مركز الإمام الشيرازي ناقش دور القصيدة الحسينية في بناء المسؤولية الاجتماعية

مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

2023-08-08 05:51

تحرير: حسين علي حسين

ضمن النشاط الفكري المتواصل الذي يقيمه ملتقى النبأ الأسبوعي، عقد مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث حلقة نقاشية جديدة تحت عنوان (دور القصيدة الحسينية في بناء المسؤولية الاجتماعية)، حيث قدم الورقة الصحفي والأديب علي حسين الخباز، وذلك في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام.

وبدأت الحلقة بتقديم الكاتب في مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام علي حسين عبيد، للأديب الخباز قائلا: يسعدنا أن نقدم المبدع علي الخباز شاعرا حسينيا، وإعلاميا مرموقا، متعدد الكتابات في الصحافة وفي النقد وفي جوانب أدبية وإبداعية أخرى، علي حسين الخباز رئيس تحرير مجلة صدى الروضتين التي تصدر عن العتبة العباسية المطهرة لأكثر من عشرين عاما، وأيضا تبوّأ أماكن إعلامية ومسؤوليات مهمة أخرى، وله مسيرة متميزة مع القصيدة الحسينية، ومع الشعر بشكل عام ومع النقد، بصورة خاصة، وهو شخصية عراقية كربلائية إبداعية معروفة في الوسط الأدبي، وله فعاليات كثيرة، اليوم سوف يقدم لنا هذه الورقة الخاصة بالقصيدة الحسينية ومدى إمكانية تأثير هذه القصيدة في تعميق وتطوير المسؤولية الاجتماعية.

حوارات الكتابة الإنطباعية

بعد ذلك قدم المحاضر ورقته البحثية التي قال فيها:

"تضمن الشعر الحسيني في مسعاه تعريف الناس من الجوانب الحياتية المهمة في تأريخ الواقعة أو في انعكاساتها على المجتمعات الإنسانية وتشخيص دور القصيدة الحسينية في بناء المسؤولية الاجتماعية، عبر تجربتي الإعلامية مع أهل الاختصاص في المنبر الحسيني وفي الشعر الحسيني بل في عموم الثقافة الحسينية، أي إني لم أذهب للبحث في المصادر البحثية المدونة لأقتبس منها ما يخدم الورقة البحثية بل ذهبت إلى أوراقي التي جمعتها من خلال عملي. كرئيس تحرير لمجلة صدى الروضتين الصادرة في العتبة العباسية المقدسة.

نجد أن اللقاء مع أهل الإبداع والتحاور معهم والكتابة الانطباعية عن الكثير من الإصدارات الثقافية المتخصصة تعتمد على تنوعِ الآراء، تنوع الأفكار، تنوع المناهل الإبداعية والفكرية، في القراءات الانطباعية لكتاب شعراء ورواديد مدينة السبط الشهيد للشاعر الحسيني والناقد والباحث أستاذي عبد الحسين خلف الدعمي، أحد رموز الأدب الحسيني، ركزت على العديد من التشخيصات المهمة، فهو يرى أن كربلاء تمتلك مميزات الانتماء بخصوصية الوجاهة الاجتماعية في جمع مدن العالم ترتبط بتتويج الأغنياء والاثرياء وهذه مسألة اجتماعية طبيعية، إلا أن كربلاء اعتبرت الشاعر المرحوم كاظم المنظور أمير الشعراء الحسينيين وجيها وله وجاهة اجتماعية رغم فقره المادي، ومن أعيان كربلاء عبر التأريخ.

نجد أن القصيدة الحسينية كان لها دورا اجتماعيا مهمّا، ترك أثرا كبيرا في تماسك المجتمع، توظف تلك القدرات لتحقيق النضج الاجتماعي بمستوى المسؤولية وترتبط بالمجتمع عاطفيا ومعنويا، وعند قراءتي لهذا الكتاب المهم وجدت هناك تشخيصا مهما للأستاذ الدعمي، يقول فيه، إن كربلاء انفردت (بقصيدة الكعدة) وهي مخصصة للدور الاجتماعي وأعطت مساحة للشعر التقويمي الاجتماعي وتنتقد الظواهر السلبية في المجتمع من أجل تقويمها، والسعي لبناء المسؤولية الاجتماعية، وهي من القضايا المهمة لأنها ترتبط بالإنسان لتحمل أمانة الانتماء الحسيني، والقيام بواجبات العمل الضميري بإرادة حسينية ولا يكون ذلك إلا من خلال وعي الشاعر بمهمته.

وفي متابعة انطباعية لتجربة الشاعر الحسيني عودة ضاحي التميمي وهي من أنضج التجارب الحسينية، لا تتعامل قصيدته الحسينية مع التأريخ لمجرد استحضار الواقعة، البعض يسرد الواقعة سردا تفصيليا، أو نجده يشتغل على الأخبار والمتلقي كامل المعرفة بتفاصيل الواقعة، الشاعر التميمي يسحب التأريخ إلى الحاضر، إلى مناطق سياسية، اجتماعية، أي بمعنى رفض تحديد الواقعة بزمن، بتأريخ الأحداث الماضوية، بل يعمل على انعكاسات الواقعة، أو بما لا بد أن تكون عليه تماثلات الواقعة بين المجتمع أو حسن الاستجابة لمنهج الواقعة.

هناك مسألة مهمة لا تكتمل مهام الشاعر الحسيني بامتلاك الوعي التاريخي، هناك الكثير من اللوحات الفنية تنظر إليها وتحكم بجمالها لكن هي لا تعنينا بشيء وصلنا إلى ضرورة امتلاك الشاعر الحسيني القدرة على التأثير في الناس، التأثير على وجدان الناس، الدخول إلى همومهم ومشاكلهم وأحاسيسهم إلى حضورهم الحياتي، واسقاط بؤر التأريخ عليها، الكثير من النقاد والدارسين والخطباء يدركون أبعاد المنبر الحسيني عملية التحشيد الروحي للشباب دفاعا عن الوطن، وعن الأمة وعن الدين والمذهب لو تابعنا تهديد الدواعش كان ومازال هو على المراقد المقدسة وعلى كربلاء الحسين وباقي المدن الشيعية المرتبطة بالحسين وشعائر الحسين عليه السلام.

كيف ندرك المسؤولية الاجتماعية؟

المواكب الحسينية نواد اجتماعية، التكايا كذلك، والمسير العاشورائي الزيارات، علينا أن ندرك مفهوم المسؤولية الاجتماعية وطبيعة الانتماء من خلال أداء واجبات الخدمة، وقد اهتم المختصون بفئة الشباب باعتبارهم الفئة المعنية بالحراك الاجتماعي، وأيضا بفئة كبار السن باعتبارهم أهل حكمة وخبرة اجتماعية ترتقي إلى التماثل مع الهوية.

وفي قراءةٍ انطباعيةٍ في كتابِ (المنبر الحسيني) للشاعرِ والرادود الحسيني محمد حمزة الكربلائي وجدت أن الكتابَ يرتكزُ على السيرةِ الغيريةِ، ودراسة تجربتين مهمتين للشاعر الحسيني الحاج كاظم المنظور والحاج الرادود حمزة الزغير، قال لي شخصيا يذبحني من يسميه حمزة الصغير، بل هو حمزة الزغير لأن في الساحة الحسينية كان هناك حمزة السماك، وأعطاهما سمة التراث المنبري الحسيني، فقد شكلا ذروة التوثيق.

المرحوم الشيخ فاضل الفراتي اعتبر المنجز سعي وفاء لرد الجميل، أي جعل المنجز من مساعي الكد الاجتماعي، والسيد جعفر الموسوي ركز على مفهوم الريادة في نشر الثقافة الحسينية، الدكتور عبود جودي الحلي، يرى أنهما عملا على الوعي الاجتماعي الشمولي، واجتازا معاني النخبوية بمفردات مألوفة، تركت لدي بعض الومضات المهمة.

اليوم يحاول الإعلام المنحرف أن يقدم الطف على أنه كان انقلابا عسكريا، لحفظ المصالح الشخصية، هذا هو الانحراف في الفكر الأموي، لا بد أن يقدم الشاعرُ الحسيني اشتغالات فكرية تقدم الثورة الحسينية على أنها انقلابا اجتماعيا، وأن يبتعد الشاعر عن الانكسارية، والمصائبية لا تلتقي مع النهج الانكساري.

واقعة الطف رغم النهاية الدموية كسرتْ شوكة الطغاة، وهل يستطيع تاريخ منكسر أن يتخلد وأن يسموَ. في تجربة عشتها لمجموعة من البحوث لأكاديميين كتبوا بحوثهم عن الفكر العسكري وعن التخطيط العسكري عند الإمام الحسين عليهم السلام، اعترضتُ على الندوة في حينها في قاعة الندوة لأنهم درسوا الحسين عليه السلام بمنهجية الأكاديمية العسكرية، التي لا تنظر إلى إنسانية المقاتل بل إلى النتائج.

بالتأكيد عندهم جيش منكسر وجيش منتصر، لا يملكون استراتيجية الفكر المعصوم، لا يعرفون معنى العصمة، كيف سيقرأون فكر قائد يسقي الأعداء ماءً بيديه؟

التركيز على البعد الأخلاقي

والحسينُ كان في نهضتهِ يركزُ على البعدِ الأخلاقي، والحضور في المجتمع لتعزيز روحية السلام، هيهات منا الذلة، لنقرأ هذه الجملة بمدركاتٍ اجتماعيةٍ، التاريخُ يقول إن العباسَ عليه السلام ما كان ينادي أخاه الحسين عليه السلام إلا سيدي، هذا درسٌ تربويٌ لترسيخِ مبدأ احترامِ الاخوةِ.

تسميةُ القصيدةِ الشعريةِ بالحسينيةِ تشير إلى الانتماءِ للمنهجِ الحسيني، للهويتهِ الحسينيةِ الميل إلى العوامل الاجتماعية كونت هذا المسارُ، الشاعر الحسيني يمتلك الاستجابة.

كنت أنتظرُ لحظة أن يسألَ الرادودُ عن اسمِ الشاعرِ منهم من يقول للشاعر الفلاني ومنهم من يقول لخادم المنبر ومنهم من يقول لأحد خدمة الحسين، الثالث كان يستهويني الذوبان في القضية الحسينية، هو التوهج الوجداني، لي حوارٌ مع خادمِ المنبر الحاج (جاسم النويني) رحمه الله، سألته عن روحِ التنافسِ بين الرواديدِ، أجابني لم نكن نمتلك هذه النزعة مفهومي الأول كان إني خادمُ المنبرِ الحسيني، أقرأ قصائدي باندفاعٍ ذاتي، وكان منهجي أن اشتغلَ على الطابع الاجتماعي في قصائد المرحوم هادي القصاب (دنياك عندك ذاكرة وتدري بخبرها)، لمعنى الأول حسب رأي الحاج النويني رحمه الله أن لا أحدَ ينكرُ على الناسِ، هناك سلطةٌ جائرةٌ، هناك سجونٌ وتعذيبٌ وإعداماتٌ ورغم هذا كانت المتابعة الجماهيرية موجودة ولله الحمد.

والمعنى الثاني، هناك منافسةٌ بين الأطوارِ القديمةِ والجديدةِ ونحن امتلكنا الحصافةَ، ومن الجميلِ والمثمرِ أن تصلَ الثقافةُ الحسينيةُ إلى خلق التكامل الروحي والمنهجي.

اتسمت القصيدة بالسمات الحسينية التالية:

أولا الوطنية: مسؤوليةٌ اجتماعيةٌ ترتكزُ على اعتباراتٍ أخلاقيةٍ، يرى الشاعر والباحث الدعمي أن المعرفةَ التي تنفتحُ على الحقيقةِ تحتاجُ إلى مدرك واع لاكتشاف منطلقات عديدة منها الفكر ويسأل: لماذا نكتب؟ ولمن نكتب؟ تساؤلات تمنحنا إمكانية الولوج إلى العمق العقلي للفكرة، ما الذي نريدهُ من القصيدةِ، القصيدةُ الحسينية مكسبٌ للتبصّر، البصيرة والفوز الحقيقي المشكلة انفتح المجتمع على العالم في تلاقح فكري غير متكافئ نتيجة ضعف الأمة وعدم الالتزام بقواعدها المؤثرة، وجود خلل اجتماعي فارق بين ما ندعيه وما نفعله. البعض يعمل لسحب الشعائر الى السياسة والتحزبات حتى صار لكل حزب منبر وشعراء ورواديد.

ثانيا: العمل على جعل عاشوراء فكر مجرد فكر بعيدا عن وجدانيات عاشوراء، وهذا يعني انهم ينظرون الى عاشوراء برؤية سياسية، يريدون القصيدة الحسينية بلا وجدانيات، بلا عاطفة، بلا روح، باعتبار ان كتابة القصيدة الحسينية لا علاقة لها بالفكر، ونحن نريد من القصيدة ان تستنهض الواقع لا ان نكتفي برثاء الحسين عليه السلام.

مواجهة الفكر المستورَد

ثالثا: الفكر الحسيني لابد ان يكون عارفا بفكر الحسين بحيوية هذا الفكر بالتحشيد لفكر الهوية الوطنية لمواجهة الفكر المستورد، لابد من تفعيل العقل الناشط المقترن بالحكمة، هذا الاسلوب أنتج لنا قراءة افكار ومشاعر وسلوكيات أهل الاختصاص في فهم المعنى التكويني لهوية القصيدة الحسينية ويعني عندي احترام فكر الشاعر الحسيني واحترام الرأي وتسليط الضوء على ماهية النشاط الثقافي الحسيني واللقاءات والمحاورات والقراءات الانطباعية عرفتنا على قراءة التفكير الاستقرائي عند المبدعين.

رابعا: الاهتمام الوجداني بالتماسك الاجتماعي واستمرارها وتحقيق اهدافها، ونشر الوعي بماضي القضية الحسينية وحاضرها وقيمها واتجاهاتها، الفهم الصحيح لمعنى شاعر حسيني، سيولد الالتزام باخلاقيات المجتمع، ولهذا نجد ان خدمة المنبر الحسيني لهم قبول اجتماعي كبير، ومشاركتهم في قضايا اجتماعية في المناسبات العامة والخاصة، بل كانوا وسطاء اجتماعيين في حل النزاعات وفي الامور الحياتية، وكانوا يسارعون بروح الانتماء الحسيني لخدمة الناس.

الامتاع الفني شرط جوهري

قدمت لصدى الروضتين ثلاث قراءات انطباعية عرفت من خلالها ان كاظم المنظور ادرك ان هناك جزءا كبيرا من التاريخ لا يموت، وعلينا اليوم ان نستثمر مراسيم التأبين بدراسة فنية القصيدة الحسينية، فلسفتها، ملامحها الاجتماعية، بلاغة المفردة وهويتها، وخصائصها الفنية المعاصرة، عندي ان الامتاع الفني هو شرط جوهري من صفات الشعرية في القصيدة الحسينية، وإلا لسقطت في قعر الخطابية والنثرية القاتلة رغم تنوع بحورها الشعرية، استغرب ان يقال ان كاظم المنظور كان اميا لا يقرأ ولا يكتب، متى سندرك ان لا امية في الشعر ومعنى الجمال الحقيقي ينفتح على التأثير العام، يقول احد النقاد كل ما هو غير ممتع ليس فنا، لذلك اعطي فرادة في تجربته الشعرية التي تمثل جيلا شعريا متقدما لما أفرزته التجربة من صلابة اجتماعية أغرت الكثير للانتماء الى مدرسة المنظور.

في تجربة مجلة صدى الروضتين التحاورية كان لنا حوار مع المله جليل حاورناه عن صعوبة اللهجة العامية العراقية، كان له رأي جميل: إن اللهجة العراقية فرضت نفسها عند الشعوب فاحبوها وتآلفوا معها، ودار الحوار ايضا عن الاطوار، علينا كسب الجمهور فنقرأ الاطوار التي الخفيفة في الكويت لأننا في صراع دائم مع الاغنية.

كان الملحنون يقتبسون من القصائد الحسينية واطوارها الحانهم، وان اي اقتباس لطور اغنية يعد انتصارا لها، ونحن نملك اصالة وفلكلور جميل وعندنا معرفة بالمقامات والاطوار، وهذا ايضا اكده الملا باسم في احدى لقاءاته بصدى الروضتين، في مفهوم تقليل شأن الاغنية وتعاطيها، وهذا المنفذ كان تفاؤلا في محله وثقة عالية بالإبداع الحسيني.

تجارب في القصيدة الحسينية

بعض الملامح السريعة ساقتطفها من اعداد صدى الروضتين، الشاعر الحسيني عادل الصويري يرى ان الشعر الحسيني في جوهره فلسفي يحقق جماليات عالية في عملية الجذب الجماهيري.

الشاعر الحسيني رضا الخفاجي يرتكز في تجربته الشعرية على لغة الحوار المباشر مع الرموز المقدسة وهي ظاهرة اسلوبية بارزة في الشعر الحسيني، بينما الشاعر المرحوم عبد الرسول الخفاجي كان يعتمد على الاستفهام في بناء الجملة الشعرية، احد النقاد يقول ان القصيدة الحسينية هي مصنع الاستفهام حيث الدهشة الشعورية، تتشعب القصيدة الحسينية الى رؤى وافكار لبلوغ اقصى الغايات التأثيرية والتخيلية، في حوار لصدى الروضتين مع الباحث الشاعر الاستاذ محمد طاهر الصفار يرى ان الشعراء الحسينيين تخطوا واقعة كربلاء بوصفها حدثا تاريخيا الى فضاء اوسع، تخطت كربلاء حدود جغرافيتها في القصيدة الحسينية، لم تعد بقعة جغرافية من الأرض، بل صارت رمزا لفلسفة الرفض عبر الأزمنة والأمكنة والاحداث لتجسد صوت الثورة ولها ابعادها الدينية والسياسية والفلسفية والفكرية، لقد وظف الشعراء الحسينيون واقعة الطف في معالجة المشاكل الراهنة، ويرى ان غد القصيدة الحسيبنية سيكون مشرقا بالتحدي.

