التقارب والتنافر بين السلطة والمجتمع المدني
عادل الصويري
2018-04-22 07:03
هل يجب أن تبقى المفاهيم أسيرة سياقاتها التاريخية؟ مالذي يمنع من قراءتها وفق الحياة المعاصرة؟ هذه الأسئلة تعود للتداول بين فترة وأخرى، خصوصاً في المجتمعات التي تعاني من إشكالية التنافر بين السلطة والمجتمع المدني. فهناك فهم سائد يذهب إلى أن ثنائية السلطة والمجتمع المدني تمثل قطبين متنافرين. وهذا التنافر ليس على مستوى المفاهيم فقط، بل حتى على مستوى الحياة الواقعية لدرجة الاعتقاد بأن قوة السلطة تضعف المجتمع المدني وبالعكس؛ لأن المجتمع المدني بحسب بعض طروحات الليبراليين يمثل أعلى درجات المثالية. لكن هناك آراء وقفت بالضد من هذا الفهم للتنافر بين المفهومين ترى أن المجتمع المدني يمكن أن يكون من تقنيات النجاح للسلطة كما يذهب (ميشيل فوكو).
لقد اراد (فوكو) من خلال نقده الطرح الليبرالي الخاص بإشكالية العلاقة هذه ان يوضح جوهر المشكلات المتعلقة بتعريف المجتمع المدني كمفهوم.
رؤية إسلامية معاصرة
يمكن صياغة تعريف محدد للمجتمع المدني وفق الخصوصية الحضارية للمجتمعات، على أن لا يتم فرضها وتعميمها على الآخرين أصحاب الحضارات المختلفة. فبمجرد القضاء على إشكالية التناقض بين الخصوصية المجتمعية وسلوك الأفراد؛ يمكن ــ حينئذ ــ الوصول لمفهوم المجتمع المدني غير المتعارض مع السلطة في حال لم تترفع السلطة على المجتمع المدني كقيمة. هذا التناقض هو العقبة الحقيقية، والعصا التي توضع في دواليب فه المجتمع المدني، وبالتالي استمرار فكرة تنافره مع السلطة.
لابد من تعزيز ثقة الفرد بقيمته وحريته؛ ليؤمن بأنه غير مُتَسلَّط عليه، وبذلك سيكون لنا مجتمعنا المدني الذي يعزز من قيم المواطنة، وجعلها في المقام الأول مع الاحتفاظ بالعناوين الدينية والمذهبية والعرقية، والتركيز على أهمية النظر لتنوع هذه العناوين على أنه تنوع ثقافي ومعرفي يعزز التعايش وتبادل الثقافات بين أفراد الأمة، وتخليص العقل من الشوائب الماضوية.
العلاقة التكاملية
وبعد أن عرضنا الرؤية الكلاسيكية حول مفهوم المجتمع المدني وطبيعة علاقته المتنافرة مع السلطة؛ لابد من عرض وجهة النظر القائلة بتكاملية العلاقة بين الطرفين، ونعتقد أن المهيمن الرئيس لشكل العلاقة هو الدولة بحد ذاتها، حيث أن قيامها على نظام مؤسسي، في حال كانت المؤسسات المعنية بالمجتمع المدني داعمة لتوجهات الدولة. وليس صحيحاً اعتبار المنظمات المعنية بالمجتمع المدني مصدر معارضة للسلطة على طول الخط، خصوصاً في عالمنا اليوم، والذي شهد عديد التحولات التي أفرزت زوال الكثير من الأنظمة الشمولية التي غيبت مجتمعاتها عن دورها، مايعني أن الفرصة أصبحت في متناول اليد لتحقيق تكاملية العلاقة ، وهو مايلزم أن تكون المنظمات واعية لمسؤوليتها ودورها الإصلاحي في تعزيز مبادىء حقوق الإنسان، والتنمية البشرية، ونبذ العنف والتطرف بكل صورهما، وقبول الآخر والتعاطي معه من دون عقد، فضلاً عن المساهمة في صياغة السياسات العامة للدولة بالتعاون مع مؤسسات الحكومة ، وهذا لن يحصل مالم ينل ممثلوا المنظمات المدنية ثقة الجماهير.
السيد مرتضى الشيرازي وتعدد المؤسسات
كلما تم الاهتمام بتطور المؤسسات المدنية وادائها وفق السياقات العلمية المعاصرة؛ كلما كانت فرص تطوير الأفكار لأفراد المجتمع أعلى، وبذلك نضمن مجتمعاً مدنياً قائماً على أسس صحيحة ورصينة، فنتمكن من صياغة علاقة ناضجة مع السلطة.
وتطور المؤسسات يلزم تعدداً في عناوين المؤسسات وأطر عملها بين الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وضمان الوصول لكافة الشرائح المجتمعية.
في هذا الصدد؛ يقول المفكر الإسلامي السيد (مرتضى الشيرازي) : "إن مؤسسات المجتمع المدني كلما تنوعت أولاً، وكلما ازدادت أكثر فأكثر ثانياً، وكلما تكرست وتجذرت ثالثاً؛ كانت قدرة الشعب والناس على التصدي للمؤامرات الخارجية، والاستبداد الداخلي أكثر"1
ووفق المنطلقات الإسلامية الإنسانية، يرى السيد (مرتضى الشيرازي) ان نواة المجتمع المدني تبدأ من العائلة التي يعتبرها من أهم مؤسسات المجتمع المدني، مروراً بالأماكن التي تترك آثارها على نفسيات الأفراد كالمساجد والحسينيات والجمعيات والاتحادات والنقابات والجامعات ومراكز البحوث والدراسات المعنية بخلق الوعي، وبقية التشكيلات الأخرى؛ لضمان الوصول إلى الهدف المنشود وهو صياغة مجتمع مدني حقيقي يقوم بمسؤولياته وواجباته تجاه أمته بحرفية. لكنه يشدد على ضرورة استقلالية هذه العناوين، وعدم خضوعها للحكومة ومتبنيات أحزابها إيديولوجياً؛ لأن ذلك سينسف من فرضية الاعتدال والوسطية اللذان يجب أن تقوم عليهما هذه العناوين. وعدم الخضوع لا يعني التقاطع مع السلطة بأي شكل من الأشكال، كما أن مراقبة العمل الحكومي وأداء الوزارات لاينبغي أن يكون انتقائياً وفق أمزجة شخصية، أو من أجل الضغط المدني للحصول لاعلى مكاسب سياسية وفئوية ضيقة كما يحدث في العراق وبعض البلدان.