عاشوراء رسالة إنسانية لمُختلف الأديان

عدي الحاج

2016-10-10 12:21

يقول الكاتب المسيحي المعروف، أنطوان بارا، إن "الحسين (عليه السلام) ضمير الأديان، ولولاه لإندرست كل الأديان السماوية، فالإسلام بدؤه مُحمّدي وإستمراره حُسيني، وزينب (عليها السلام) هي صرخة أكملت مسيرة الجهاد والمُحافظة على الدين".

الرسالة الإنسانية من وراء عاشوراء

ولكي نتعرّف عن الرسالة الإنسانية من وراء "عاشوراء" لمُختلف الأديان وأهمية التسامح الديني في قضية الإمام الحسين (عليه السلام)، نستعرض ما يقوله الكاتب المسيحي أنطوان بارا، مؤلف كتاب (الحسين (عليه السلام) في الفكر المسيحي) حيث يرى "لقد أراد الله سُبحانه وتعالى أن يحفظ هذا الدين الوليد، فأرسل الحسين (عليه السلام) الى جدّه بقماشة شهيد دون الأنبياء، فكان المُنعطف "كربلاء"، فلو لم يقم الحسين (عليه السلام) بثورته، لما تبقّى شيء من التوحيد أساساً، ولأصبح الدين الإسلامي الجديد مُرتبطاً بمُمارسات السلاطين الذين على المُجتمع القبول بهم والرضوخ لجورهم واضطهادهم مهما حدث باعتبارهم (ولاة للأمر)".

ويُضيف بارا "إنّي أعتقد بأنّ الحسين (عليه السلام) كان مسيراً في هذا الإتّجاه لأنّ له وظيفة إلهية مُحدّدة، كما للأنبياء وظائف إلهية مُحدّدة، ولكن مع الأسف، فإنّه على الرُغم من أنّ الحسين (عليه السلام) شخصية مُقدّسة عندكم أنتم الشيعة والمُسلمين، إلا أنّكم لم تعرفوا قدره وأهملتم تُراثه وثورته، إذ الواجب عليكم أن تعرفوا كيف تنصروا هذا الإمام العظيم اليوم من خلال قول الحق ونُصرة المظلوم وإصلاح المُجتمع وتحقيق العدالة والحريّة، والمُفترض أن تكون لديكم أمانة تامّة بتوصيل صيحته يوم عاشوراء الى العالم، وهذه الأمانة تستدعي التعمّق بأركان وروحية حركته الثورية وعدم الإكتفاء بالسردية والمظهر الخارجي للواقعة".

ويُشير الكاتب المسيحي "إنّني مُنذ زمن إجتمعت مع أحد البطارقة المسيحيين في لبنان فقال لي: (مُنذ زمن طويل وأنا أسمع أنّ المسيح قد تنبّأ بشهيد، ولكنّني لم أعرف من هو، وعندما قرأت كتابك إقتنعت بهذه الفكرة التحليلية السليمة، فالحُسين الشهيد هو المقصود بلا شك)، وهذه شهادة من عالم مسيحي مُتنوّر غير مُتعصّب وهي تُثبت تحليلي".

ويرى أنطوان بارا إن "التشيّع هو أعلى درجات الحُب الإلهي، وهو طبيعي لكل من يُحب آل البيت (عليهم السلام) من ذُرّية مُحمّد وعلي (عليهما السلام)، وهو فخر للبشرية، وكُل شخص في هذا العالم مهما كانت ديانته فإنّه يُمكن أن يكون شيعياً لعظمة الإقتداء بأهل البيت (عليهم السلام)، وكي يُحافظ على جماليات عقيدته".

ويُبيّن بارا إن "الشعائر الحُسينية تُسهم كثيراً في تنشيط الذاكرة والضمير، لأنّها تُمثّل الواقعة من دون إيذاء الغير، وهذا يترك ذخيرة إيمانية طُوال الحياة، فأنت حينما تلطم نفسك فإنّك تُعاقبها معنوياً لأنّك لم تكن في زمان نُصرة الحُسين (عليه السلام)، وهو يعني أنّك مُستعد الآن للتضحية بنفسك وكل ما تملك في سبيل الإلتحاق بركب الحُسين (عليه السلام)".

المعاني والمفاهيم الإنسانية لعاشوراء

تحمل مُناسبة عاشوراء الكثير من المعاني والمفاهيم الإنسانية التي تجمع مُختلف الأديان إليها، فليس مُستغرباً أن تكون قضية الإمام الحسين (عليه السلام) حاضرةً في خُطبة عالم دين من أهلنا (السُنّة) في البحرين.

يقول إمام وخطيب مركز أحمد الفاتح الإسلامي في دولة البحرين، الشيخ عدنان القطّان، "حُب العترة الطاهرة من آل بيت النُبوّة، والوقوف على ذكرى الحُسين وآل البيت (رضوان الله تعالى عليهم) يكون في التأسّي والإقتداء بهم في مُقاومة الظلم والباطل، والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر، والدعوة الى الإصلاح، والثبات على الحق".

ويُضيف القطّان "نحن اليوم كأمّة إسلامية واحدة، على إختلاف مذاهبنا وطوائفنا، نُواجه أعداءً كثيرين للإسلام والمُسلمين، والواجب يقتضي أن نجعل من عاشوراء مُناسبة لوحدة الأمّة والوطن وإبعادها عن التوظيف السياسي، وتأكيد التلاحم بين أبناء الأمّة والوطن الواحد، والإبتعاد عن إثارة الفتن والمحن، ونجعلها محطّة للتخطيط والعمل للمُستقبل".

عاشوراء مصدر إلهام في الوجدان الإنساني

من جانبها تقول الكاتبة البحرينية، ريم خليفة "ليس مُستغرباً أن تتحوّل قضية الحُسين (عليه السلام) الى مصدر إلهام في الوجدان الإنساني بشكل عام، ومدرسة في النضال من أجل الحرية ومُواجهة الإستعباد، فقد كتب عنها الكثير من المُؤرّخين سواء من المُسلمين أو غيرهم وتناولوا مُختلف أبعادها وآثارها".

وتُضيف خليفة "للأسف، إنّ إحياء مراسيم عاشوراء في مرحلة تتصاعد فيها موجة الإرهاب ولغة التكفير، أصبحت مجموعة من العوامل التي أدت الى التباعد بين أطياف الأمّة الإسلامية، وإنحصرت قضية الحُسين (عليه السلام) بين أتباع المذهب الشيعي، ولم تتجاوزهم مع كونها قضية إسلامية وإنسانية، والسبب في ذلك أنّ الإختلاف المذهبي ساهم في تصنيف رموز كل مذهب وحصرهم لدى أتباعهم، ونفي رموز أتباع المذاهب الأخرى، أو التقليل من مكانتهم ودورهم، أضف الى ذلك الإنغلاق على الذات، الناتج عن أسباب ذاتية وخارجية ساهمت أيضاً في التقليل من فرص التفاعل المُتبادل فكرياً وإجتماعياً".

سر الخلود الحسيني

تمر علينا اليوم ذكرى فاجعة إستشهاد أبي الأحرار وسيد شباب أهل الجنّة الإمام الحُسين (عليه السلام)، سبط رسول الله مُحمّد (صلى الله عليه وآله وسلّم) على أرض كربلاء الطاهرة المُقدّسة، مع كوكبة من أهل بيته وأصحابه الأبرار الأوفياء، ورُغم مرور أربعة عشر قرناً من الزمان على فاجعة الطف، ومازال دم الإمام الحُسين (عليه السلام) الطاهر بُركاناً يتفجّر، ومازالت قضيته تشغل القلوب والأفئدة والأذهان، فهي حيّة طريّة كأنّها حدثت بالأمس القريب، إنّه سر الخلود الحُسيني، وصدق الشاعر حينما قال:

كذب الموت فالحُسين مُخلّد ... كُلّما أخلق الزمان تجدّد

ولأنّ ثورة الإمام الحُسين (عليه السلام) كُتبت بدم الشُهداء الطاهرين فهي خالدة على مر العُصور، ولذلك نرى فشل كُل مُحاولات السلاطين وجبابرة الجور في طمس إسم الإمام الحُسين (عليه السلام) والشعائر الحسينية.

وفي حديث مع الباحث الإسلامي، الشيخ علي الخزاعي، عن سر الخُلود الحُسيني قال إن "ثورة الإمام الحُسين (عليه السلام) جسّدت قيم السماء وأعطت للإسلام الروح والجذوة والصحوة من جديد، فكانت حقاً الصرخة التي هزّت عروش الظالمين، فالنهضة الحُسينية جاءت لإعادة صورة الإسلام الوضّاءة الى نصابها وإسقاط الصورة الزائفة التي حاول عُبّاد الأصنام البشرية وعُشّاق المطامع الدنيوية إلصاقها بالإسلام، ولقد كانت ثورة الإمام الحُسين (عليه السلام) الفيصل بين الحق والباطل".

