موازنة 2015 وقضم الدينار العراقي

دراسة في الأسباب والتداعيات

د. حيدر حسين آل طعمة

2015-03-24 11:50

شهد الدينار العراقي انخفاضا مفاجئا في سعره مقابل الدولار عما كان عليه قبل إقرار الموازنة العامة للدولة في 29 كانون الثاني. وحذر عدد من الخبراء والمختصين في الشأن المالي والاقتصادي من استمرار انخفاض سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي وتأثيره على الوضع الاقتصادي في البلد، داعين البنك المركزي إلى اتخاذ إجراءات سريعة وحلول ناجعة في سبيل استقرار سعر صرف الدينار لإنقاذ الاقتصاد الوطني.

وقد شهدت الأسواق المحلية مؤخراً ركوداً وتقلباً اقتصادياً خطيراً، تزامن مع الموازنة التقشفية للعام 2015 بسبب تدهور أسعار النفط، وزاد الارتفاع المستمر في سعر صرف الدولار الأوضاع الاقتصادية في البلد سوءا. وعبر المواطنون عن سخطهم واستيائهم إزاء تقلبات العملة، مؤكدين أن هذا التذبذب ألقى بظلاله على استقرار الأسواق المحلية وعلى مستوى المعيشة لمعظم فئات الشعب، فضلا على إتاحة الفرصة للتجار والمضاربين للتلاعب بالأسعار بشكل غير مبرر.

كما أثار استمرار تدهور قيمة الدينار أمام الدولار دهشة وتساؤل الكثير من المختصين وغير المختصين حول مدى نجاعة السياسة النقدية الجديدة في البلد، لكون التدهور المذكور يدور في فلك سياسات البنك المركزي، وهي سياسات تحوم حول محورين، الأول السعر الذي يباع به الدولار مقابل الدينار، والثاني يتمثل بالكمية المباعة من هذا الدولار، والبنك المركزي هو المسؤول المباشر في تحديدهما، لكن هكذا أمر فيه تفصيل بحاجة إلى توضيح.

الأصل -لو توخينا الدقة- إن الجمهور هو الذي يقوم بتحديد طلبات السوق اليومية من الدولار، فيما يمارس البنك المركزي دور توفير هذه الطلبات وبما ينعكس على تحديد الأسعار. ولو قام البنك المركزي بتوفير كل الكميات حسب آلية السوق، فإنه سيحافظ على أسعار مستقرة، في حين إنه لو باع كمية أقل مما هو مطلوب، فإن النتيجة هي نقص عرض الدولار، مما يقود إلى توليد سوق موازٍ لبيع الدولار، بمعنى أن الدولار يصبح له سعران، الأول رسمي يتحدد من قبل البنك المركزي، والآخر موازٍ له يبتعد عن هذا السعر بمقدار الطلب غير الملبى، ويتحدد بفعل قوى العرض والطلب.

وفي السابق، كان هناك فرق بين السعرين: السعر الرسمي وسعر السوق، لكن هذا الفرق كان ضمن المعايير المقبولة عالميا، بحدود الـ ـ2%، في حين إن الفرق الحالي هو بحدود الـ 7% - 8% وهو فرق كبير يعني أننا أصبحنا إزاء سعرين، السعر الرسمي وسعر السوق السوداء. فقد ارتفع سعر صرف الدولار خلال الأيام الماضية بصورة تدريجية ليصل إلى 1290 ديناراً، في أعلى معدل له منذ سنوات.

ومما زاد الأمر سوءا، أن قانون الموازنة العامة 2015، قد ألزم البنك المركزي العراقي، في فقرته الـ50، بتحديد مبيعاته من العملة الأجنبية (الدولار) في المزاد اليومي بسقف لا يتجاوز 75 مليون دينار، مع توخي العدالة في البيع، ومطالبة المصرف المشارك في المزاد بتقديم مستندات إدخال البضائع وبيانات التحاسب الضريبي والادخار الكمركي خلال 30 يوماً من تاريخ شرائه للمبلغ، وخلافه تطبق عليه العقوبات المنصوص عليها في قانون البنك المركزي أو التعليمات الصادرة منه، واستخدام الأدوات المصرفية الأخرى للحفاظ على قوة الدينار مقابل الدولار.

في هذا السياق، يشار إلى أن مبيعات العملة الأجنبية في النصف الأول من عام 2014 من نافذة البنك المركزي قد بلغت تقريبا 25 مليار دولار، حسب البيانات المنشورة في موقع البنك، وللعام بأكمله قياسا على نصفه الأول تقدر المبيعات 50 مليار دولار. وقد حدد قانون الموازنة سقف المبيعات 75 مليون دولار في اليوم، وعند تنفيذ هذه المادة حرفيا، آخذين بالاعتبار أيام العمل وهي دون 250 يوم في السنة، فإن سقف المبيعات السنوية بموجب القانون، قد لا يتجاوز 18 مليار دولار، وبذلك تكون مبيعات النافذة أقل من نصف الطلب المقدر لعام 2015. إن تقليص مبيعات النافذة لا يعني خفض الطلب على العملة الأجنبية، بل تقييد العرض من المصدر الحكومي. وسوف نواجه تناقضا واضحاً بين سعر الصرف المحدد رسميا ومقدار المبيعات الذي قرره قانون الموازنة سلفا.

في سياق متصل، نفى مستشار رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية والخبير الاقتصادي العراقي الدكتور مظهر محمد صالح، ما صرح به بعض المسؤولين والذين أشاروا إلى أن إجراءات البنك المركزي هي السبب بارتفاع أسعار الدولار مقابل الدينار، مؤكدا أن إجراءات البنك المركزي بالأساس هي إجراءات تحصينية لعملية بيع العملة، وأنها تهدف لعدم تبذير العملة في الوقت الراهن، خاصة وأن العراق يعاني من ضائقة مالية كبيرة.

وقال صالح -في حديث للجزيرة نت- إن ارتفاع سعر الدولار جاء على خلفية انخفاض أسعار النفط في السوق العالمية للنفط، وإن أغلب واردات العراق المالية تأتي من النفط، كما أن العملة الصعبة تأتي مع إيرادات النفط، موضحا أن وزارة المالية تحول نصف إيرادات النفط إلى دولار كاحتياطي لها ولمواجهة الأزمات.

وأضاف صالح أن العراق لا يملك موردا اقتصاديا غير النفط يحصل على الدولار من خلاله، كونه لا يصدر بضائع ومواد وسلع إلى خارج العراق، ولا يجني من السياحة الدينية أو السياحة العامة العملة الصعبة لعدم الاهتمام بها، ولم يطبق الجمارك على السلع المستوردة بصورة صحيحة.

وأكد أن إجراءات البنك المركزي الجديدة جاءت لتحصين عملية بيع الدولار وليس إيقاف مزاد العملة نهائيا، مشيرا إلى أن الدينار العراقي مغطى تماما بالعملة الأجنبية، ولا توجد مخاوف من ضعف احتياطي العراق من العملة الصعبة على الأقل في المستقبل المنظور.

يذكر أن البنك المركزي العراقي، قد أعلن في (الـ18 من كانون الثاني 2015)، أن الاحتياط المالي للعراق يعادل مرة ونصف ضعف الكتلة النقدية، عاداً أنها "أفضل المعدلات" في دول العالم. وفيما أكد أن المؤسسات المالية العراقية "غير قادرة" على تغطية العجز المالي، شدد على ضرورة إعادة النظر في هيكلية الموازنة والإنفاق وتنويع مصادر الدخل وتحقيق الاستثمار بشكل أوسع لمعالجة انخفاض أسعار النفط.

* باحث مشارك في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية
www.fcdrs.com

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي