رحلة البحث عن بيت للإيجار
اسعد عبد الله عبد علي
2017-04-04 05:00
عاد الحاج أبو فاطمة متعبا، بعد أن تنقل كثيرا بين أحياء بغداد في بحثه عن بيت للإيجار، حيث هدده صاحب البيت لنهاية الشهر أن يترك البيت أو يزيد مبلغ الإيجار الشهري، لكن الحاج أبو فاطمة مجرد موظف درجة سادسة بالكاد راتبه يسد حاجات عائلته الشهرية، فمن أين يأتي بزيادة مبلغ الإيجار الشهري، اننا في بلد تغيب عنه القوانين ويصبح الناس تحت ضغط لا يرحم فالعدل مات والقانون اغتيل وقيم الإنسانية من حكايات الماضي، تشوه كل شيء بفعل النظام السياسي الفاسد الذي عمد لتخريب حتى القيم الإنسانية.
قضية بيت السكن من أكبر القضايا التي تلاحق الإنسان العراقي، نتيجة فشل كل أحزاب السلطة في معالجة المشكلة، بل تجاهلوها عن عمد، بغية أن يغرق الشعب العراقي بالمشاكل والهم والقلق المزمن.
● لا اشعر انه وطني
الحديث مؤلم عن السكن، فهو الباعث للطمأنينة والاستقرار فكيف اذا غاب عن الإنسان وعاش طيلة عمره تحت رحمة الإيجارات، انها حياة بائسة تلك التي يعيشها المواطن المؤجر، من دون أي بارقة أمل قريبة.
كان يحمل كيسا من الخضار عائدا به نحو عائلته، فقررت أن اسأله، عن الوطن والوطنية، فقال المواطن إسماعيل محمد زاير: ورثت عن جدي وعن أبي قضية الإيجار، فها أنا منذ طفولتي وأنا أتنقل بين بيوت الإيجار، ضاع العمر وذبلت سنواته، وأنا احلم في البيت الملك، الكثير من أهل السوء ممن كان بالأمس أتباع لحزب البعث، واليوم تغلغلوا في أحزاب السلطة، هم فقط من يملكون أجمل البيوت، ونحن بالأمس تحت ضغط زمرة حزب البعث واليوم تحت ضغط الأحزاب، وبعد كل هذا كيف يمكن أن تتصور قضية الإحساس بالوطنية، أنا لا اشعر به وطني، أن وطني يعطي للأراذل ويبخل بحق الشرفاء.
● حلف الأحزاب سرقنا
فئات كبيرة من الشعب تعتبر ما يحصل انما هو جريمة، قامت بها أحزاب السلطة في ليلة مظلمة، فنهبت أموال البلد لتضيع على العراقيين أحلامهم بالعيش الأمن الهادئ، فموازنات خرافية تم التهمها من قبل أحزاب السلطة لترحل الايام وتبقى بعدها خيبة أمل العراقيين بسلطة خذلتها إلف مرة.
كان متعبا وهو يجلس في المقهى وبيده صحيفة يقرا في صفحة الأبراج، وهو يضحك من الأبراج التي تبشره بقرب السعادة، سألته عن الإيجار والوطن واللصوص، فقال المواطن صادق صبيح (45 عاما) : كنا نحسب انه بعد زوال حزب صدام، ان الحياة ستبتسم لنا، وأننا في العراق الجديد سيكون لنا بيتا ملك خاص، وان زمن الإيجارات انتهى الى غير رجعة، لكن خيب أملنا أحزاب السلطة، فكما كان الأحزاب عدوا للمؤمنين الان أحزاب السلطة أقامت حلف بينها لتقاسم الكعكة من دون الشعب، بحيث تسعد وتبتهج بالأموال أما الشعب فإلى الجحيم، الان أنا مؤجر واعمل كعامل بناء كما كنت في زمن الطاغية بل الان الضغوط اكبر، مع الأسف أن يكون العراق فريسة بجمع من أحزاب لا تملك ضمير ولا وازع يمنعها من سرقة أموال العراق، أنا عن نفسي هجرت الأحلام ولم اعد أفكر بان املك بيتا في وطني، فقط أفكر كيف أن استمر بالعيش، وادعوا الله يوميا أن يفضح حلف الأحزاب الكافر.
● أزمة السكن ليست مشكلة مستحيلة
قيل قديما "كل مشكلة ولها حل"، لكن ساسة العراق عمدوا الى عدم حل أي مشكلة، لأنهم اكتشفوا سرا خطيرا، ومفاده أن دوام سطوتهم على كرسي الحكم يكون عبر دوام المشاكل والأزمات، بنهج يشابه نهج الطاغية صدام، مما جعل تدور في حلقة الهم الدائم ومنغصات العيش الأزلية، غياب السكن والخدمات.
التقينا بالحاج عجيل وهو يدخن سيكارة الهم، جالسا في باب بيته الواقع في حي طارق (خلف السدة)، فقال: ثلاثون عاما يا بني ونحن نعيش في بيوت الإيجار، بالتحديد منذ عام 1987 حيث قررت أن اترك بيت العائلة واستأجر بيت خاص بي، وكنت احسب أن أيام الإيجار قليلة، كم كنت ساذجا، عندما كنت اصدق الأحلام، أحيانا أفكر وأقول أن ازمة السكن من الممكن حلها لو تواجدت حكومة شريفة أو أحزاب شريفة، والحلول سهلة جدا، لكن مع استمرار تواجد هذه الفئة من أناس منزوعة الضمير وحوش بثوب انساني، فأي حلم لن يتحقق، وأيام الظلم ستستمر بالبزوغ.
● ختام الرحلة
أزمة السكن أحالت حياة العراقيين لمحنة يومية وهم أزلي، وعمدت كل الحكومات منذ عهد صدام والى يومنا هذا الى إهمال المشكلة بل كان هنالك جهد خفي لديمومة المشكلة، فمن خلال استمرار أزمة السكن يستمر السيطرة على السكن عبر إذلاله بطريق سلب حقوقه.
انه جبل شاهق من التشاؤم، نتمنى أن يزول، بعزيمة شعب جبار يسعى للخلاص من أسباب محنته، ونحن في انتظار ذلك اليوم.