم الاستقرار السياسي يحتاج الى تكاتف وتكافل، أما التكاتف فهو قدرة صناع القرار والقائمين على ادارة شؤون الدولة العراقية على التعامل الحكيم مع الازمات بعيدا عن التهويل أو التبجيل من جملة المطالب الشعبية، وكذلك قدرتهم على ايجاد حلول آنية للازمات فضلا عن ايجاد خطط لمعالجة الازمات على المدى الطويل تبتعد فيها عن الحل المستعجل وتوظف فيها الموارد والقدرات البشرية بالشكل الذي يحقق الاستقرار الاقتصادي المدخل الاساسي والشريان الحيوي لتحقيق الاستقرار السياسي. في حين أن التكافل فهو قدرة مؤسسات الدولة على التعامل مع شؤون ومطالب المواطنين بنظرة تكافلية لحقوقهم بوصفها مطالب انسانية وليست نزوات اشخاص اكل عليهم الدهر وشرب كالتعامل مع شأن المعوزين اجتماعيا والارامل وعوائل الشهداء الذين ضحوا بأفضل ما تجود به النفس الا وهو التضحيات بدمائهم.
علاوة على ما ورد ذكره فان عملية تدعيم الاستقرار السياسي تشهد منحى تصاعديا كلما ضعفت المشكلات بين أطراف العمل السياسي وكلما قلت نسبة تصديرها الى الشارع عبر حجة أن جماهيرنا هي الكفيلة بحل مشكلاتنا السياسية مع الاطراف الاخرى.