الأنساق المضمرة للمتخوفين من الفكر الشيعي
عادل الصويري
2018-07-09 07:30
بنبرة تحذيرية حادة، يؤكد خطيب صلاة الجمعة المصري على الخطر المحدق بالبلاد في حال استقبلت سُيّاحاً ينتمون بعقيدتهم للمذهب الشيعي، بعد أن تفاخر بالمجازر التي صنعها (صلاح الدين الأيوبي) حين قضى على الدولة الفاطمية في مصر. النبرة ترتفع لدرجة التصريح شبه اليقيني : "إنَّ الشيعة يتقرَّبونَ إلى الله بذبحكم أيُّها السُنِّيون" ضارباً المثل بالأحداث ذي الخلفيات المتعلقة بالصراعات السياسية في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
مناسبة الحديث طبعاً، هي التخوف الذي وصل لحد الهوس من انتشار الفكر الشيعي في البلدان العربية؛ وذلك طبعاً بعد الانفتاح الكبير الذي يشهده العالم على المستوى الاتصالي والالكتروني والإقبال الكبير على هذا الانفتاح الذي أتاح الوصول للمعلومات التي كان يُعتم عليها.
ويبدو أن اللهجة المنبرية المتصاعدة في التحذير من انتشار الفكر الشيعي تعكس قلقاً كبيراً لدى المتخوفين من مجرد مطالعة هذا الفكر على سبيل المعرفة لا الانتماء؛ لدرجة أن قراراً حكومياً صدرعن أعلى المستويات في مصر أيام رئاسة (محمد مرسي) يقضي بتبليغ مجلس العلماء المسلمين عن أي نشاط تشم منه رائحة الترويج لأي كتاب شيعي، أو الحديث عن المعتقدات التي يتوافق فيها الشيعة مع غيرهم من المذاهب الإسلامية؛ وذلك لأن الهدف (الإخواني) هو استمرار التعتيم على حقيقة الفكر الشيعي الذي يراد لصورته أن تبقى مسودّة في ذهنية أكبر عدد من المسلمين.
ولعل أكبر السقطات التي وقع ويقع فيها الخطباء المتشددون تجاه هذه القضية هي محاولات قلب الحقائق خصوصاً فيما يتعلق بالظواهر التي تنتج عنفاً عبر الجماعات الدينية المتشددة. فالخطيب حين يقول أن الشيعة "يتقربون لله بذبح السُنة" يقول عبارته هكذا من دون أن يستند لدليل موثق أو حديث معتبر عند الشيعة، بينما يمكن رد شبهته هذه بسهولة حين يتم فتح الملفات التي ينطلق منها الفقه الذي يخالف الفقه الشيعي. العالم اليوم عالم منفتح على المعلومة وصار من السهولة الحصول على حقيقة معينة.
كما أن أحداثاً كثيرة يمكن أن استخراجها من الذاكرة القريبة جداً تؤكد أن بعض متبني الفكر الشيعي ذهبوا ضحية الانتماء لهذا المعتقد من دون حتى أن يتسببوا بقلق أو أذية لأصحاب المعتقدات الأخرى، وأن الذين مارسوا بحقهم أبشع صور العنف والترهيب هم من الذين ينتمون لمعتقدات تكفّر الشيعة وتجاهر بإقصائهم بل ومصادرة حياتهم من الطفل الصغير وحتى الكبير، كما في المجزرة البشرية المؤلمة التي ارتكبتها السلطات النيجيرية مدعومة بغطاء فقهي سلفي بحق مواطنين نيجيريين كان ذنبهم الوحيد أنهم مارسوا حقهم الإنساني في تبني معتقد ديني معين. كما أن النسق المضمر لحالة التعتيم الإعلامي التي لم تتفاعل مع هذه الإبادة البشرية؛ يكشف عن مدى التوتر والخوف من تنامي الفكر الشيعي في الذهنية البشرية، بعد أن سقطت كل المبررات والحجج التي قيلت من أن هذا الفكر يقصي الآخرين، ولا يسمح بالتعايش السلمي، وما إلى ذلك من الأقاويل التي سقطت وتسقط بفعل تقادم التجربة الإنسانية.
إن الخوف من انتشار الفكر الشيعي؛ سببه الرئيس يتفرع لفرعين:
الأول فقهي يسقط كل الآليات والأفكار المتشددة التي انطلقت منها جماعات العنف والتكفير كالقاعدة وداعش وبوكو حرام، والتي تعود جذورها الفكرية والفقهية لمذاهب تحظى لحد هذا اليوم بالقبول المتوارث وغير المعرفي. هذه العناوين المتطرفة تنتمي صراحة إلى أكثر المذاهب تطرفاً وتشدداً وهو المذهب الوهابي، ولم تستطع الحكومات ولا المؤسسات الدينية التي تدعم هذه التنظيمات مالياً وسياسياً وعقائدياً بالخفاء التغطية على جرائم هذه الجماعات او تبريرها للعامة بأنها أعمال جهادية.
ما أظهرت تجربة تنظم داعش الإرهابي خصوصاً في العراق وسوريا الوجه القبيح لهذا الفكر الإجرامي المتطرف وكيف ان أفراده مجردون من كل ما يمت للإنسانية بصلة، فإن كانت عقيدتهم تبيح لهم قتل الشيعة وتستحل دماءهم فأن الإنسان السني البسيط يسأل مثلاً هل أن الفتيات الأيزيديات اللواتي تم خطفهن واغتصابهن بأبشع الصور شيعيات رافضيات؟!
ماذا عن الآثار الحضارية التي تم تهديمها في الحضر وتدمر فهل هي من آثار الرافضة؟ هذه الأسئلة وغيرها الكثير تدور في رأس الإنسان السني والتي لا يجد لها إجابات من مشايخه الذين يجتهدون في الفرار منه ومن أسئلته تاركيه في دوامة من الشك ما يجعله يبحث عن بوصلة فكرية ترشده لطريق الصواب.
مثل هذه السلوكيات العنفية وغير الحضارية التي امتدت لتشمل من هم من غير الشيعة، عززت القناعات التي تذهب إلى أن مصدر العنف وبالديل مصدر لا يمت للشيعة والتشيع بصلة ليعود السؤال يطرح من جديد: هل أن الخوف من انتشار الفكر الشيعي هو الخوف من التسامح والتعايش؟
الثاني سبب سلطوي بحت، إذ أن الفكر الشيعي وما سينتجه من وعي مستند على أدلة عقلية وواقعية كفيل بإسقاط العروش التي تسلطت وفق منطق الخضوع للحاكم أي حاكم، خصوصاً وأن هذه العروش استمدت ديمومتها السلطوية من منطلقات فقهية تخالف التشيّع، وتضمن لهم البقاء في السلطة وتوريثها لأبنائهم؛ لذا فإن محاربة الفكر الشيعي وتقليص ممكنات انتشاره تعد مصلحة كبرى لدى المتسلطين المتحكمين بالبلاد والعباد.
وقد اتخذت القضية بعداً آخر تمثل في تنامي ظاهرة السجال الإعلامي عبر وسائل الإعلام المرئية والقنوات التلفزيونية حيث كثر الحديث عن هذه الظاهرة، ولسنا هنا بصدد تأييد أو معارضة هذه الظاهرة السجالية بقدر ما نريد التأكيد على أن المشاهد ذكي جداً ويستطيع التمييز بين طرح هذا الطرف وذاك، فبين كثرة القنوات الفضائية التي يشاهدها تدعو لتسقيط المذهب الشيعي، وتصف القتلة بالجهاديين المدافعين عن الدين والسنة، يشاهد بالمقابل قنوات تطرح أفكارها مستندة على مصادر متنوعة ومعتبرة حتى عند المخالف.
هنا يجد المشاهد نفسه أمام حقيقة أن نسقاً مضمراً بات ظاهراً يجتهد في إقصاء فكر يشكل خطراً على السلطويين والمتطرفين.