حين انتصر الدم على السيف

عباس الصباغ

2023-09-03 06:33

يتوهم الطغاة ومستعبدو الشعوب انهم بالقضاء على الحركات التحررية والتنويرية والجهادية انهم قد ساهموا بقمعها والتخلص منها الى الابد، ولايدرون انهم قد ساهموا بمنحها حياة جديدة خاصة وخلودا خاصا بعد اضطهادهم لشهداء تلك الحركات.

وكما اعلن الامام الشهيد عليه السلام عن برنامجه الاصلاحي التنويري الشامل في رسالته المقتضبة لأخيه محمد ابن الحنفية (رض) (انّي لم أخرج أشراً، ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي مـحمد (ص) أُريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي مـحمد (ص) وسيرة أبي علي بن أبي طالب)، ونتيجة للصلابة في الطرح فقد جوبه برد عنيف وقاس ووحشي غير مبرر من ازلام السلطة الاموية ادى الى تلك النهاية المأساوية له باستشهاده ولجيشه الصغير المكون من جماعة من اهل بيته وبعض الاتباع المخلصين على ارض كربلاء سنة 61 هـ.

المعركة غير المتكافئة انتهت بإبادة ذلك الجيش الصغير الذي كان الامام الشهيد (ع) على رأسه وانتهت سويعات يوم الطف الدامي، لكن القضية قد بدأت واستمرت ولم تتوقف لان البرنامج الذي أعلنه الامام الشهيد (ع) لم يكن مجرد شعار استهلاكي يراد منه كسب الاتباع او لمصلحة سياسية دنيوية بحتة فهو برنامج اصلاحي شامل وعلى جميع الصعد والمجالات، ابتداء من قمة الهرم السياسي الفاسد وليس انتهاء بتفاصيل الاسرة والمجتمع التي شابها الكثير من التشوهات والانحرافات.

كان الامام الشهيد (ع) يريد اصلاحا استراتيجيا لكل مفاصل ومحاور الحياة والمجتمع على طريقة جده الرسول (ص) الذي فتح ابواب الحياة الكريمة لأناس عاشوا الجاهلية بكل ادرانها ومفاسدها وظلاماتها وحيثياتها المرعبة، وليس كما يتوهم البعض من المؤرخين ان حركة الامام الشهيد (ع) كانت من اجل السلطة حين بايعه اهل الكوفة بأن (اقدم فقد اينعت الثمار واخضرّ الجناب وانما تقدم على جند لك مجندة)، وحين وصل الى كربلاء وجد الامر مقلوبا فلم ينل السلطة وكان عازفا عنها كأبيه علي بن ابي طالب (ع) حين بايعه المسلمون جميعهم.. قال لهم (اتركوني والتمسوا غيري) واعرضَ عنهم، وبعد الحاحهم الشديد قبل العرض منهم خشية من ان تؤول الامور الى غير الكفوء وهكذا كان الامام الشهيد (ع) سائرا على خط ابيه.

الانتصار الزمني والعاجل بسحق ثورة الحسين سحقا لا اخلاقي لايعني ان الثورة انتهت فهي لم تنته، بل فتحت الباب مشرعا امام الكثير من الثورات والانتفاضات الجهادية والاستشهادية كلها استمدت من ثيمة استشهاد الحسين (ع) ومن ثيمة كربلاء والطف الكثير من البرامج والشعارات والاخلاقيات وإن لم تحظ اغلبها بالنجاح بعد ان قدمت الكثير من التضحيات والدماء والارواح، لكنها تعلمت من الحسين ذلك الشعار الخالد (هيهات منا الذلة) وتعلمت كيف ينتصر الدم المسفوح على السيف الظالم فانتصرت كما انتصر الحسين بدمه وخاب الظالمون من ازلام السلطة الجائرة والفاسدة.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي