الامام الحسين من دائرة الذات الى آفاق الفكرة

هلال ال فخرالدين

2016-10-05 10:41

من هو الحسين؟

الامام الحسين هو سليل النبي إبراهيم (ع) خليل الله وسبط خاتم النبين محمد (ص) وبن فاطمة بنت رسول الله (ص) المرسول رحمة للعالمين وبن ولي الله صوت العدالة الانسانية الامام علي بن ابي طالب الحسين منذ صباه امام قام او قعد وسيد شباب اهل الجنة وخامس اصحاب الكساء المطهرين قال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) الاحزاب:33وابو الائمة الهداة الميامين....الخ

قام بثورة رسالية انسانية كبرى في اخر ايام رجب عام 60 هجرية 680 ميلادية ضد الظلم والظالمين واستشهد في كربلاء في اليوم 10 من المحرم عام 61 ضحى بكل شيء لتخليص الامة من شرور وطغيان بني امية ورسم اسس الاصلاح وقيم العدالة لتحرير الانسان من العبودية والفساد لتعيش البشرية في اجواء الكرامة والسلام والتسامح حيث كانت ثورة المباديء السامية والاهداف النبيلة والمشروع الانساني الخالد المفتوح للتغيير الذي يخرج من دائرة الذات الى افاق الفكرة..!!

نهضة الحسين اخرجت البشرية من موت العبودية الى حياة الحرية

كثيرا ما يستغرب البعض او يطرح الحاقد او يطوح عبيد السلاطين ومن يعشوا بصره من الحق.. تساؤل، لماذا احياء ذكرى الحسين في عاشوراء من كل عام وفي كل مناسبة وفي كل محفل حتى اصبحت بوصلة لشيعة اهل البيت وشعارا للثوار يترنمون به في كل مناسبة وفي كل مكان وقد مضى على شهادته (ع) اكثر من الف واربعماية عام ومدرسة الشهادة في الاسلام والانسانية طافحة بالشهداء والثوار؟

والاجابة واضحة نحيى نهضة الحسين في كل عام لأنها نبراس تحرري شامخ ومدرسة انسانية وانماط قيمية ومثل اخلاقية..

صحيح ان النبي (ص) أكد بان الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة وتوجع لمصيبته وذرف الدموع وحث على وجوب نصرته.

لانه الحق والمحي لسنته (حسين منى وانا من حسين).. وسار ائمة اهل البيت على احياء نهضة الحسين لأنه الوارث للرسالات الالهية ومحي تطلعاتها في العدالة وقمع الظلم..!! ان نور الانبياء يصدر من مشكاة واحدة وضلال الظالمين من مصادر شتى قال تعالى: (من يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) الاعراف:178

فهدى الانبياء واحد بدلالة (هو) في الآية ومنذ ادم والى نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وأهل بيته الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وقد تجسد الهدى بالامام الحسين في عصره وكلهم من نور واحد.. ولكن سبل الضالين واساليبهم الشيطانية متنوعة وخططهم الابليسية متعددة وهم الخاسرون وفي الجحيم خالدون ابتداء من قابيل والى نمرود وفرعون و(ابو سفيان ومعاوية ويزيد...الخ) الشجرة الملعونة في القران (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا) الاسراء:60ومن هنا فان الحسين هو في الواقع يمثل صراع الحق مع الباطل او النورمع الظلام.. حتى ظهور المصلح الاكبر المهدي(عج).

يقول جبران خليل جبران:(هل وهبنا الله نسمة الحياة لنضعها تحت أقدام الموت وأعطانا الحرية لنجعلها ظلاً للاستعباد؟!)

و(من يصبر على الضيم ولا يتمرد على الظلم... يكون حليف الباطل على الحق، وشريك السفاحين بقتل الأبرياء).

وحتى لا تصادر كما صودر عهد وبيعة الغدير للامام امير المؤمنين علي (ع)، اكد أئمة الهدى على احياء امرهم من خلال النهضة الحسينية لأنها المعبر عن التطلعات الانسانية المضطهدة.. حتى ان ائمة اهل البيت رغم مآسيهم لكن صرحوا: (لايوم كيومك يا ابا عبد الله) حيث اصبحت معلما فريدا ومشعلا لايطفأ يستشرف منه الدروس والعبر وانها تؤتي اكلها كل حين باذن ربها لانها بعين الله قال تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ) النور:36..

وبما ان نهضته (ع) نابعة من القران فلا يمل ترتيلها ولاتبلى تلاوتها وتتلائم تفسيراتها على مر العصور فلا يبلى عطائها ولايمحى ذكرها..!!

معالم فلسفة النهضة الحسينية

نشير الى بعض من ابعاد النهضة الحسينية –لعدم تسني الاحاطة والمعرفة الكاملة بمكنون واسرار النهضة الالهية الحسينية- التي تفردت بها من دون الثورات بل واصبحت فذة لا شفع لها ورمزا انسانيا خالدا وبعدا رساليا شامخا لكونها نابعة من الرسالة الالهية ومخالطة للفطرة الانسانية في الاصلاح والتحرر وبلوغ الرقي وتحطيم المفاهيم المتخلفة ومقارعة النظم المتسلطة..

مما لامشاحة فيه ان اهم ركيزة واعظم اساس واعمق بعد في النهضة الحسينية التصاقها بالحق وامتثالها واطاعتها المطلقة للحق ولإحقاق الحق والفناء فيه ولا تأخذه في الله لومة لائم قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا) النساء:66

فذوبان الامام الحسين في الله بعطائه غير مجذوذ في منازلته اعداء الله بالدفاع عن القيم الربانية العليا والمباديء الانسانية المثلى والثبات عليها والتضحية في سبيلها على خطى الانبياء والرسالات الكبرى وعدم الاكتراث بالطواغيت وضخامة امكانياتهم بخوض غمار اهوال الصراع لكسر حاجز الخوف حتى النهاية مع اعتى نظام متسلط بالعنف والرعب (بنو امية) ففتح الابواب امام الاخرين.. فغير مسار التاريخ ليفتح للامة وللبشرية سبل الخلاص والتحرر..

استراتيجية الفتح

استفرغ الامام الحسين (ع) الوسع في النصح والتحذير والانذار وفي كافة المحافل وبكل الوسائل للاعذار وكي تتحمل الامة مسؤولياتها.. يتضح مدى عبقرية التخطيط الواعي والدقيق لكل تفاصيل الثورة حتى لما بعد المعركة لمواصلة حركته ونشر مفاهيمها التي قامت على قطبين الاول: بواسطة سيدة المخدرات زينب بطلة التصدي لفضح الظالمين والثاني: الامام السجاد على ابن الحسين بطل بيان المظلومية..

فقد صرح الامام الحسين منذ بداية مسيرته قائلا: (من لحق بي استشهد ومن لم يلحق فلم يبلغ الفتح..) و(الفتح) اعمق دلالة من مفهوم النصر المحدد بمعركة محددة لأنه عطاء واستنهاض دائم واستمرار مقاومة تعبر الزمان والمكان... ورغم انعدام التكافىء بين المعسكرين ووحشية اعدائه وامعانهم بكل الاساليب الهمجية.. لكن مبدئية الحسين وانسانيته لم تمنعه من التأسف والبكاء على محاربيه لاستغراقهم في الضلال والانحطاط.

وحدثت فاجعة عاشوراء كربلاء العظمى باستشهاد الحسين واهل بيته وحتى الطفل الرضيع واصحابه وقطع رؤوسهم والتمثيل بهم بصورة مقززة وسبي عياله والتطواف بهم.. والمحصلة نكسة الضمير وليست هزيمة الحق (فإن نهزم فغير مهزمينا).

وانتصر الدم على السيف.. ان الحسين دق الاسفين في نعش دولة بني امية فقدح اوار شرارة اعظم زلزال نهضوي تحرري فريد ابهر البشرية فاستلهمته منارا.. فاشعال نيران الثورات المتتابعة حتى سقطت دولة الشجرة الملعونة الاموية واللعنات لازالت تلاحقها ومن مكنها من رقاب العباد..

ولا نظن احدا من الواعين او المثقفين ورواد الفكر واصحاب المشاريع الثورية باطلاعه على عمق التصدي وبسالة الموقف وحجم التضحيات ومأساة كربلاء الا ويتفاعل معها بقوة ويجلله الحزن !!

لذلك اصبح (ع) يمثل معين آيات وانشودة حياة لكل الاحرار والمصلحين والثوار في العالم وكلا يستلهم منه ويقتدي به وفق ابعاد ثقافته واجواء فلسفته ومنطلقات افكاره.. وفي الوقت نفسه تترك اجواء مأساته بعدا عاطفيا هائلا يوقد شحنة طاقة روحية غير متصورة في الصمود والمقاومة والتضحية.. حتى اصبح للحسين حرقة في قلوب الانسانية لاتبرد ابدا..

صحيح ان الامام الحسين وقف ساعة ولكنها باقية الى قيام يوم الساعة..!

علو في الحياة وفي الممات.......بحق أنت إحدى المعجزات

وواضح بأن مباني نهضة الحسين العملاقة وكارثية شهادته.. تعشقتها النفوس فاستطاعت اسقط عروش واقامت عروش..!!!

فكان ولازال له هذه القوة الديناميكية الفاعلة التي لاتخلو من المدد الالهي الخالد.. ليس في الامة بل وفي الكون والمستغرقة للزمان والشاخصة في التاريخ والمتجذرة في الضمير الانساني (ثار الله والوتر الموتور) رغم القرون الطويلة وتجنيد امبراطوريات الظلم لكافة امكاناتها وفتاوى مرتزقتها وحشود زبانيتها لأجل النيل من نهضته (ع) لكن تلك المواقف الشريرة والنظرات المتخلفة ذهبت سدى واصحابها الى الجحيم.. ولم تزد النهضة الحسينية الا شموخا وعمقا واتساعا وعطاءا.. ولازالت متبرعمة عطرة ندية.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي