نتانياهو– هيرتسوغ: لُغتان ورؤية واحدة!
د. عادل محمد عايش الأسطل
2015-03-15 11:36
أظهرت كل الاستطلاعات التي قامت بإجرائها مؤسسات إسرائيلية مختلفة، أن الفجوة بين المتنافسين الرئيسين، الليكود بزعامة رئيس الحكومة "بنيامين نتانياهو"، والمعسكر الصهيوني بزعامة "إسحق هيرتسوغ" تصل من 3 إلى 4 مقاعد لصالح المعسكر الصهيوني، ما يعني بأنها من الدلائل التي تشير إلى تغيير في صورة الحكم في إسرائيل، والتي أدّت إلى ارتياح جهات داخلية وخارجية أيضاً، أملاً في غسل ستة أعوام متتالية من حكم "نتانياهو" باعتبارها جلبت على إسرائيل العديد من المشكلات، وسواء باتجاه الفلسطينيين أو المجتمع الأوروبي، والأهم تلك التطورات السيئة والغير مسبوقة بالنسبة للعلاقات مع الولايات المتحدة.
لكن وبرغم الفجوة للمعسكر الصهيوني، فلا تزال مهمة تشكيل حكومة برئاسته غاية في التعقيد، أي أن هناك احتمالاً كبيراً، أن تقع مهمة تشكل الحكومة على "نتانياهو" في نهاية المطاف، ليس بسبب هذا التفوق الضعيف فقط، بل بسبب أن "نتانياهو" لا يزال المرشح المفضل لرئاسة الوزراء، لدي الإسرائيليين، بناءً على استطلاعات، أشارت إلى تحقيق نسبة 43% مقابل 37% فقط صوتوا لصالح "هيرتسوغ"، والتي ترجع إلى عوامل مهمة، ومنها أن الفجوة الحاصلة لم تأتِ على حساب التغيّر في المزاج الإسرائيلي نحو قضايا مصيرية داخلية وخارجية، بقدر ما كانت منبثقة عن اتحاد حزب "العمل" وحزب الحركة بزعامة "تسيبي ليفني"، والذي تم بناءه في المقام الأول لإسقاط حزب الليكود، و"نتانياهو" تحديداً، وإن بحجة سوء سياسته وفساده في الأرض.
كما أن ضعف اليسار بشكلٍ عام باتجاه اتخاذ قرار، وقلّة الخبرة السياسية، لدى "هيرتسوغ" بخاصة، برغم أنه ملأ حافظته بمحاذير ضد أيّة تنازلات باتجاه الفلسطينيين، لكن كونه لم يُكمل العام الواحد، على رئاسته لحزب العمل، وكل ما لديه هو أنه نجل رئيس الدولة الأسبق "حاييم هرتسوغ"، وحفيد الحاخام السابق لإسرائيل، والذي سُمّي على اسمه، ولديه عدة ملايين من الشواكل والدولارات، في مقابل أن أحزاب اليمين مجتمعة تتفوق في مجموع المقاعد والتي يمكنها متابعة مسيرة الدولة بشكلٍ أفضل، في ضوء علم الجمهور الإسرائيلي، بأن "نتانياهو" لن يجلس في حكومة وحدة وطنية مع "هرتسوغ وليفني"، لكن كل ذلك لا يقضي على المرار الذي يملأ بطن "نتانياهو" وجوفه، سيما وأنه جاء تراكمياً، بداية من شعوره، بأن الأرض تُسلَب من تحت قدميه، بعد أن نجح "هرتسوغ" في صنع تحالف مع شركائه العرب والحاريديين المتشددين داخل الكنيست، وقادهم ضدّ تشريعات حكومته المتطرّفة، وهو يرى نفسه الآن في المصيدة وقاب قوسين في شأن إقراره بالهزيمة أمام منافسه الصغير، ويزيد الطين بِلّة، هو رؤيته لجموع منتخبي حزبه السابقين، الذين قرروا أن يمنحوا أصواتهم للأحزاب المنافسة، نتيجة خلافات وانشقاقات داخلية، ومروراً بدرجة تأذّيه من الحملات اليسارية المضادة منذ الإعلان الأول للمعسكر الصهيوني لإسقاطه، وانتهاءً بتكثيف الإعلام اليساري ضد التجديد له، وذلك بالتركيز على مساوئ داخلية متعلقة بالاقتصاد، وخارجية متعلقة بوثائق سرية تشير إلى تقديمه تنازلات وُصفت بـالخطيرة لصالح الفلسطينيين، حيث ناشدت الصحف الإسرائيلية اليسارية، وعلى رأسها، يديعوت أحرونوت وهاآرتس، الإسرائيليين صراحةً، على التصويت لصالح "هيرتسوغ" الذي يمكنه وقف تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية في إسرائيل.
لكن وبالمقابل، فإن "هيرتسوغ" يُقر أيضاً بأن التدهور الحاصل في رصيد "نتانياهو" الانتخابي، لم يكن كافياً أمامه لنوال ما يرغب به باتجاه الحكم، بسبب علمه بأن معسكره لا يتقوّى على حساب "نتانياهو"، بل يفقد الدعم لصالح أحزاب أخرى، ويُقر أيضاً بأن الفجوة مع الليكود لا تزال ضعيفة، ولا تمكنه من تجاوز دائرة الخطر، بسبب تأثير الحملة المضادة والتي تؤكّد على تآكل الدولة في حال فوز اليسار بسلطة الحكم، حيث اضطر للمناداة في أرجاء إسرائيل بضرورة توسيع تلك الفجوة، كي يستطيع تلاشي أيّة أفشال محتملة، وسواء في شأن تشكيل الحكومة أو حتى فيما بعد تشكيلها، حيث ستبرز الصعوبة في تشكيلها، بسبب مشقة الجمع بين الأحزاب المتناقضة والتي تبدي استعدادها للدخول في الائتلاف- بشروطها- وهي ستكون متناقضة، مثل حزب شاس (الديني) الذي يتشابه مع اليمين ويرغب في رؤيته يسيطر على الحكم، أو حزب هناك مستقبل (العلماني) الذي يبذُل الغالي والرخيص في سبيل إقصاء "نتانياهو" عن الحكم، كما ليس هناك ما يضمن بقاء الحكومة لمدة طويلة في الحكم، إذ يمكن إسقاطها بحجب الثقة عنها، عند أول اختبار لها في الحكم، إضافةً إلى أنها ستلاقي صعوبة في شأن تمرير أية تشريعات داخلية، أو اتفاقات خارجية، بسبب أن المقاعد التي سيحوزها، لن تكون كافية للاستمرار في الحكم، ولن تُنجيه من السقوط.
على أي حال، فإن "هيرتسوغ" مقارنة بـ"نتانياهو" بالنسبة إلى الإسرائيليين، لا يُعتبر الشخص الملائم لتولّي منصب رئيس الحكومة، بسبب خشيتهم من أن يخضع لتقديم تنازلات خلال أيّة مفاوضات سياسية مقبلة، وأمّا بالنسبة لنا كفلسطينيين، فإن "هيرتسوغ" وإن كان لدينا ملائماً، فإنه سيُرغمنا على وقف خطواتنا والاستماع إليه من جديد.