طقوس التعزية الحسينية، بين الجذر التأريخي والتأصيل المسرحي

عادل الصويري

2015-10-15 12:33

يتسائل الكاتب والفنان مهدي هندو الوزني في كتابه الموسوم (طقوس عاشوراء الدرامية واشكالية التنظير المسرحي) عن طقوس الحزن والبكاء التي ترافق شهر محرم الحرام هل لها جذور تأريخية تمتد لذات الطقوس في أساطير بلاد مابين النهرين في العهود السومرية والبابلية والأكدية رغم انها -طقوس عاشوراء-تقاليد شعبية عربية- إسلامية استمدت شرعيتها واستمراريتها زمانياً ومكانياً من حقيقة تأريخية تمثلت باستشهاد الإمام الحسين عليه السلام في واقعة الطف بكربلاء(1).

وحسب اتفاق الكثير من المؤرخين فإن أولى المؤشرات التأريخية عن الشعائر التي تحتفي بشهادة سبط رسول الله صلى الله عليه وآله بدأت حين خرج رجال حركة التوابين في الكوفة إلى شوارع المدينة باكين نادمين لعدم نصرتهم الإمام الشهيد، وظلوا ينادون بأخذ الثأر له والانتقام من قتلته وبذلك تكون هذه الحركة النواة الأولى لشعائر عاشوراء.

نحن هنا نتفق مع الآراء التي تميل للرأي الذي يرجع بدايات هذه الطقوس إلى حركة التوابين وذلك لاشتراك الثقافة الشرقية القديمة فيها كما أن طبيعة الإنسان الشرقي ميالة إلى الإنفعالات العاطفية، والقصدية هنا تلعب دورها في تدعيم هذا الرأي لأن طقوس الحزن والبكاء في الأساطير متباينة في الحكايات والأساطير، ففي أسطورة (تموز) البابلية تبكي (عشتار) فقد حبيبها الذي يمثل -بحسب الأسطورة- الخصب والنماء، بينما نجد في ان بكاء (جلجامش) في الملحمة المعروفة كان للتعبير عن فقد صديقه، في حين نجد أن طقوس التعزية الحسينية التي تمارس في عاشوراء انما هي تعبير عن الندم والتكفير عن ذنب عدم الاشتراك في نصرة الإمام الثائر وهو ماحصل في حركة التوابين.

ولأن هذه الطقوس والشعائر مرتبطة بعقيدة حية ومتجذرة كان من الطبيعي أن يكون لها زخماً جماهيرياً يديم التواصل بأنساق إيمانية عاطفية يحركها شعور الولاء والإنتماء لسيد الشهداء وقضيته، هذا الزخم له دوره الفعال في خلق جو ممسرح يستمد خصوصيته من التراث بعد أن ظلت فكرة المسرحية تؤرق الكثير من المشتغلين والمتخصصين بحقل الفن المسرحي، وبحث كثيرون منهم في التراث ليجدوا ضالتهم في الطقوس الدينية والشعبية وتأتي طقوس التعزية العاشورائية في مقدمتها.

يقول الدكتور إبراهيم الحيدري عن هذه الطقوس بأنها (من أهم الموروثات التي تلعب دوراً مهماً وفعالاً في المعتقدات الروحية حيث تخلق أجواء دينية وثقافية يمكن توظيفها اجتماعياً وسياسياً وبهذا فهي ليست ظواهر دينية شعائرية فحسب، بل هي ظواهر اجتماعية وسياسية شعبية لها خصوصية وفرادة في العالم العربي والإسلامي) (2).

وطبقاً لهذا الكلام أصبحت هناك ضرورة ملحة من أجل مسرحة هذه الطقوس كونها تمتلك العناصر التراجيدية التي يجب أن تُعاد قراءتُها وتوضع لها التنظيرات الجادة لخلق هوية مسرحية تنأى بنفسها عن حالة الإتكاء غير المبرر على أنماط المسرح الغربي، فمثلما مثلت المواكب والأناشيد الدينية التي كانت تمجد (ديونيسيوس) نشوء المسرح الإغريقي نجد أن ذات الأمر ينطبق على طقوس التعزية الحسينية، ولعل الحضور الجماهيري المكثف والمشارك في هذه الطقوس يعد من أهم العناصر المشتركة بين الطقوس الأغريقية وطقوس عاشوراء حيث أن هذه الجماهير تعرف القصة التي أقيمت هذه الشعائر من أجلها وتتدخل أحياناً في صناعة بعض مشاهدها مع ملاحظة التباين في أعداد المشاركين فقد كان جمهور المسرح الإغريقي يقدر بأربعة عشر ألف متفرج بينما نجد أن أعداد المشاركين في طقوس عاشوراء تصل إلى الملايين التي تزداد سنوياً مع ميزة اشتراك من هم من ديانات ومذاهب مختلفة في التعزية الحسينية.

لقد ظل هاجس تأصيل المسرح العربي حتى تم تأسيس جماعة المسرح الإحتفالي في نهاية العقد السبعيني من القرن الماضي، وجاءت التسمية للإعتقاد بأن مصطلح الاحتفال هو الذي يلائم الإرث الحضاري للعرب والمسلمين، وكان المغربي (عبد الكريم برشيد) أبرز منظري هذا النوع من المسرح، وتحفل طقوس عاشوراء بالعديد من خصائص المسرح الاحتفالي ومنها المشاهد المثيرة التي تثير الدهشة مثل ضرب الرأس بالسيف المسمى شعبياً بـ (التطبير) وضرب الجسد بالسلاسل وهي مظاهر تنتمي إلى خصوصية التحدي التي تمثل مرتكزاً مهماً من مرتكزات المسرح الاحتفالي فضلاً عن التراث الذي يعتمده المسرح الاحتفالي مثلما تعتمده طقوس التعزية ليس فقط من جانب استذكار الحدث بل معايشته موقفاً وانفعالاً.

ولايعتمد المسرح الاحتفالي كلياً على الموسيقى والمؤثرات الصوتية بل يقوم بتوظيفها عند الحاجة (وبما أن الاحتفالية تعتمد على علم دراسات الشعوب من خلال تقاليدها وأعرافها، فأن الموسيقى التي توظفها غالباً ماتكون شعبية لأنها لغة الشعب البسيطة التي يجد فيها نفسه ومن الضروري أن تكون الموسيقى شعبية) (3).

وطقس التعزية يعتمد هو أيضاً على الآلات الشعبية المستخدمة بمواكب العزاء بتنظيم إيقاعي يتماهى مع الحركات التي يؤديها الأشخاص المشاركون في الموكب كاللطم على الصدور او ضرب الجسد بالسلاسل (الزنجيل) وغيرها من الممارسات الطقوسية التي صار لزاماً على المختصين تأصيل مسرحتها بنا يتلائم والتطور الحضاري.

................................
الهوامش
1مهدي هندو، طقوس عاشوراء الدرامية واشكالية التنظير المسرحي، ص12
2 د. ابراهيم الحيدري، تراجيديا كربلاء سوسيولوجيا الخطاب الشيعي ص7
3 مصطفى رمضاني، قضايا المسرح الإحتفالي ص152
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي