التحليل السياسي في قبضة المحاصصة الحزبية
مسلم عباس
2018-07-02 06:47
يحصل المحلل السياسي في العراق على كم كبير من الاستهجان والنقد من قبل الجمهور بسبب فشله _ بحسب الجمهور_ في توقع الاحداث الجارية في البلاد بطريقة صحيحة لدرجة ان بعض صفحات الفيس بوك التي يملكها مثقفون لا تخلو من هجوم متكرر على المحلل السياسي العراقي.
الكثير من هذا النقد والهجوم السلبي على المحلل السياسي ينبع من الصورة التي يرسمها الجمهور له اكثر من كونها ناتجة عن فشله في فهم السيناريوهات السياسية اذ ان هناك من يريد من المحلل السياسي ان يحل له كل طلاسم اللوحة العراقية رغم تعقيداتها وذلك في ثوان محدودة يظهر فيها عبر نشرة الاخبار، ويتوقع بعض الناس ان المحلل يجب ان يملك ادوات دقيقة مثل التلسكوب الفضائي الذي يعتمد على معادلات رياضية محددة يحسب من خلالها حركة النجوم والكواكب في الفضاء.
قبل كل شيء يتعامل المحلل السياسي مع قضية انسانية بالدرجة الاساس وتتغير بحسب تغير المصالح او حتى المزاجات، فلو اخذنا مجال التشبيه بين التحليل السياسي والرياضي يمكن ان ناخذ العبرة ونفهم كثيرا منهجية التحليل السياسي، فالتوقعات في مجال الرياضة تتوافر فيها الكثير من الارقام والاحصائيات، ومواصفات اللاعبين ومستوى ادائهم، الا انه رغم ذلك لا تصيب تحليلات الرياضة سواء من الجمهور او من المختصين، لماذا؟
الجواب على ذلك هو ان مهمة المحلل سواء كان رياضيا او سياسيا ان يستحضر مجموعة من الوقائع ويربط بينها ليصل الى استنتاج قد يصيب او يخطئ وتتفاوت درجات الخطأ والصواب بحسب احترامه لموضوعيته ومصداقيته، وهنا يحتاج المشاهد او الجمهور ان يبحث اولا في خلفيات المحلل السياسية قبل ان يقول ان تحليله خاطئ، فربما هو يعرف الحقيقة ويمكنه اطلاق توقعات قريب من الواقع لكنه يتجاهل ذلك نتيجة انحيازاته الشخصية او الحزبية.
ومن المعروف ان الكثير من المحللين لا يريدون كشف الحقائق امام الجمهور كما يفعل الطبيب مثلا انما يمارسون "السفسطائية" بابشع صورها من اجل ارضاء الاحزاب المتنفذة او ربما يكون مدفوعا من قبل الحزب لتمرير سياسة معينة عبر اليات التاطير المعروفة لديه. وهذا هو النوع الابرز والاكثر حضورا في القنوات الفضائية العراقية حتى اصبح بعضهم يظهر على الشاشة اكثر من مقدم الاخبار نفسه.
والنوع الثاني من المحللين هو المحلل السياسي الموضوعي غير المتحيز لطرف ضد اخر، فهو يقدر عمله ويحترم ادواته، الا انه يواجه مشكلة غيابه عن الشاشات المحلية، لانه لا يقول ما يراد منه ان يقوله، بل يركز على حقيقة الاحداث وسبل علاجها، وبما ان هناك الكثيرة من "خردة المحللين المتحزبين"، فان الفضائيات الحزبية لا تواجه صعوبة في ايجاد البدائل.
هذا النوع من المحللين المحترفين يخسرهم الجمهور العراقي دائما لصالح الفضائيات الدولية الكبرى، انهم الكفاءات العراقية التي تغادر المجال المطلوب ان تكون فيه الى مكان اخر تقدم خدماتها هناك والسبب هو الاخطاء التي تكلف البلاد كثيرا، اذ ان جمهور وسائل الاعلام يركز على متابعة الاعلام المحلي وبما ان هذا الاخير متحيز في اغلب الاحيان نفقد الكثير من الافكار المتميزة والتي يمكن ان تسهم في تكوين رأي عام فاعل يضغط على الجهات الحاكمة للقيام بما هو صائب.
ويحدد الخبير الاستراتيجي الدكتور مهند العزاوي ابرز فوائد التحليل السياسي وهي:-
1.حصر الازمات المتفاعلة ومعالجتها وتحقيق عنصر الوقاية الشاملة في الواقع السياسي موضوع الازمة.
2.تكوين قاعدة بيانات منظمة تعتمد في اقسمها معلومات دقيقة تتعلق بالأحداث موضوع التحليل وتربطه بالوقائع التاريخية وتحدد طرق معالجتها التطبيقية مما يتيح هذه المعلومات في كل وقت وخصوصا عند ظهور احداث وأزمات مماثلة.
3.البعد عن الأحكام المطلقة، والبحث في كافة الاحتمالات الممكنة، ودرجة القوة في هذه الاحتمالات ومدى تأثيرها، ومن ثم ترك المجال لتعدد وجهات النظر وقبول الرأى الأخر.
4.معالجة القضايا والمواقف بشكل أكثر وعياً وعمقاً، والبعد عن المعالجة العاطفية أو التي لا تستند إلي أدلة واضحة يمكن أن يقبل بها الطرف الأخر.
5.عدم الوقوف عند رأى واحد وإغلاق الباب أمام آراء الآخرين حتى وإن كانت أكثر قناعة أو موضوعية، وبالتالي القدرة علي مناقشة الآراء وتفنيدها، ومراجعة النفس إن وجدت الصواب أكثر في رأى غيرها، والتعود علي احترام الرأى الآخر.
6.المشاركة في صناعة القرار السياسي المتعلق برسم السياسات.
7.المشاركة في تكوين رأي عام بخصوص قضية معينة.
8.التحدث للرأي العام والتوعية عند الازمات المتفاعلة والخطيرة.
9. طرح منظومات بحث متعددة مقتدرة ذات خبرة في معالجة الاحداث وتحليلها .
اذا فالتحليل السياسي يمثل الوقاية من الازمات ويمنع تفاقمها كونه يحدد اسبابها وسبل علاجها، وفي الدول المتقدمة هناك مراكز شهيرة لتحليل السياسات والقضايا الاستراتيجية مثل مركز "ستراتفرد" و" العلاقات الخارجية" ومجلة "الايكونومست" ومجلة "فورين بوليسي" وغيرها، وهي تقدم تحليلات اثبتت انها الاقرب للواقع، اما المؤسسات التي تفرض على المحللين تبني تفسير معين يتناسب مع وجهات نظرها تجاه القضايا الراهنة هي بالفعل مثل المريض الذي يفرض علي الطبيب نوعية العلاج المطلوب وحتى الاعلان عن نوعية المرض، لذلك فان التحليل السياسي يعد احد اهم العناصر المطلوبة في البلدان التي تعاني من الازمات، وهو ليس ترفا اكاديميا كما يتم تصويره.