ويُضيف الخزاعي إن "الإمام الحُسين (عليه السلام) شهيد كربلاء، لم يخرج ولم يُقاتل ولم يُضحّي بكل شيء حتّى الطفل الرضيع إلا من أجل الله وفي سبيل الله ومن أجل إقامة العدل على الأرض ومُقارعة الظُلم، فكان الخُلود والحياة جزاءً له، وبقي الإمام الحُسين (عليه السلام) حيّاً بمدرسته مع الأجيال على مدى العصور، وبقيت ثورته العظيمة كالماس والذهب لا تستطيع هاضمة الأيام أن تهضمها، هذه كانت تضحيات الإمام الحُسين (عليه السلام) في يوم عاشوراء".

ويُشير الخزاعي "أمّا تضحيات أخيه وحامل لوائه أبا الفضل العباس (عليه السلام) فتجلّت في مُواقفه البُطولية في الفداء والإيثار حينما بذل الغالي والنفيس في الدفاع عن حرم الرسالة وسُلالة النُبوّة".

عاشوراء النبراس والمعين الذي لا ينضب

نرى اليوم المآتم الحُسينية في شتّى بقاع الدنيا وقد أضحت نبراساً ومعيناً لا ينضب في نشر الفضيلة والحريّة والعدالة ومكارم الأخلاق التي نادت بها رسالة سيد المُرسلين ومُنقذ البشرية من الضلالة، نبيّنا مُحمّد (عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام)، والإمام الحُسين (عليه السلام) ثار من أجل نُصرة الحق وإحياء دين جدّه المُصطفى (صلى الله عليه وآله وسلّم)، وفي ذلك المقام نستذكر كلمات الإمام الحُسين (عليه السلام) النوارنية: (إنّي لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مُفسدا ولا ظالما، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المُنكر).

‎ يقول الكاتب العراقي، قيس العامري "أخذت قضية عاشوراء صداها الإعلامي الواسع وعلى مُستوى العالم أجمع، وذلك لتوافد الحُشود الغفيرة من أغلب بقاع العالم لإحياء هذه الشعيرة المُقدّسة، ولكي يتوحّدوا تحت راية أبي الأحرار الإمام الحُسين (عليه السلام) الذي جسّد لهم الحُريّة والإباء والثورة على الظالم والجائرين وجسّد لهم معاني الخُلق العظيم الذي ورثه من جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، تأتي هذه الجُموع الغفيرة لتُخلّد ذكرى لم يحصل مثيلها في التأريخ وهي ذكرى استشهاد الإمام الحُسين (عليه السلام) مع كوكبة من أهل بيته وأصحابه الأبرار الأوفياء (عليهم السلام) الذين قُطّعت أجسادهم الزكية في سبيل الحفاظ على الدين والحُريّة وحُقوق الإنسان والتي أصبحت ملاذاً للثائرين ضد الظلم والجور".

ويُضيف العامري إن "قضية عاشوراء كانت ومازالت تُدافع عن كل مظلوم وتدحر كل ظالم، وهي القضية الوحيدة التي برزت رُغماً عن الذين حاربوها وحاولوا دفنها في طيّات التأريخ، وهي القضية التي هزّت مشاعر وضمير الإنسانية لتُفيقهم من سُباتهم، وهي القضية التي حافظت على استقامة وبقاء الرسالة الإسلامية".

إنّ (عاشوراء) ليست مُختصّة بمذهب من المذاهب أو دين من الأديان أو فئة مُحدّدة، بل هي تضم جميع الأديان والمذاهب والفئات على مُختلف أنواعها، لأن الإمام الحُسين (عليه السلام) خرج من أجل الإنسانية وإحقاق الحق ونبذ الباطل عن جميع العالم، وضحّى بالغالي والنفيس من أجل أن تكون كلمة الحق هي العليا، لذا نرى إنّ خلود (عاشوراء) إبتنى على إحياء الرسالة الحُسينية وتطبيقها في حياتنا الطبيعية وذلك لما له من الأجر العظيم عند الله تعالى وأيضاً لما له من الصلاح في المُجتمع كما قال الإمام الحُسين (عليه السلام): (ما خرجتُ أشراً ولا بطراً ولا مُفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي لآمر بالمعروف وأنهى عن المُنكر)، وهذا ما تعلّمناه من عاشوراء التي رسمت لنا أسمى الأهداف لنجعلها مُنطلقاً لحياتنا، فكيف لا تكون رسالة إنسانية لمُختلف الأديان.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي