يهود اوربا والابتزاز الاسرائيلي

باسم حسين الزيدي

2015-02-19 01:36

لم تكن دعوات رئيس الوزراء الاسرائيلي ليهود اوربا بالهجرة الى "ارض الميعاد" هي الاولى من نوعها، ولن تكون الاخيرة بطبيعة الحال، فقد سبقتها دعوات مماثلة في الماضي، الا ان الملاحظ في الدعوات الاخيرة، انها كانت معبرة بوضوح عن ابتزازا كبير لاوربا، كأنظمة سياسية، وكمجتمعات متسامحة فيما بينها، اضافة الى ابتزاز القيم والعادات التي اعتمدتها اوربا الموحدة بعد مرور اكثر من 70 عاما من استهداف النازيين ليهود اوربا خلال الحرب العالمية الثانية، وحاول "نتنياهو" تذكير اليهود بأعدائهم الوهميين (معاداة السامية)، او اضافة اعداء جدد (الارهاب الاسلامي المتطرف) الى قائمة المعادين ليهود العالم، مضيفا بان اليهود يستحقون "الحماية في كل بلد لكننا نقول لليهود، لإخوتنا وأخواتنا، إسرائيل وطنكم، نستعد وندعو إلى استيعاب هجرة جماعية من أوروبا"، وجاءت حماسة الحكومة الاسرائيلية بعد موجة من الاعتداءات طالت عدد من الدول الاوربية (الدنمارك، فرنسا، بلجيكا، اضافة الى اوكرانيا التي تعاني من اضطرابات سياسية وامنية)، وشملت الهجمات معابد ومحال وقبور خاصه باليهود، راح ضحيتها عدد من يهود اوربا.

ورد اغلب قادة اوربا الدعوات الاسرائيلية المستغلة لازمة اوربا ضد الارهاب، باستهجان هذه التصريحات التي اتت في وقت تعاني فيه اوربا العديد من الجراح (الاجتماعية والامنية والاقتصادية) وتحاول عبور هذا المنعطف بتماسك وثبات، فقد قال الرئيس فرنسوا هولاند "لن أقبل بتصريحات تصدر في اسرائيل تبعث على الاعتقاد بأن اليهود لم تعد لهم مكانتهم في اوروبا وعلى الأخص في فرنسا"، وقال رئيس الوزراء الفرنسي "مانوييل فالس"، "فرنسا جريحة مثلكم، ولا تريد رحيلكم"، وأضاف، "لا يجوز ان تسمح حملة الانتخابات الإسرائيلية بالتفوه بأي تصريح مماثل"، فيما أكدت رئيسة وزراء الدنمارك "هيلي شميث" أن "الهجوم الذي وقع في كوبنهاغن سيزيد أواصر التعاضد بين أفراد المجتمع الدنماركي، ودعت الى رفض يهود الدنمارك لدعوات اسرائيل بالقول "لن نكون كما نحن من دون الطائفة اليهودية"، ان الطائفة اليهودية تعيش في الدنمارك منذ قرون عدة فهي في مكانها هنا كما انها جزء من هذا المجتمع"، كما عبرت المستشارة الألمانية "انغيلا مركل" عن امتنانها لوجود طائفة يهودية على الاراضي الالمانية كرد ضمني على دعوات نتنياهو، حتى ان العديد من المنظمات والمواطنين اليهود داخل اوربا رفضوا هذه الدعوات للهجرة الى دولة اسرائيل، يذكر ان العلاقات الاوربية-الاسرائيلية، قد تعرضت لفتور، في الآونة الاخيرة بشكل واضح، اثر القرارات الاوربية التي مهدت الطريق للاعتراف بدولة فلسطين.

ولعل الحساسية الاوربية من دعوات اسرائيل الاخيرة، عبرت عنها رئيسة وزراء الدنمارك بالقول "إن ما يجري ليس حربا بين الإسلام والغرب، أو بين المسلمين وغير المسلمين، بل إنها حرب كل فرد حر ضد الأيديولوجيات الظلامية"، وبالتالي فان ما اصاب اليهود في فرنسا وبلجيكا والدنمارك لم يكن موجها بالتحديد نحوهم (وهو ما حاول نتنياهو تأكيده او التحريض عليه)، وان هناك مسيحيين ومسلمين قد تعرضوا ايضا لاعتداءات مشابه طالت يهود اوربا، فالأمر لم يعد مجرد حركة "معادية للسامية" او اعتداءات ذات طابع ديني، بل هي حرب المتطرفين الذين يستهدفون الجميع من دون استثناء، لذا فان طريقة التعامل الاسرائيلي مع "جرح اوربا" لا يمكن وصفها سوى بعملية ابتزاز واضحة تهدف الى احراج قادة اوربا ومجتمعاتها، واظهار دولة اسرائيل بصفتها الحامي لليهود في العالم، والمحافظ على قيم الاعتدال والتسامح، بخلاف اوربا التي تعاني اليوم من مواطنيها "المسلمين"، والذين قرنتهم اسرائيل ب"التطرف" والارهاب.

لكن، ومع كل هذه الحماسة التي يشعر بها نتنياهو استعدادا لاستقبال المهاجرين المتوقعين من اوربا تجاه اسرائيل، يسأل الكثير من الكتاب (ومنهم الكتاب اليهود انفسهم) عن حال هؤلاء المهاجرين في اسرائيل؟ وهل سيكون افضل من حالهم في فرنسا مثلا؟

وهو امر نفاه المحلل الإسرائيلي "تسفي برئيل" في مقال لصحيفة "هآرتس"، بعد ان عقد مقارنة بين اوربا واسرائيل، واشار الى ان اليهود الاوربيين "سيحظون بفرصة أن يكونوا مكشوفين لتسجيلات اليمين من أشرطه الفيديو، التي يظهر فيها اليسار الإسرائيلي وهو يتعاون مع النازيين بهدف إبادة دولة إسرائيل، سوف يتعلمون كم هو جيد حظهم لأنهم لم يصلوا البلاد كلاجئين أريتيريين، أو سودانيين، أو حتى كمهاجرين من أثيوبيا، اليهود الذين هربوا من اللاسامية الأوروبية سوف يستبدلونها بعنصرية إسرائيلية، سيكتشفون، أنهم مواطنون في دولة احتلال، الاحتلال ذاته الذي ساهم في تعزيز اللاسامية، والتي بسببها هم يوظبون الحقائب"، واضاف "اسألوا الروس، نحو 150 ألفا من هؤلاء ممن هاجروا إلى إسرائيل من رابطة الدول (الاتحاد السوفييتي سابقا) هاجروا منها ثانية، منذ بدء الهجرة، اسألوا أيضا الجورجيين والأثيوبيين والبخاريين والأكراد، الذين ما زالوا بعد عشرات السنوات من الهجرة مقسمين طبقا للبلاد التي جاءوا منها"، وختم بالقول"، "لكم الحق بالطبع في الهجرة إلى إسرائيل، وبالتأكيد سوف تحظون باستقبال دافئ في المطار، فقط كي تتذكروا أن إسرائيل تبتلع المهاجرين بتسرع، لكنها لا تنجح في هضمهم".

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي