الحشد هوية وطن
نـــــزار حيدر
2015-03-25 11:37
كلّما ترسّخت الهويّة الوطنيةّ عند العراقّيين، كلّما تقلّصت الهويّات الضيقّة التي يسعى الارهابيون لتوظيفها في هجمتِهم البربرية، يدعمُهم بذلك الاعلام الطّائفي والسّياسة الطّائفية لدول وجماعات وأفراد، والعكس هو الصّحيح، فكلّما ضعُفت هويّتهم الوطنيّة كلّما نمَت العنصريّة والطّائفية والتمييز المناطقي وغير ذلك.
ولهذا السّبب تؤكّد المرجعيّة الدّينيّة العليا، بمناسبةٍ وبغيرِ مناسبةٍ، على كلّ ما من شأنه ترسيخ الهويّة الوطنيّة التي ضعُفت بدرجةٍ كبيرةٍ في عهد نظام الطّاغية الذّليل صدام حسين بسبب سياساته العنصريّة والطائفيّة التي ظلّ يرسّخها في المجتمع العراقي على حساب الانتماء للوطن، فكانت ُتنتج ولاءات ضيّقة ومحدودة اضطّر لها المواطن رغماً عَنْهُ بعد ان ظلّ يفقد كلّ خصوصيّاته وامتيازاته الوطنيّة، ربما منها وعلى رأسها إسقاط الجنسيّة والذي يعني عدم الاعتراف بولادته على هذه الارض، كما حصل ذلك للملايين من العراقيّين من شريحة الكرد الفيليّين، او كما حصل لعدد من أعاظم شعراء العرب والعراق، منهم الشّاعر محمد مهدي الجواهري والبياتي وغيرهما الكثير.
ولقد فعلت اليوم خيراً مجموعة من العلماء الاعلام من الشّيعة والسّنة، عندما عقدوا في العاصمة الإيطالية روما [اللّقاء الاوّل لعلماء المسلمين] بمبادرة مشتركة من (دار العلم للامام الخوئي) و (جماعة علماء العراق) تمّ التأكيد في البيان الختامي للّقاء الذي دام ثلاثة ايام، على ضرورة ترسيخ الهويّة الوطنيّة في العراق لتجاوز كل انواع التمييز الذي ظلّت الأنظمة المتعاقبة تنتهجُه كثابتٍ سياسيٍّ لم يتغيّر منذُ تأسيس الدولة العراقية الحديثة مطلع القرن الماضي، وحتى سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام ٢٠٠٣ عندما سعى العراقيون لإلغاء هذا الثابت من خلال أدوات الديمقراطية، ليواجهوا الدّم كثمنٍ لهذا التغيير، وللاسف الشديد!.
اتمنّى ان تتكرّر هذه اللّقاءات وتستمرّ وتتّسع لتشمل علماء بقية الأديان والمذاهب في العراق، من جانب، ومختلف شرائح المجتمع من مثقّفين ومفكّرين وإعلامييّن وناشطين ومنظّمات مجتمع مدني واساتذة جامعات، ومن مختلف مكونات المجتمع كذلك، لان هذه الحركة الفكرية والثقافية المشتركة ستساهم بشكلٍ كبير ٍجداً في تجاوز كلّ الانتماءات الضّيقة التي يعتاش عليها الارهابيون، من جهة، وتكرّس الهويّة الوطنيّة التي ستقضي على كل انواع التّمييز من جانب ثان، وتساهم في بناء دولة القانون التي تعتمد المساواة في الحقوق والواجبات بين كلِّ المواطنين من دون تمييز، من جانب ثالث، وتحمي العراق من التمزّق والتفتّت والصّراعات الدّاخلية والازمات السياسيّة التي يعتاشُ على نتائجها المدمّرة السياسيّون الطائفيّون والعنصريّون والفاشلون، من جانب رابع.
انّ المواطن في ايّ بلدٍ في العالم لا يشعر بمواطنيّته اذا تمّ التعامل معه على أساس انتمائهِ الديني او المذهبي او المناطقي او الاثني، فيتم تقسيم المواطنين الى درجات! لانّ كلّ هذه الهويات منفصلة تضيقُ بالمجتمع، وتسحق حقوق الانسان، وتبقى الهويّة الوطنيّة دائماً هي الهويّة الوحيدة التي تستوعب الجميع.
ولذلك، فعندما أكّدت المرجعيّة الدينيّة العليا، أكثر من مرّة، على وجوب ان لا يرفع الحشد الشّعبي المبارك، وبقية ابناء القوات المسلّحة، غير علم العراق في كلّ جبهات القتال ضد الارهاب، فانّما من اجل ان يظلّ هذا الحشد العظيم، عراقيّ الهوية والهوى والولاء وكلّ شيء ليستوعب المقاتلين من مكونات المجتمع العراقي بلا تمييز، كونه حشداً لتحرير العراق، كلّ العراق، والعراقُ للجميع وانتصاراته للجميع ونتائج المعركة للجميع.
بناءً على هذه الحقيقة، رأينا كيف انّ المواطن الّذي يغلّب هويّته الوطنيّة على الهويّات الضيقة الاخرى وقف مع الحشد، بغضّ النظر عن دينهِ ومذهبهِ واثنيّتهِ ومناطقيّتهِ، امّا المواطن الذي يغلّب هذه العناوين على الهويّة الوطنيّة فلقد رأيناه كيف يطعن بهويّة الحشد ويتمنى لو انّه لا يحقّق انتصاراً يُذكر على الارهاب، كذلك بغضّ النّظر عن خلفيّته وانتمائه.
ان الالتزام بتوجيهات المرجعيّة الدينيّة العليا ستخلق من الحشد الشعبي هويةَ وطن تؤسّس لعراقٍ جديدٍ يتجاوز كلّ المسمّيات الضيّقة والهويّات المحدودة في بلدٍ يفتخر منذ القدم بتعدّديته وتنوّعه في كلّ شيء، الأديان والمذاهب والفرق والجغرافية والحضارات وكل شيء، وسيفشل فشلاً ذريعاً كلّ من يحاول تقسيم العراقيين الى درجات، فكلّ مواطن عراقي هو من الدرجة الاولى حصراً، فلقد ولّى زمن التّمييز، وانّ عقارب الزّمن العراقي لن تعودَ الى الوراءِ، عندما يكتب التّاريخ الجديد أبطال الحشد الشّعبي.
إمْرَأً مَاتَ أَسَفاً
كان ذلك في خلافة امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام، عندما كان جندُ الطّاغية معاوية بن هند آكلة الأكباد، لعنهُ الله، يشنّون الغارات المسلحة على أطراف دولة الامام، خاصة في الأنبار، فخطب قائلاً؛
وَهذَا أَخُو غَامِد قَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الاْنْبَارَ، وَقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ البَكْرِيَّ، وَأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا، وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ، وَالاْخْرَى المُعَاهَدَةِ، فيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلْبَهَا وَقَلاَئِدَهَا، وَرِعَاثَهَا، ما تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلاَّ بِالاسْتِرْجَاعِ وَالاِسْتِرْحَامِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ، مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ، وَلاَ أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ، فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِن بَعْدِ هَذا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً، بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً.
فَيَا عَجَباً! عَجَباًـ وَاللهِ ـ يُمِيتُ القَلْبَ وَيَجْلِبُ الهَمَّ مِن اجْتَِماعِ هؤُلاَءِ القَوْمِ عَلَى بَاطِلِهمْ، وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ! فَقُبْحاً لَكُمْ!.
ويتكرّر المشهد مرّة اخرى ولكن بطريق اخرى، فأبناء القوم، الارهابيون، يشنّون علينا اليوم غاراتهم الإعلامية ويغزونا بأكاذيبهم ودعاياتهم السوداء، ونحن نتنافس على نشرها بكلّ الطرق من دون تريّث او انتباه او تمنّع كالمستسلم للموت، لا يعي ولا يفهم ولا هم يحزنون.
ولو انّ امير المؤمنين (ع) بُعِثَ اليوم من جديد واطّلع على حالنا لما زاد على هذا الخطاب شيئا، ولخَتمهُ بنفس العبارة؛ {فَقُبْحاً لَكُمْ}!.
انّ قوّاتنا المسلحة البطلة ومعها الحشد الشعبي المجاهد المخلص، يضحّون بالغالي والنّفيس لحماية الدين والوطن والعِرض والنّاموس والاخلاق وكل شيء، ونحن مشغولون بنشر اكاذيب الارهابيين وفبركاتهم، وكأنّنا نعيش في عالمٍ آخر، لا نهتم بمعنويّات المجاهدين ولا نعير دماءهم ايّة حرمة او قيمة، لماذا؟!.
الا نعلم انّ الدعاية السوداء هي جزءٌ لا يتجزأ من الحرب النفسيّة التي يشنها الارهابيون ضدنا؟ الا نعلم بان خبراً كاذباً يمكن ان يحطّم معنويات المقاتلين ويدمر نفسيّاتهم أضعاف ما تخلفّه عملية تفجير سيّارة مفخّخة يفجّرها الارهابيون في سوق مزدحمةٍ او مسجدٍ او مدرسةٍ؟ الا نعلم بانّ المقاتل في سبيل الله تعالى يُقاتل العدو بمعنويّاته وايمانه وروحيّته العالية قبل ان يقاتل بسلاحه؟ الا نعلم بانّ السلاح المعنوي في المعركة اهم واخطر من السلاح المادّي؟ فلماذا، اذن، نتسابق على نشر الاكاذيب والدعايات الإرهابية بلاأُيالية عجيبة وغريبة؟!.
دعوني هنا اتحدّثَ بصراحة؛
فان من يتسابق على نشر الاكاذيب والدعايات الإرهابية هم (الشيعة) فقط، فانا شخصيا لم استلم لحدّ الان كذبة لا من (سنّي) ولا من (مسيحي) ولا من (كردي) ولا من (تركماني) ولا من (ايزيدي) او (شبكي) فكلّ ما يصلني من اكاذيب وخزعبلات وفبركات هي من (الشيعة) حصراً، يمرّرها لهم الارهابيون بأسماء ومسميات وعناوين يسيل لها اللّعاب وتُدغدغ العواطف.
هذا يعني أنهم المستهدفون بهذه الدعاية السوداء حصراً واولاً واخيراً والتي يصنعها الارهابيون ويمرّرونها لهم ليتسابقوا على نشرها معتمدين على بساطتهم في التفكير وسذاجتهم في فهم الامور، وكذلك معتمدين على تفرقهم وتشتتهم.
مساكين انتم أيها (الشيعة) لا ادري متى ستتعلمون من التجربة؟ كم من الوقت والزمن تحتاجون لتعلمكم التجربة فَنِّ الحياة؟!.
الى متى تبقون الظّهر المركوب والضّرع المحلوب لهؤلاء الارهابيّين الذين اثبتوا فناً منقطع النّظير في توظيف ضحاياهم لنشر أكاذيبهم!.
رحمةً بعقولكم أيها البسطاء! لا تنشروا الاكاذيب، فليس فخراً ان تسبق الاخرين في نشر كل ما يصلك، انّما الفخر كلّ الفخر في ان توقف الاكاذيب عندك لتمنع من نشرها، ففي ذلك ثوابٌ عظيمٌ لو كنّا نعلم.