نساء عاشوراء.. ليلى والدة الأكبر
مروة حسن الجبوري
2015-10-17 10:13
بين نار ودخان وجثث تملأ ساحة الطف، ترى اقمارا منيرة قد خطفها البرق، أطفالا كأنهم عقد لؤلؤ اندثر، ورؤوسا مرفوعة على الرماح، خياما تحترق، نساء تسبى، لا حامي لهم ولا كفيل، أحداث وقعت خلال أقصر معركة في تاريخ البشرية جرت أحداثها في سنة 61 هـ- بين الإمام الثالث الحسين ابن علي ابن خير الناس أما وأبا، وبين آل أمية لعنهم الله، معركة خلدت في كتب التاريخ الى يومنا هذا.
وكل من كان في الواقعة خلد اسمه وفعله حتى أصبحوا شعلة للحق، رجال وشباب وكهول واطفال ونساء، يجاهدون كلاً على قدر استطاعته، واما جهاد النساء فقد فدَيْنَ الحسين بأنفسهن وأزواجهن وفلذات أكبادهن، لينالوا الهدف المطلوب، ألا وهو الشهادة في سبيل الله، فاختار الله سبحانه وتعالى لهم هذه المنزلة، ودونت أسماؤهم في التاريخ البشري باعتزاز ونصر وعظمة يُعجَب بها العظماء.
في تاريخ كربلاء وردت أسماء نساء ممن شاركن الامام الحسين (ع)، وقدمن له كل ما يحتاج من البنين والازواج، في هذا المقال نتناول امرأة جليلة النسب، رفيعة الحسب عظيمة الشرف، بحيث وُفّقت لأن تكون مع نساء أهل بيت النبوة، تعيش أجواء العبادة والإيمان، وتعيش حالة السبي وفقدان عزيز قلبها وفلذة كبدها ولدها، فمن هي هذه المرأة يا ترى؟.
إنها (ليلى بنت عروة بن مسعود بن عوف بن ثقيف)، زعيم من زعماء العرب، وسيّد من سادات قومه وهو رابع أربعة من العرب سادوا قومهم، كما ورد في الحديث الشريف (أربعة سادة في الإسلام: بشير بن هلال العبدي، وعدي بن حاتم، وسراقة بن مالك المدلجي، وعروة بن مسعود الثقفي). وهو المعنيّ بقوله تعالى: {وقالوا لولا نُزِّلَ هذا القرآنٌ على رجلٍ من القريتينِ عظيم}. لأن قريشا كانت ترى أن القرآن كان يجب ان يُنزّل على أحد زعمائها وهما (الوليد بن المغيرة) عظيم مكة بحسب وصفهم، (وعروة بن مسعود) عظيم الطائف.
من الوقائع التي شهدها عروة هي صلح الحديبية حيث عُقِد معه الصلح ممثِّلا عن قريش وأسلم في السنة التاسعة للهجرة وبعد رجوع النبي (ص) من الطائف استأذنه عروة في الرجوع إلى أهله فرجع ودعا قومه إلى الإسلام فرماه أحدّهم بسهم وهو يؤذن للصلاة فمات، ولما بلغ رسول الله (ص) نبأ موته قال: (إن مثل عروة مثل صاحب ياسين دعا قومه إلى الله فقتلوه).
أما والدتها فهي ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب بن اُميّة وتٌكنّى بأم شيبة، رغم نسب أمها لا أنّ شوائب بني اُميّة لم تمسّها أو تؤثّر فيها بقدر تأثير العنصر العربي الثقفي، ونسبتها هذه لبني اُميّة كانت مسوغاً للجيش الأموي بكربلاء كي يستميل علي الأكبر إلى جهته باسلوب مضحك هزيل، وبمحادثة فاشلة حيث ناداه رجل من أهل الكوفة حين برز للقتال قائلا: إن لك رحما بيزيد فإن شئت أمّناك، فقال له علي الأكبر: (ويلك لقرابة رسول الله أحقُّ ان تُرعى).
وفي حسب ونسب السيدة ليلى في مسعود الثقفي تجتمع ليلى مع المختار بن أبي عبيد الثقفي فإنها بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود، والمختار بن أبي عبيد بن مسعود فـأبو مرة والد ليلى والمختار ولدا عم، فقد كانت سيدة جليلة بين نساء ثقيف، عندما تزوجت من الإمام الحسين (ع) زادت فخرا وعزا فأصبحت تعيش أجواء الرسالة وما يستلزم ذلك من تحمّل لأعباء المسؤولية وهمومها، حتى ختمت حياتها وهي صابرة صامدة محتسبة، قد تحمّلت ألوان الأسى والألم، وقدّمت لرسالة الإسلام فلذة كبدها وأشبه الناس بالمصطفى (ص).
ليلى مع ولدها الأكبر
علي الأكبر (ع) الذي اتسم بالجمال والشجاعة وحسن الخلق والكرم، حيث روي أنه كان يشعل النار فوق بيته ليراها الضيف من بعيد في الليل المظلم؛ فاعترف حتى الأعداء بصفاته. ويكفي وصف الحسين (ع) له عندما قال: (إنه اشبه الناس برسول الله خَلقا وخُلُقا ومنطقا). ولنعم ما قيل في مدح علي الأكبر.
جمع الصفات الغرّ وهي تراثهُ من كلِّ غطريفٍ وشهم ٍ أصيدِ
في بأسِ حمزةَ في شجاعةِ حيدرٍ وإبا الحسينِ وفي مهابةِ أحمدِ
وتراه في خلقٍ وطيبِ خلائقٍ وبليغِ نطقٍ كالنبيِّ محمد.ِ
بدأ القوم بمضايقة الامام الحسين (ع) ومنع الماء هنا جاء وقت المبارزة وقطف الثمار، برز علي الأكبر إلى ساحات القتال يمثل هيبة الرسول وجماله. أخذوا يهربون من سيفه كأنه علي الكرار في خيبر، كيف تتصورون حالة ليلى أم وخرج ابنها إلى القتال ماذا يكون حالها؟ ليلى وقفت بجانب الخيمة وهي تسمع أنفاس علي وتدعو له وقد استجاب الله دعاءها وانتصر علي الأكبر في تلك الجولة، لكنه ما لبث أن ودّعها وعاد إلى الميدان يقاتل بشجاعة لا نظير لها. حتى سقط شهيدا، وشاهدته في تلك الحالة قد غطّت الدماء وجهه، وغيّر العطش والطعنات زهرة شبابه، تحزمت بحزام الصبر، واستقبلت الحسين (ع) بعزيمة ثابتة وواسته بصبرها الجميل، ولم تبدِ جزعا بالرغم من عظم المصيبة.
ولم تمضِ ساعات على فقدها لولدها حتى أصيبت بفجيعة أعظم منها، عندما رأت الحسين (ع) وحيدا فريدا لا محامي ولا ناصرا يغيث فلا يستجاب، بعدما قُتل جميع أصحابه وأهل بيته أخذ سيفه وركب جواده، متوجها إلى ميدان الحرب يقاتل الأعداء قتالا شديدا يمنعهم من الوصول إلى المخيم، الطعنات والعطش كانت تعيل حركته حتى سقط على الارض جريحا، ثم رأت رأسه الشريف يُحمل على الرمح.
بقيت ليلى مجاهدة محتسبة مسلمة أمرها إلى الله. واستمر جهاد السيدة ليلى مع بقية نساء ال البيت الهاشمي في رحلة السبي الشاقة، لا أحد يتحمل هذا الموقف فما بالك لو كانت امرأة! وإن التأريخ لم ينقل لنا خطابا خاصا وجهته السيدة ليلى إلى الناس في الكوفة والشام او المدينة كما خطبت السيدة زينب، وفاطمة، وأم كلثوم (ع) فكان لصمتها صدى معين اللهم تقبل علي الأكبر بحسن القبول،
السيدة ليلى بعد كربلاء
لا يذكر لنا التاريخ تفاصيل حياة السيدة ليلى بعد واقعة الطف، ما جرى عليها وكيف كانت وفاتها؟ نفتقد الكثير من التفاصيل في سيرة هذه السيدة الجليلة، ولكن هناك رواية ذكرت في كتاب الشيعة بكثرة يقول الراوي كنت أطوف في شوارع المدينة وأنا على ناقتي حتى أتيتُ دور بني هاشم فسمعتُ من دارٍ رنّةً شجيةً، وبكاء وحنيناً فعرفت أنها امرأة تبكي وتنوح كالثكلى حتى إن الناقة لما سمعتْ بركتْ، ووقفتُ أنتظر أحداً أساله عن الدار وعن الباكية، فعند ذلك أقبلتْ جارية فتقدّمتُ إليها وسألتها: لمن هذه الدار؟ قالت: لقد قُتل صاحبها الحسين، فقلت من هذه الباكية؟ قالت هي ليلى أم علي الأكبر لم تزل تبكي ابنها ليلا ونهارا.
وأيضا في رواية تقول انها لم تجلس تحت سقف بيت حتى آخر يوم من حياتها تجلس تحت أشعة الشمس، تبكي وتنوح على سيدها الامام الحسين عليه السلام وعلى ولدها وقره عينها علي الأكبر، أي أم تحمل ما جرى على ليلى فقدت زوجها وابنها في نهار واحد بين طعنات السيوف، أثبت موقفها مع الحسين فاستحقت أن تكون قدوة تقتدي بها اﻻمهات الفاقدات. ولا عجب لمن فقدت ولدا كان أشبه الناس برسول الله أن تبكيه ليلا نهارا ولكنها قدّمته قربانا للدين والعقيدة فخُلِّدت به وصارت بذلك من أعظم نساء التاريخ.