ويرى الشاعر سلام البناي في احدى حواراته في صدى الروضتين ان واقعة الطف هي المادة الاولية للشعراء، وان علاقة الانسان بالرمز الحسيني المقدس تنبع من سلوك الانسان وهي نتاج اعتقاد وفهم غايته الوصول الى المعنى الحسيني، الحسيني كرؤى ومفاهيم ذات اثر ايجابي في تنمية المواهب الابداعية وفهم التطور الاجتماعي وتحقيق مجموعة من الاهداف، من خلال الارث المبدع الذي اطلعنا عليه في صدى الروضتين عندنا يقين ان اي تطور انساني للمجتمع لا يتحقق دون التمسك بالاخلاق الاسلامية الصحيحة، وأي اخلاق هي التي لا ترتكز على قيم الواقعة الحسينية هي مجرد تنظيرات لا واقع لها، شيد الحسين لنا مدرسة قادرة على تحصين المجتمع وتطويره انسانيا والحمد لله.

وبعد أن انتهى الأديب علي الخباز من قراءة ورقته البحثية، طرح على الحاضرين في هذه الحلقة النقاشية سؤالين لإثراء الأفكار والمضامين التي تم طرحها وهما:

س1: لماذا في بعض القصائد التوعية الفكرية المتناسبة مع النهضة الحسينية؟

س2: كيف يمكن أن تساهم القصيدة الحسينية في إحداث التغيير الاجتماعي؟

المداخلات

- الشيخ مرتضى معاش، باحث وكاتب في الفكر الإسلامي المعاصر:

يعد الشعر تاريخيا ولا يزال ليس في العراق فقط وإنما في كل الثقافات والحضارات قوة مؤثرة جدا في بناء السلوكيات الاجتماعية، لأنه يعطي وزنا معينا وقافية معينة تصل إلى الذهن وتؤثر بسرعة على المتلقي.

فكيف إذا كان الشعر عاطفيا وجدانيا، يعبر عن قضية فيها الكثير من الظلم، ويعبر عن مصيبة وعن حزن، لذلك كان الشعر والقصيدة الحسينية هي أكبر مؤثر في عملية بناء النسيج الاجتماعي، على مر التاريخ حتى الحكام رأوا في هذا الأمر قوة لهذا المجتمع فدعم بعض الحكام العقلاء هذه القضية، واكثر الطغاة حاربوها بشدة. ونلاحظ ذلك في المجتمع العراقي وتأثره الواضح بالشعر والقصيدة الحسنية، ولذلك يعبر عن وجدان المجتمع وإحساسه بالظلم الموجود في مجتمعه.

في السابق كان الشعر الحسيني والقصيدة الحسينية تستنهض الشعب والمجتمع ضد الظالم، فكانت عملية بناء فكري مستمرة وعملية بناء التزام اجتماعي تؤدي الى التماسك والوحدة الاجتماعية، بالنتيجة أدى ذلك إلى أن يتمكن المجتمع العراقي من أن يواجه الظالمين عن طريق القضية الحسينية، وخصوصا من خلال الشعر الحسيني والشعائر الحسينية.

ولكن بعد أن دخلنا زمنا جديد في العراق، وأُزيلت تقريبا الموانع التي كانت موجودة في السابق، دخلنا في زمن الحداثة التكنولوجية وعالم الاستهلاك، فتغيرت بعض التوجهات في التعامل مع القصيدة الحسينية، ومع الشعر الحسيني، فعالم الاستهلاك خطير جدا، فهو يأخذ كل شيء، يأخذ المبادئ والقيم والمُثُل ويحيكها بطريقته الخاصة، يقلبها عالم الاستهلاك بطريقته الخاصة، ويفرغ تلك المثل والقيم من محتواها العميق، ويجعلها مجرد حالة سطحية.

فالشعر الحسيني على طول التاريخ يعبر عن كفاح الإنسان ونضاله، ومقاومة الإنسان وصبره في مواجهة السجون والتعذيب والقمع والمطاردة والتهجير، وكان الشعر الحسيني دائما يغذي الإنسان بالأمل، بالتفاؤل والمحبة والعطاء والاستمرار، الآن مع دخولنا العالم الاستهلاكي لاحظنا ظهور أشياء جديدة، تغيرت الملابس، وتغيرت الأشكال وتغيرت الكلمات وتغيرت السلوكيات، وأصبح العالم كما نراه الآن أكثر سطحية عما كان في السابق.

وهذا يحتاج في رأيي إلى دراسة وقراءة معمقة للوقوف أمام هذه الحالة الاستهلاكية قد تخرج القصيدة الحسينية من محتواها الاصيل.

التفريغ العاطفي المجرد

من الإشكالات التي تواجهها القصيدة في زمن الاستهلاك، التفريغ العاطفي المجرد عبر السلوك، وحتى الشعر يحاول التأثير العاطفي بدون أي معنى مجرد إحداث تأثير عاطفي من دون أن تكون هناك موعظة فكرية أو توجيه أخلاقي أو سواها، نلاحظ كذلك استخدام مفردات العنف الاجتماعي أكثر في الشعر والقصيدة، كذلك نلاحظ أن الشاعر أو الرادود يجعل من القصيدة معبرة عن العرف فقط، دون الاستلهام من الخطاب الحسيني الذي يوجد فيه الكثير من الأفكار والتوجيهات والمواعظ القيّمة لبناء المسؤولية الاجتماعية، لبناء الحرية والتخلص من الذل والاستعباد، وبناء الالتزام الاجتماعي والتمسك بالدين والإسلام الحقيقي.

وتسهم القصيدة الحسينية في التغيير الاجتماعي من خلال:

أولا: لابد أن ينبثق الشاعر من داخل حركة فكرية ثقافية اصيلة، فالثقافة الغالبة ثقافة العولمة والحداثة وما بعد الحداثة، التي أثرت كثيرا على تفكير الناس واغرقتهم في عالم الاستهلاك، وفي مواجهة الغزو الثقافي يحتاج الشعر إلى حركة فكرية اصيلة تملك تأثيرا اكبر على الناس، بحيث يؤثر فيهم حاليا كما اثر في السابق، لذلك لابد أن يستخدم الشعر الحسيني في عملية البناء الاجتماعي، في قضية الكفاح ومواجهة الظلم، سابقا كان هناك إحساس بالظلم وإحساس بالقهر والكبت والقمع، فكان الإنسان مناضلا ومكافحا من أجل القضية الحسينية وكان الانتماء لها عميقا.

فالنظام الشمولي يريد أن يمسخ هوية الفرد، ويسلب هويته ويجعله تابعا للحاكم المطلق، ولكن القضية الحسينية وقفت في مواجهة هذه الشمولية، وفي مواجهة هذا المسخ، لذلك اليوم هنالك شمولية من نوع آخر شمولية ثانية، هي شمولية الاستهلاك، التي تحاول أن تمتص الزخم الاخلاقي وتدمر القيم الفطرية ودون أن نشعر بذلك، لذلك لابد للشعراء والمثقفين أن ينتبهوا إلى عملية البناء ويكون للشعر الحسيني مدلولاته في تشكيل السلوكيات، وتشكيل الثقافة العميقة عند الإنسان.

ثانيا: المطلوب من القصيدة الحسينية هو الاستخدام العاطفي المرتبط بالموعظة، وتوجيه الناس للابتعاد عن المال الحرام، والسرقة والخيانة والرشوة والفساد، فالشاعر أو الرادود لابد أن تكون عنده رسالة من خلال عملية استخدام العاطفة بقوة من أجل بناء السلوك النزيه، الطهارة، والنزاهة والنظافة في السلوك الاجتماعي.

ثالثا: من وظائف الشعر والقصيدة الحسينية بناء وترسيخ الانتماء الثقافي للنهضة الحسينية، وليس مجرد انتماء شكليا، انتماء ثقافيا بعقائده وأفكاره وأخلاقياته وسلوكياته.

رابعا: تعزيز روح الاحترام للنظام الاجتماعي، وهذه مسألة غائبة لدينا، فنحن نعيش الفوضى والسبب بوجود الفوضى أن الانفتاح الكبير الذي حدث لم يحصل فيه توجيه للفكر أو للسلوك والثقافة، فالقصيدة الحسينية تستطيع أن تقوم بعملية تعزيز روح النظام والالتزام والانضباط الاجتماعي وتحمل الفرد لمسؤولياته.

خامسا: من اهداف القصيدة الحسينية هو التغيير الأخلاقي، فكيف يكون منتميا للحسين عليه السلام وهناك أخلاقيات تشكل نقيضا لمنهجه ومنهج أهل البيت عليهم السلام، فلابد للقصيدة أن تعزز التغيير الأخلاقي، حين كنت صغيرا أتذكر أنني كنت أحضر مجالس (الرادود المرحوم حمزة الزغير)، فتلك القصائد بَنَتْ في داخلنا عمقا راسخا في الولاء والانتماء والهوية، ومع طول السنين في المهجر والمشكلات الأخرى بقيَ هذا الانتماء راسخا لأن تلك القصائد الحسينية عززت فينا هذا الانتماء.

سادسا: كذلك استخدام العاطفة في القصيدة الحسينية لتعزيز عملية التوبة والاستغفار ومحاسبة الذات، وتنبيه النفس وإحداث التغيير الذاتي بشكل عام الذي سيؤدي الى التغيير الثقافي والاجتماعي.

وأخيرا، يتم ذلك من خلال وجود منهجية وبرنامج مستدام عبر ندوات ودورات وحوارات على مدار السنة، تغذي الشعراء والرواديد بالفكر والخطاب الحسيني، فبعض القصائد التي يتم طرحها يوجد فيها خروج عن الموازين الشرعية والعقائدية، حيث المد الاستهلاكي المفرط يؤدي الى الخروج عن الأسس العقائدية، وبعضها يذهب إلى الغلوّ والتطرف والتركيز على العاطفة المجردة التي قد لا يوجد فيها معنى، العاطفة الحقيقية هي العاطفة الممزوجة بالعقيدة الصحيحة.

- الدكتور محمد مسلم الحسيني، باحث واستاذ جامعي‏ في بروكسل:

جذر مفردة "قصيدة" هو القصد وأبرز أبيات القصيدة يسمى "البيت القصيد"، ومن معاني مفردة "القصيد" في اللغة العربية هو "العظم الثري بالنخاع". وهكذا يكون البيت القصيد هو البيت الشعري الأثرى بالمضمون والاقرب للقصد في القصيدة. هذا القصد لابد أن يكون ساميا في القصائد الحسينية كي يحاكي مصيبة مأساوية لشخصية تاريخية سامية خالدة بخلود التاريخ والزمن!

رغم أن القصة المفجعة التي جرت لسيد الشهداء أبا عبدالله الحسين (عليه السلام) خانقة ومريبة، والألم فيها عميق وخالد في النفس، غير ان القصائد الحسينية يجب ألا تنصب فقط على الجانب العاطفي في النحيب واللطم، دون التركيز على المقاصد والأهداف التي تمخضت عن هذه المصيبة الأليمة التي جرت أحداثها في واقعة الطف بمدينة كربلاء المقدسة.

هذه المقاصد هي الأسمى والاعمق والادق، حيث تنبعث عنها معاني الصمود والتصدي للظلم ودروس التضحية ضد الباطل. وهكذا فلابد للقصيدة الحسينية أن تتصف بالمقصد، ومن مقاصد القصائد الحسينية أذكر ما يلي:

اولا/ الاقتداء والفخر بشخصية الإمام الحسين: لابد للقصائد الحسينية أن تفخر بشخصية الحسين وتعدد مناقبها لأنها فخر للأمة الاسلامية وللإنسانية جمعاء، حيث صنعت أقوى وأبلغ قصص التضحية والشجاعة والايثار. لقد جاد الحسين وأهله وصحبه بالنفس من أجل قضية الإيمان والمبادئ والقيم "الجود بالنفس أقصى غاية الجود". هذه القيم رسمها جده الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) قبله حينما قال "والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر، فما تركته حتى يظهره الله أو اهلك دونه".

وأكد روح التضحية هذه والده أمير المؤمنين الإمام علي (ع) حينما نام في فراش الرسول (ص) ليلة محاولة الإغتيال، وحينما نازل أقوى وأشجع رجالات قريش دون غيره في معركة الخندق، فنصر جيش المسلمين بقتله قائد العدو "عمرو بن عبد ود العامري".

وهكذا خرج الامام الحسين (ع) ضد الظلم مضحيا ليصنع المجد والصلاح حيث قال "أني لم أخرج اشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالماً، وانما خرجت لطلب الصلاح في أمة جدي". لقد أعطى (ع) النموذج الأسمى للثورة ضد الظلم والطغيان، فارتضى الشهادة حيث قال "والله لا اعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقر إقرار العبيد". فأيقظ بشهادته ضمير الأمة الإسلامية ضد الباطل وأحيا نبض العزة والكرامة فيها، فانحنى التاريخ له فخرا واعتزازا.

ثانيا/ استخلاص الدروس والعبر: أعطى الإمام الحسين (ع) دروساً بالغة الأهمية، من خلال ثورته ضد الطغيان، للتاريخ وللقضايا الإنسانية، فهي ثورة حق ضد باطل تمتد أهدافها إلى جسد الأمة الإسلامية بأكمله لتشمل الجوانب الحساسة في حياة المجتمعات من سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية ونفسية وغيرها. لقد انتصر الإمام الحسين معنويا ليس فقط على جبابرة عصره فحسب، إنما ناصر كل مظلوم بعده في كل زمان ومكان.

لا تزال ثورة الحسين تصرخ بوجه كل ظالم، وتهز عروش المتجبرين والمتسلطين الغاشمين أينما وجدوا على وجه المعمورة. صار الحسين نموذجا حيا يقتدى به في الصبر والتحمل والإصرار بمكافحة الباطل والظلم، حتى غدا رمزا للاستقلال والعدل والانصاف والصلاح والحرية.

لقد بين المفكر اللبناني المسيحي والباحث في فقه اللغة العربية الدكتور "ميشال كعدي": أن الحالة الحسينية ليست مقتصرة على المذهب الشيعي فحسب، وانما هي حالة عامة شاملة مرتبطة بالظلم، وهذا يجعلها قريبة جدا للإنسان أينما كان واينما وجد. كما أشار الدكتور الكعدي بأن الإمام الحسين يعد شخصية عالمية بامتياز، وهذا ما تؤكده المكتبات الأوربية وادبياتها.

طبقا لهذه الثوابت فالقصائد الحسينية الهادفة لابد لها أن تبحث عن مقاصد ثورة الحسين في ظل واقع نعيشه في يومنا هذا او سوف نعيشه في قابل الأيام والزمان، أي أن تبقى القصائد الحسينية تذكرنا بالأهداف المتوخاة من ثورة الحسين وحيثياتها، كي تكون مرجعاً ومثابات قائمة دائمة سارية وصالحة لكل زمان ومكان.

ثالثا/ الفن الهادف في القصائد الحسينية: الشعر هو مرآة المجتمع واللسان الناطق بارهاصاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والإنسانية وغيرها. قال الفيلسوف الفرنسي المعروف "جان بول سارتر": (أن الأدب ثورة بلا بندقية!)، والشعر صنف من صنوف الأدب له اغراض ومقاصد تلم بحاجات النفس البشرية وارهاصاتها. إن كان الأدب ثورة حسب رؤية سارتر، فلابد للقصائد الحسينية أن تكون ثورة داخل الثورة! لأنها تعالج قضية داخل قضية ومقصد في قلب مقصد.

أضافت القصائد الحسينية على مر الزمن للشعر العربي رؤى جديدة في الشكل والمضمون من خلال الوجدان اليقيني، حيث بدأت الفنون الأدبية في القصائد الحسينية منذ بداية ثورة التوابين الذين استخدموا فن "المكتمات" في تعابير رمزية غير صريحة هادفة اججت عواطف الناس ومشاعرهم ضد الحكم الأموي آنذاك.

كانت قصائد التواب عبد الله ابن عوف ابن الأحمر وقصائد أعشى همدان وغيرهما من شعراء التوبة وغيرهم، نماذج ناجحة في "المكتمات" التي حققت المقصود وأدت دورها على أحسن وجه. استخدم الشعر بالاسلوب المبطن أو الرمزي على مر العصور حتى يومنا هذا، خصوصا إبان النظم الاستبدادية في كثير من الدول العربية والإسلامية والعراق من بينها.

لابد للقصائد الحسينية أن تتصف أيضا بأسلوب السهل الممتنع لأنها تخاطب المجتمع بشكلٍ عام، إذ لا حاجة لمعجم لغة يفسر المفردات أو حاشية تشرح المعاني. يستحسن أن تكون سهلة الفهم واضحة المعنى يدركها السامع والقارئ على اختلاف مستواه الأدبي والثقافي، فتصبح سهلة التغلغل لإسماع الناس، مفهومة ومؤثرة. لكي ترتقي القصيدة الحسينية بوصفها للموصوف فلابد أن تكون، حسنة السبك، عميقة المعنى، رفيعة الوصف، قوية التأثير وغنية بفنون البلاغة في الجناس والتشبيه والاستعارة وغيرها.

رابعا/ نقاء الخطاب وصدق التعبير: لابد للقصائد الحسينية أن تتصف بنقاء الخطاب وصدق الفحوى ونزاهة التعبير، وأن تلتزم بالشعار الذي ملخصه قول الإمام الحسين (عليه السلام): (اني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برما)، اي رفض الذل والهوان بكل صنوفه وأشكاله. هذه القصائد يجب أن تكون غنية المضمون لا جوفاء خاوية غير هادفة ولا تلبي اغراض الرسالة الحسينية الخالدة. القصائد الحسينية يجب ألا تصبح مصدر تشويه للصورة الحقيقية أو مبعث تهجم وتنكيل وفتن وغوغاء. القصائد الركيكة بمضمونها وفحواها والمريبة بنقلها للحقائق الصادقة، تكون مدار شك وارتياب وسخرية للمتصيدين بالماء العكر، بل تخالف رضا الله والهدف والحقيقة.

- الدكتور خالد العرداوي، مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:

حقيقة حدث في هذه الأمسية تغيير في مواضيع ومضامين برامج الحلقات النقاشية التي عادة نتناولها في ملتقى النبأ الأسبوعي، كأديب وشاعر يناقش القصيدة الحسينية في ورقة بحثية ذات طابع تاريخي أدبي، الحقيقة إن تساؤلي مرتبط بشكل أو آخر بالسؤالين اللذان طرحا في هذه الورقة البحثية، لأنني لاحظت من خلال ورقتكم البحثية أنك انتقدت ربط الفكر بالوجدان، في طرح القصيدة الحسينية، وهذا ما أثار لديّ التساؤل التالي: هل القصيدة الحسينية هي انعكاس لحادثة تاريخية طرفاها الحق والباطل، في واقعة تاريخية مقدسة، أم أنها غير ذلك بل تتغلغل مع واقع اجتماعي مستمر يستلهم من هذه الحادثة حلولا صحيحة تصحح اعوجاج الواقع؟

فإذا كانت القصيدة الحسينية هي ليست فقط حادثة تاريخية حدثت في سياق الماضي وانتهت، وهذا هو الذي فهمته حتى من سياق ما ذكرتم، وإنما هي تمثل منهج حياة مستمر، فأينما نجد مظلوما نجد الحسين (عليه السلام)، وأينما نجد الفقر نجد الحسين، وأينما نجد أسرة تتفكك نجد الحسين، وهو يقدم لنا حلولا لهذه المشكلات، وكذلك أينما نجد تطرفا سواء كان تطرفا بسبب الفكر أو تطرفا بسبب المصلحة، أو تطرفا بسبب اللون، سنجد الإمام الحسين (ع) يقدم لنا حلولا، لأن هذا التطرف هو منهج غير قويم ولا سليم بل منهج معوجّ.

فإذا كنا نفهم الإمام الحسين (ع) بهذه الطريقة من الفهم، فالحادثة ليست حادثة طرفين تصارعا على السلطة، وإنما هو صراع منهجين للحياة أحدهما منهج معوجّ والثاني منهج مستقيم ومعتدل، وفي هذا الحالة ألا يكون الفكر والوجدان يتكاملان مع بعضهما؟

سؤالي هو: هل يتكامل الفكر والوجدان في تناول القضية الحسينية من خلال القصيدة؟

- الباحث حسن كاظم السباعي:

هنالك بعدان أساسيان لهذه المسألة: الأول: رسالة الخطاب وما يحمله من فكر سواء كان قصيدة أو نثرا. والآخر: الشعر وتطوره.

فيما يرتبط بالبعد الأول وهو رسالة الخطاب أو فحواه؛ لو ألقينا نظرة على القصائد الحسينية التي أُنشدت خلال ألف وأربعمائة عام منذ فاجعة الطف؛ فإننا سنراها تتناسب تماما مع الفترات والعهود التي مرت عليها المجتمعات من نشر وعي ويقظة فكرية. فحينما كان العهد عهد الكفاح في سبيل نيل الحرية ومقاومة الظلم؛ كانت القصائد في هذا الطريق.

وحينما كانت حقوق الإنسان مهدورة فإن الصبغة الشعرية كانت في سبيل المطالبة بها. وحينما كان هم الأفراد في طلب حقوقهم كان الاتجاه الشعري يسير في هذا المنحى. وحينما كان الاستبداد الايديولوجي هو الحاكم باختلاف أبعاده كان ديدن الشعراء يتجه لمقاومة ذلك النمط من الاستبداد مهما كان نوعه. وكانت القصيدة الحسينية تجد طريقها وتقوم بتحديث مسلكها حين تتجدد الابتلاءات الاجتماعية أو السياسية أو الفكرية، بكل انسيابية ومرونة دون أي تكلف أو تصنع.

من هنا وبناء على هذا الأساس؛ إن كان هنالك اليوم غياب للتوعية الفكرية في قصائد النهضة الحسينية فإنَّ المشكلة ليست فقط في نوع القصائد أو الخطاب؛ بقدر ما هو ضعف في تشخيص الأزمة وفهمها، ثم تقديم ما يناسبها من خطاب بأسلوب يتناسب وهذا العصر ومستجداته.

ومن خلال تتبع ميداني يمكن ملاحظة أن الأزمة الفكرية الراهنة تتجه نحو الانفتاح اللا واعي الذي يتجه نحو نوع من الردة والإلحاد أو اللادينية والذي يمكن أن يكون أحد أسبابه التصرفات الصادرة عن الجهات المحسوبة على الدين.

من هنا فإن الخطاب أو القصيدة الحسينية لو لامسا الوتر الفطري والإنساني فإنهما سيكونان قادرين على إحداث التغيير الذاتي ثم الاجتماعي، وذلك عبر تذكير المخاطبين بأن النهضة الحسينية قبل أن تكون ذات صبغة دينية فإنها مستقرة في ضمير الوجدان البشري والفطرة الإنسانية. كيف لا؟ والكثير من المفردات التي يتداولها المجتمع هي مفردات ذات أصل حسيني قد تجذرت في اللا وعي الجمعي حتى عند الملحدين الذين يستخدمون تلك المفردات في سبيل محاربة الدين.

أما فيما يرتبط بالبعد الثاني: الشعر وتطوره خلال مختلف العصور؛ فبعد ألف وأربعمائة عام ومع التطور التكنولوجي وانفتاح الاتصالات وتطور التقنيات الثقافية والإعلاميّة كان لابد للخطاب الحسيني -سواء شعرا أو نثرا- أن يواكب تطور هذه التقنيات والوسائل، ومع أنه سعى نحو ذلك بإقامة الندوات والمؤتمرات مثلا أو إنتاج المقاطع أو ما يسمى بالكليبات والبرامج، لكنه لم ينجح بشكل كاف من حيث نشر الفكر والوعي، ويعود ذلك لطبيعة التقدم وما خلفه على قريحة الشعر والشعراء عبر قرون من السنين المتعاقبة وهو واقع ملموس اليوم، فالعرب سابقا كانت تلقي الشعر بالفطرة وغالبا ارتجالا وكانوا يفرقون بين الحر والعبد بجودة الشعر إذ كان العبيد عادة يرجزون والرجز من أبسط الأبحر الشعرية من (المجتلب).

أما اليوم فالشعر يبكي شُعراه ويدوّن فيهم بدوره دوواين الرثاء إذ نراه يحتضر في مهد البلاد العربية التي نما وترعرع فيها وبلغ ذروته ونزل القرآن متحديا بلاغتهم وفصاحتهم الشعرية والنثرية، فبعد زمن المعلقات وذروة مجده صار الشعراء قلة، بل تطور الشعر من عمودي إلى حديث وخرج عن بحوره وغرق وصار أي شيء يقال يسمى شعرا؛ فإن برز ما يسمى بشاعر فعادة لوجود جماعة حوله ينشرون له ويزعمون أنه شاعر لا أن شعره ينطق فعلا عن قوة قريحته الشعرية؛ فالمصالح والوساطات والمجاملات حاكمة.. فكيف يمكن أن يُستعمل لبثّ فكرة كما يفعل النثر اليوم!

من هنا فإنا نرى ارتفاع صوت الرادود على صوت الخطيب، لا بسبب ما يحمله من رسالة أو فكر في قصيدته وإنما بسبب طريقة العرض والإداء، فكيف يمكن حمل هم غياب الفكر في هذا الجو؟

ولكن مع كل ذلك؛ فإن مجرد الحزن والبكاء والرثاء هو ذاته غرض نفيس لأنه بالأصل رسالة تغوص في أعماق الوجدان فتوقظ الضمير وتنتج الإنسان الذي يسعى نحو التكامل بدون خطاب يطول أو شعر يهز الشعور ويزول.

إن الحزن الذي يصبغ الخطاب الحسيني شعرا كان أو نثرا هو الذي يصنع المعجزات في التغيير ويحفر الأثر العميق في الروح والوجدان فتنبجس بالأخلاق والمكارم والوفاء وما حوته كربلاء من رسائل السماء، فالحزن الحسيني وحده فيه العطاء. ولا ضير من إعادة النعي بشعر الماضين إن ضعفت حقبة من الزمن عن إنتاج المزيد فالتراث الحسيني غور عميق.

وباختصار؛ فإنَّ إشعال جمرة الحزن بأي خطاب شعري أونثري هو الأصل لأنه نوع من إبراز المودة، وهذا على الأقل لم يغب يوما عن الشعر الحسيني حرا كان أو تقليديا أو حديثا..

- الدكتور قحطان حسين طاهر، باحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:

يعد الأدب الحسيني من الفواعل المهمة في المنظومة الفكرية والسلوكية لأتباع أهل البيت (عليهم السلام)، لا يخفى على أحد إن الأدب الحسيني بشكل عام والقصيدة الحسينية بشكل خاص مهمة ولها تأثير واضح في بناء منظومة فكرية تتناسب مع حجم الحادثة ومع متطلبات المجتمع على وجه الخصوص، وهذه الأهمية للقصيدة الحسينية نابعة من عدة أسباب، ولعل أهم سببين هما سرعة انتشار القصيدة الحسينية بين المتلقين خصوصا في أيام شهري محرم وصفر، حيث تقام المجالس والمآتم والعزاء وغير ذلك.

والمتلقي الشيعي في قناعته يرفض الاستماع إلى الأغاني، بل يفضل فقط المجالس الحسينية والقصائد الحسينية التي تخاطب وجدانه في هذه الأيام.

السبب الآخر: إن القصائد الحسينية تشهد رواجا عالميا وهي من أكثر الطقوس تأثيرا، لماذا؟، لأنه حاضرة في مجلس ومأتم وعزاء حسيني، يتلقفها المتلقون ويسجلونها ويبثّونها في مكبرات الصوت للعامة والخاصة، وبالتالي لابد أن يكون لهذه القصائد الحسينية تأثير، لأن التلقي لهذه القصائد لا ينحصر في يوم أو يومين، وإنما يستمر لمدة شهرين وهي مدة طويلة يمكن أن يكون لها تأثير على سلوك الأفراد ومنظومتهم الفكرية.

أما الإجابة عن سؤال كيف يمكن للقصيدة الحسينية إحداث التغيير الاجتماعي؟، فهناك عدة طرق أهمها أن كتاب القصائد والرواديد عليهم الاهتمام بتلبية حاجات المجتمع الحسيني الذي لا يفهم ولا يريد أن يفهم من القضية الحسينية إلا جانب العاطفة والحزن والبكاء تأسيسا على ما وقع في حادثة الطف، ولا يبحث عن أفكار ومثل وقيم وغايات وأهداف ثانية.

كذلك عدم وجود اهتمام لدى المجتمع بالأفكار والقيم وقد ذكر الباحث أن القصائد الحسينية دائما مرتبطة بالعاطفة والوجدان، لماذا؟، لأن المتلقي لا يريد مُثُلا ولا يريد فكرا، لأنه ربما يعتقد أن القضية الحسينية وما حدث فيها هو خارج عن إرادة المجتمع المعاصر، وبالتالي فهو يتأتى فقط في الجانب العاطفي، أما الأفكار والسلوكيات فيرى أنها ليست ضمن قدرته ولا يمكن له أن يتبنّاها ويعمل بها.

أيضا من الأسباب التي غيّبت الوعي عن القصيدة الحسينية، وجود الطارئين على الأدب الحسيني، فالساحة الحسينية مليئة برواديد وشعراء لا أقول أن هؤلاء أساءوا ولكنهم لم يتقنوا ولم يوظفوا القصيدة الحسينية توظيفا يؤدي إلى إحداث تغيير اجتماعي على مستوى الفرد، وإنما هؤلاء يعتمدون على أفكار قد تتناقض في مضمونها حتى مع واقعة الطف ومضامينها وأحداثها وأفكارها.

كذلك الصراع بين الفكر الديني والفكر العلماني أيضا ترك أثرا فيما يتعلق بحجم القصيدة الحسينية، فالمجتمع مقسّم إلى طبقات، طبقة تدعي أنها علمانية متنورة ليبرالية وهناك طبقة أخرى متدينة، وطبقة أخرى قد تنهج منهجا وسطا بين الطرفين، فهذا الصراع بين الأفكار الدينية والعلمانية قد يكون أثر سلبيا على تلقي القصائد ذات الفكر والمضمون السلوكي الذي من الممكن أن يكون مؤثرا وفاعلا في إحداث التغيير الاجتماعي.

أما بخصوص السؤال الثاني فأرى إنه من الممكن الإجابة عنه من خلال ما يأتي:

أولا: من خلال تضمين القصيدة للمثل والأفكار والقيم التي تجسد مبادئ وقيم الثورة الحسينية الحقيقية الهادفة لإصلاح المجتمع، أنا لا أريد أن أختزل القصيدة الحسينية فقط لإثارة مشاعر وعاطفة المتلقي، لك أدفعهم للبكاء وأثير أجواء الحزن بينهم، بل لابد أن اعتمد على نهج في القاء القصائد بما يحفز على الفكر ويثير لدى المتلقي الغاية والوعي لإصلاح المجتمع.

ثانيا: عدم السماح للطارئين على المنبر الحسيني ممن لا تتوفر لديهم المؤهلات اللازمة للتصدي لمهمة كبيرة وهي إقامة المجالس الحسينية الهادفة لتوعية المجتمع ومكافحة سلبياته الفكرية والسلوكية. نلاحظ في أغلب أيام عاشوراء ينبري أحد ما أو أكثر من شخص ويبدأ بإلقاء قصائد تثير ردة فعل سلبية، بين المجتمع الشيعي وعامة المسلمين، وبالتالي هذه القضية قد تسيء للقضية الحسينية أكثر مما تخدمها، فيجب أن يكون هناك انتقاء دقيق لمن يلقي الشعر ويتولى مهمة إلقاء القصائد الحسينية.

ثالثا: إبعاد الجهات الفاسدة عن المجالس الحسينية، نلاحظ في السنوات الأخيرة توظيف المجالس الحسينية لغايات سياسية، وقد لاحظنا هذا في محرم السابق، إذ هناك أحزاب بدأت تنظم مجالس حسينية وتدعو إليها عددا كبيرا من الحضور لغايات سياسية، وقد بدأت بعض الأوساط الشيعية تتذمر من ذلك وترفض هذه الظاهرة خصوصا أنه يكمن وراءها أهداف غير نبيلة.

- الدكتور حميد مسلم الطرفي، باحث اكاديمي وناشط اجتماعي:

منذ استشهاد الحسين عليه السلام والأجيال تتحدث عن ثورته ومظلوميته والسعي إلى اقتفاء اثره في مواجهة الظلم وتحدي الطواغيت واقامة الحق ونشر العدل فانقسمت الامم من بعده الى فريقين فريق يتحسس العَبرة والعِبرة فهو فريق هادف يعتبر شعائر الثورة ملهبة للحماس وقارعة لطبول مواجهة الطغاة، ونبراساً لمحبي العدل والحرية، فكانت ثورة التوابين والمختار الثقفي وزيد بن علي والحسين بن علي الخير وكلها ثورات لم تكلل بالنجاح الا انها ساهمت مع ثورة الحسين في اسقاط الدولة الأموية على يد العباسيين.

واستمرت هذه الشعائر وسيلةً من وسائل التغيير التي ينشدها المجتمع عامة ومجتمع محبي ال البيت خاصة، فعند هؤلاء الشعائر ليس لأجل الشعائر، والحزن ليس لأجل الحزن، ورفع الرايات ليس لأجل رفع الرايات؛ وكذا المجالس والمآتم والزيارات، بل كلها وسائل مشروعة من اجل التغيير لما هو أفضل، وسائل للرفض، رفض الظلم والطغيان وسلب ارادة الامة، فكانت ولازالت قصائدهم ونواحهم، مجالسهم ونعيهم، لطمهم وهتافهم، كله هادف، حتى الصلاة على محمد وال محمد بصوت مرتفع كانت تعني لا للظلم، صرخة ياحسين في ركضة طويريج كانت تعني لا لحكم الظالمين، وكل ذلك تقرأه في ردة فعل الانظمة الحاكمة، فهي تمنع التجمعات في كل الشعائر الحسينية لأنها تدرك تماماً انها وسيلة للاعتراض على النظام الحاكم.

أما الفريق الآخر فظل يطالب بإقامة الشعائر المجردة عن كل هدف واعتبار ما حصل هو فاجعة بحق اهل البيت عامة والحسين عليه السلام خاصة يجب ان نستدر دموع محبيه فقط عبر اقامتها دون اي هدف آخر، لأن جر هذه الفاجعة الى أهداف تتمثل في العدالة الاجتماعية وأحقية الحكم ومنع الظلم سيقوض هذه الفاجعة ويسيسها، وهذا ما تعمل عليه ادوات الحكم عبر القرون ويلقى تشجيعاً من بعض اصحاب الشعائر لقناعات معينة ليس هنا محل ذكرها. فتناول المأساة عند هؤلاء لا يتعدى ذكر الفاجعة الاليمة وتفاصيلها المحزنة وكفى بذلك وفاءً لسيد الشهداء.

الشيء الايجابي في الشعائر الحسينية إنها متنوعة الابواب ومتعددة الجوانب لا يمكن لأصحاب الرأي الثاني ان يطوقوها بفهمهم القاصر فهناك المنابر طوال العام، وهناك الزيارات المخصوصة والمطلقة، وهناك مواكب العزاء المتنوعة، لطم، زنجيل، تقديم طعام، خدمات مبيت، وغيرها الكثير، حتى باتت القصائد في الاعوام الاخيرة تتعرض لهذا الوفاء والعزاء والكرم والسخاء للمعزين وتتعرض لمفاهيم شجاعة شهداء الطف وصولاتهم وبأسهم أكثر مما تتعرض لتفاصيل الفاجعة ومشاهدها المأساوية، وذلك نقلة نوعية في تقديري من شأنه ان يربي جيل على فهم الطف من زوايا اخرى غير زاوية العَبرة التي اعتاد عليها البعض لسنين طوال.

ولا يفوتني هنا ان أذكر ان الشعائر الحسينية بكل اجنحتها ومظاهرها تؤدي بالمحصلة الى التذكير بالحسين عليه السلام ومجرد ذكرى الحسين هو ذكر للتجديد والتغيير والمواجهة والرفض شاء من شاء وابى من ابى. فعلينا عدم المبالغة والخشية من القصائد غير الهادفة، والشعائر الخالية من وعي المرحلة وضروراتها فإنها تؤدي بالنتيجة للأصل الحسيني الهادف.

- أحمد جويد، مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات:

نحن نتكلم هنا بخصوص مسألة الإيمان والقصيدة الحسينية، وقد لاحظنا على مر التاريخ أن القصيدة استخدمها العرب بشكل خاص، في نقل حادثة معينة، ينظمها عن طريق الشعر، فتنتشر كالنار في الهشيم بين الناس، سواء بأسلوب المديح أو الرثاء أو الهجاء أو غيرها من ألوان وأوزان الشعر، حيث يتلقفها المتلقي بسرعة، ومنهم من يحفظ القصيدة بسماعها مرة واحدة أو مرتين، وهكذا كان الشعر بالنسبة للعرب.

وقد استخدم الحكام الشعراء أسوأ استخدام، وكانوا ينفقون عليهم الكثير من العطاء، وكان أغلب الشعراء في العصر القديم والحديث أيضا يبيعون ألسنتهم للمتنفذين وهناك شعراء يقفون أمام شيوخ عشائر وليس أمام حكام لمجرد عطاء بسيط وهو يرفع من شأن ذلك الشخص إلى مكانة لا يستحقها.

القصيدة الحسينية والشعراء الحسينيون جزاهم الله ألف خير، لهم فضل كبير في تأصيل هذه النهضة الحسينية في نفوس الناس، فحين كنا أطفالا ونسمع الشعر فنحفظه، حتى تاريخيا من الممكن أن الشعر يحفظ تفاصيل الواقعة، وقد لاحظنا حتى في اللغة العربية مثل ألفية بن مالك وغيرها نظموها عن طريق الشعر كي يتعلموها، لكن هنالك بعض الملاحظات حول القصيدة الحسينية أو بعض الشعارات.

وقد ذكر الأستاذ علي الخباز كثيرا من الآراء منها الفلسفة ومنها الفكر ومنها الوجدان، لكن قضية العقيدة الأمر يختلف، فالشاعر إذا لم يكن اليوم محصنا عقائديا، فالأمر محفوف بالمخاطر، أنا أستمع للشعر كثيرا، حتى قضية النعي استمع لها بشكل مستمر، وقد حفظت أحداث الواقعة والكل حفظوها أيضا، لكننا نحتاج إلى قضية الوجدان والدمعة والعاطفة خلال هذه الأيام العشرة من شهر محرم لكي نستذكر الواقعة.

بعض القصائد القديمة في ستينات وسبعينات القرن الماضي بالمقارنة مع القصائد الآن نجد هناك بعض الانحرافات عقائدية، مثلا قصيدة عن أبي الفضل العباس يريد الشاعر أن يمدحه لكنه يصل لنا العكس، مثلا (خويه ليش خنت بيّه)، وغيرها من الكلمات، لذلك يجب أن يلتفت الشاعر الحسيني لهذه الأمور.

لكي يكون للقصيدة دور اجتماعي يجب أن تؤكد على مشكلة، مثلا هناك الكثير من التحديات التي نواجهها الآن ومنها انحرافات عقائدية حول قضية الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، هناك كثيرون يدعون المهدوية، كذلك نلاحظ سلوكيات أخرى تمثل أيضا انحرافا عقائديا، القضية الأخرى الكلمات يجب أن تصل إلى المتلقي بشكل واضح وسلس ومفهوم، علما أن القصيدة عبارة عن إيحاء.

هناك شعراء مبدعون فعلا، يبدعون في صياغة القصيدة، ودائما أمثل الشاعر بالصائغ، هناك صائغ يصوغ الذهب بشكل جميل، والشاعر يجب أن يعرف مفردات القصيدة بشكل جيد.

ذكر الأخوة أهمية تركيز القصيدة على الثوابت والأخلاق وغيرها، وقد لاحظنا بعض القصائد حين يسمعها المتلقون يمكن أن يتوجهوا إلى الموت عن طريق هذه القصيدة، كما لاحظنا في عمليات القتال بالحشد الشعبي عبر المواكب مثل قصيدة نحن لا نهزم، فالقصيدة مؤثرة فعلا، وقد تجعلك تتوجه لساحات الموت بسبب قضايا عقائدية كبيرة.

نحتاج اليوم أن تدخل القصيدة الحسينية في مفردات، قد يضع البعض ملاحظة ما حولها، فيمكن أن تدخل في مناهج الدروس، يمكن اختيار بعض القصائد اللطيفة، ويمكن وضع دراسة بعنوان القضية العقائدية في الشعر الحسيني، أو القصيدة الوجدانية أو الفكرية أو غيرها.

- الدكتور حسين السرحان، باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:

ما هي المسؤولية الاجتماعية؟، وهل هي مسؤولية متقطعة أم مستمرة، فعملية البناء لا يمكن أن تتحقق بشكل متقطع، خلال شهرين ثم نتوقف عشرة شهور بعد ذلك نعود للعمل، هذا أمر غير ممكن، فالمسؤولية الاجتماعية تتضمن مسؤولية أخلاقية، ومسؤولية سياسية واقتصادية، مسؤولية تشمل كل جوانب الحياة، ونعلم جيدا أن كل قطاعات الحياة جميعها تساهم في بناء هذه المسؤولية وتعزيزها للوصول إلى رفاهية الفرد والأمة.

بالتالي أنا أختلف مع المحاضر بخصوص الفكر والوجدان، نعم نحن أمام واقعة مهمة وأليمة وتستحضر وجدانيا لتنقية الروح، لكن الجانب الفكري أراه مهم جدا وهو الأبرز لأنه لا نريد للقصيدة أن تكون ابنة محرم وصفر فقط، وباقي أيام السنة تكون بعيدة عن هذا الموضوع، الجانب الوجداني غالبا ما يرتبط بالجانب الطقوسي، بمعنى يبدأ خلال زيارة محرم أو خلال زيارة الأربعين وينتهي بعد ذلك.

لذلك نلاحظ بعد زيارة الأربعين ترجع الحياة كما كانت، بكل سلبياتها وأوضاعها رغم الجهود والصرفيات ورغم أن الدولة تكرس جهودها والعتبات تكرس جهودها والناس جميعا تعيش حالة من التكافل ونكران الذات لكن بعد الزيارة مباشرة، إذا خرجنا إلى طريق النجف أو الطريق الحولي سنلاحظ الأوساخ مكدسة بعض فوقها وهذا يعني أن الجهود المبذولة لم ترسخ شيئا في نفس الإنسان بسبب سيطرة الجانب الوجداني، لذا أرى أن الجانب الفكري مهم جدا إذا ما أردنا أن نجعل الأفراد أو نجعل القصيدة والأدب الحسيني له انعكاسات على السلوك الفردي، لأن المسؤولية الاجتماعية هي مسؤولية فردية إضافة إلى كونها مسؤولية اجتماعية.

المسؤولية الاجتماعية أو الجماعية لا يمكن أن تُخلَق أو تظهر من دون مسؤولية فردية، كل شخص يتحمل مسؤوليته، لذلك إذا تم تصحيح هذا الموضوع، وأردنا الاستفادة من الثورة الحسينية العظيمة ضد الفساد وضد الظلم، أرى أن الجانب الوجداني فيه خلل، كنت أتمنى من الأستاذ الباحث إجابة حول سؤال هل يقبل الأدب الحسيني النقد، وهل تقبل القصيدة الحسينية ما يطرحه النقاد عنها؟

أنا بصراحة أشك في ذلك والدليل أن هناك الكثير من القصائد فيها انحرافات عقائدية كما أشار بعض الأخوة إلى ذلك وفيها انقسامات وتبعث على العنف في مرات معينة، وتلغي الهوية الوطنية في مقابل تعزيز الهوية المذهبية الخاصة وهذه دلالة على أنه الجانب الفكري بعيد جدا عن نظم القصيدة عند بعض الشعراء وبعض الرواديد، ولذلك فإن تعزيز الجانب الفكري مهم جدا في قضية النهضة الحسينية.

لكن هذا الأمر يتطلب شعراء ملمين بالجانب الفكري والوعي التاريخي ومدركين لطبيعة الواقع الاجتماعي، فالواقع الاجتماعي ليس كاميرا ورادود يلقي قصيدة داخل الحسينية أو في الموكب فهذا لا يمثل الواقع الاجتماعي، بل هو جزء من كل، فنحن نحتاج إلى الجانب الفكري الموجود في النهضة الحسينية لمواجهة الظلم والخطأ والفساد والاستغلال والاستعباد، وفي مواجهة أي شيء يحط من كرامة الإنسان.

القضية الثانية قضية الإعلام، في زيارة الأربعين قبل الماضية حاولت أن أسمع أو أقرأ بعض الكتابات، أن الغرب يقوم بمؤامرة وكذا، ولأنني أمتلك إلمام بالترجمة ذهبت إلى المواقع الأخرى لأرى ماذا يكتبون عن الأربعين، فوجدت كتابات تشيد بالزيارة ولو أننا كتبنا مثلما هم يكتبون كان هذا أفضل لنا بكثير، حيث توجد كثير من الكتابات والكتاب اجتماعيين وأنثروبولوجيين وثقافيين ومفكرين في العالم يكتبون عن زيارة الأربعين كتابات تدعو للفخر تشير إلى أن الزيارة نوع من التكافل والتضحية ونوع من نكران الذات، والبذل والعطاء وهو شيء يبعث على الفخر، لذا لا يجب أن ننظر لهذا على أنه مؤامرة ويجب أن نصحح هذه النظرة لأن العالم ينتظر منا شيئا إيجابيا والفكر الحسيني شيء إيجابي.

كربلاء اليوم ليست محط الزائرين فقط، قبل شهر أو شهرين كان هناك وفد مكسيكي استقبلتهم أنا في كربلاء، كانوا يرومون الزيارة، نعم هم أناس مسيحيون وبعضهم دخل المراقد الشريفة ورأى بعينه وكتب عن ذلك ونقل تجربة وانطباع عن المرقد بشكل هائل وهو رجل غير مسلم ولا علاقة له بالدين، فقام بنقل شيء جيد، لذا علينا تعزيز هذا الجانب الجيد وندع العالم يتواصل معنا وينقل عنا الصورة المشرقة، وعدم اتهامه بالعمالة والضرر والعداء، وهذا يساعد على انتشار هذه الملحمة العظيمة.

- حسين المتروك، كاتب كويتي:

 التوعية الفكرية تنبع من المصدر وهُنا يكون الشاعر، لهذا نرى فقراً واضحاً عاماً، فالشاعر الذي لا يشتغل فعلياً في المجال الفكري تكون لديه ثغرة واضحة في مجال النص فلا يكون لدينا شعراً عميقاً، ولا نصاً مليئاً بالفتات الفكري الذي نطمح لتواجده. كما أننا أمام معضلة "الإبكاء" في هذا المطلب؛ من الضرورة اعادة احياء "قصيدة الگعيدة" لإيجاد مساحة واقعية ومقبولة لدى المتلقي بشرط اصلاح الشق الأول وهو "الشاعر".

بصناعة الوعي تُصنع التغيرات الاجتماعية، وبصناعة النموذج الواقعي الملامس لحياة المجتمع يمكننا احداث تغيير.

- حيدر الأجودي، باحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:

لقد كان الإعلام في ذلك الوقت بيد السلطة الحاكمة فكان يمرر الشبهات التي تعادي أهل البيت (سلام الله عليهم)، أعتقد من الشروط الأساسية التي يجب أن تتوفر عند المبلغ أو الشاعر الحسيني، أن يتحصن ويكون ذا ثقافة عالية واستقصاء دقيق للتاريخ، ويعتمد المصادر الموثوقة، ولا يعتمد على مخيلته التي لا تبنى على مصدر موثوق، وهو مهووس في استدرار الدمعة وبعد ذلك يغادر المجلس.

لذلك عليه أن يبني ثقافته من المصادر التاريخية الموثوقة حتى يكون مرتبطا بالفكر الصحيح، ويحقق الهدف المنشود، فمن أرد أن يوصل رسالة معينة إلى مجتمع معين، عليه أن يدرك حقيقة هذه الرسالة وأن يدرك تلك الرسالة بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة، ولا يكتفي بأن يروي حادث وينتهي الأمر.

نعم هنالك الكثير من الخطباء والمبلغين والشعراء يمتلكون المنهج الذي يخدم القضية الحسينية ولو من باب الاحتمالية، فقضية الإمام الحسين عليه السلام لا يدركها أحد، أي لا يستطيع أحد أن يدرك مفاهيمها العميقة ولكن الأهداف المحتملة لهذه القضية، فلا يخلو الوسط الشيعي من هؤلاء، ولكن هناك من سبب إثارة الكثير من الشبهات لأنهم يجهلون مثل هذه القضايا.

- حامد الجبوري، باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:

إن الحسين عليه السلام يقول: (ما خرجت أشرا ولا بطرا ولكن لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله)، وكذلك قال: (إن لم يكن لكم دين فكونوا أحرارا في دنياكم)، السؤال الذي نطرحه هنا، هل القصيدة الحسينية قادرة على خلق أناس أحرار وتحقيق الإصلاح في المجتمع، بالتزامن مع أن العاطفة زائلة والفكر باقٍ، هل تستطيع القصيدة أن تكون باقية بوجود القضية الحسينية ومضامينها؟

- محمد علاء الصافي، باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث:

في البدء لا أعتقد أن القصيدة أو الشعر تمثل حالة ترفيهية بقدر ما تكون حاجة فعلا، وقد تكون انعكاس للمجتمع، جميع الأمم ولا نقتصر الأمر على قضية الإمام الحسين (عليه السلام)، خاصة الشعوب العربية والإسلامية التي تميل عادة إلى التعبير واستخدام الأدب أكثر من غيرها، وهذا الشيء لا يرتبط بالقضية الدينية فقط، فكما هو معروف قبل الإسلام، كانت اللغة التي يتحدث بها العرب قد تكون شعرا، بحكم المعلقات الموجودة وانتشار الشعر وكثرة الشعراء.

فإذا عكسنا هذا الموضوع على العراق، كما يقول الشاعر الفلسطيني محمود درويش (إذا أردت أن تكون شاعرا يجب أن تكون عراقيا)، يعني يختصر قضية الشعر بأن حديث العراقي وكلامه هو الشعر، وبما أن قضية الإمام الحسين عليه السلام جرت في أرض العراق، والعراق يعشق الأدب والشعر فالقضية متوارثة من عدة حضارات في هذا الجانب، واستحضار العاطفة والحزن، كما فعل كلكامش على أنكيدو، والإله تموز، فلا أعتقد أن قضية الحزن تأتي من فراغ كما في قضية الإمام الحسين التي لها امتدادات كثيرة جدا، بالنتيجة هذا أدب يمثل ثقافة الشعب، وثقافة الشعب تميل فعلا إلى الحزن ولا تميل إلى الفرح.

نرى مثلا المصريين يميلون إلى الفرح تبعا لثقافتهم، وتميل إلى استحضار الأمور المفرحة أكثر من المحزنة بحكم الثقافة، وأعتقد أن القصيدة الحسينية لاقت النجاح والانتشار عند العراقيين أكثر من الشعوب الأخرى، صحيح أن القصيدة الحسينية موجودة في البحرين وفي لبنان وفي إيران وأفغانستان وباكستان وفي جميع الدول الموجود فيها محبي وأتباع أهل البيت، لكن القصيدة عند العراقيين أكثر استخداما وأكثر عطاءً وبالنتيجة أكثر انتشارا كذلك.

حتى أننا نلاحظ بأن الشعوب الأخرى تستخدم اللهجة العراقية أكثر من غيرها، وقد يكون السبب أن العراقيين هم أهل البلد وهو موطن الإمام الحسين (عليه السلام)، لذلك فإن انعكاسات العاطفة ارتبطت بالدرجة الأولى بأصل العراقيين الذين يحبون الحزن ويميلون نحو العاطفة والشجن، أما قضية الفكر، أنا لست ناقدا أدبيا لكن مجرد رأي قارئ ومتابع، أرى أن القصائد تبتعد عن الفكر بسبب أن واقع المجتمع مبتعد عن الفكر والثقافة، بمعنى أن اللوم والنقد الذي قد نوجهه إلى قصيدة معينة أو لشاعر معين أو رادود معين، لكن بالنتيجة هو يكتب ما يتلاءم مع هذا المجتمع.

فالقضية هي قضية عرض وطلب، خاصة شعراء وأدباء ما بعد 2003، حيث اتجهنا نحو ثقافة الاستهلاك، وهذا يختلف عن الشعراء والرواديد سابقا، فلو ذكرنا ألقابهم نجدها ترتبط بمعنى مثلا فلان الخباز أو فلان النجار فهؤلاء كانت لديهم مهن.

التعبير عن القضية الحسينية كانت تحصل من ضمن نشاطات المجتمع وليست وسيلة للاسترزاق، لذلك كان الحزن حقيقيا في القصيدة، وكان الهدف عميق جدا، ولا يمكن أن يباع ويشترى من قبل سلطة جائرة مثلا، أو سلطة فاسدة أو شخصية فاسدة، كما يحدث اليوم، من الممكن لأي شخص يمكنه أن يدعي الحزن على قضية أهل البيت رغم انه قد يكون متهما بالفساد أو بسلوك غير قويم، ومع ذلك يمكنه أن يقيم المجالس ويمكنه أن يجلب أي شاعر وأي رادود لتحسين صورته امام البسطاء.

فابتعدت القصيدة الحسينية عن القضية الأساسية، قضية الفكر والمبدأ، والرسالة التقويمية للمجتمع كما نلاحظ حاليا، كذلك يعتبر المعنيون الشعر أو الأدب اليوم او بقية الفنون تستخدم للعلاجات وكذلك تستخدم لترويض المجتمع وأيضا لزرع الأفكار الجيدة، لانه من الممكن أن نمتلك عالِما متمكنا جدا في الاقتصاد أو في العلوم الاجتماعية، لكنه لا يمكن أن يؤثر في المجتمع بقدر الشاعر الذي يستخدم العلوم الاجتماعية لإصلاح المجتمع في قضية النظافة ويحولها إلى قصيدة ويمكن أن يردد هذه القصيدة الصغار والكبار وتنعكس على سلوكياتهم في قضية النظافة مثلا أو الأمان أو الصدق أو الشجاعة وغيرها.

بالنتيجة التأثير الاجتماعي لبقية العلوم قد يرتبط بالشعر، وربما يحتاج إلى الشاعر العارف بهذه العلوم، بحسب قدرته على تحويلها إلى تجسيد حقيقي للقيم والمبادئ الحسينية المباركة.

التعليق على المداخلات

وبعد انتهاء مداخلات الحاضرين، ختم الاستاذ علي الخباز الحلقة النقاشية بالقول:

إن التأثير الإعلامي الشيعي موجود في كتاب اسمه (روح المعنى)، جاء عدد من المستبصرين من المغرب وتونس وفرنسا، هؤلاء لم يؤمنوا بالحسين عليه السلام لولا قوة الإعلام الشيعي، وقد فوجئت أن أحدهم أخبرني قائلا: (لقد تشيّعت بسبب تأثير موضوع منشور قرأته لكم).

أما مسألة حصر المنبر في الأربعين أو في عاشوراء فقط، فإننا رفضنا ذلك أيضا، لماذا نحصر الشعر في وقت عاشوراء فقط، ألا يوجد لدينا أدب مفرح الآن وهو أدب المواليد، لماذا لا نطلق المواليد على مدار السنة، ولماذا نحصرها في المصائبية فقط،.

اما الفارق في الشعر الحسيني ما قبل وما بعد 2003 فهو وجود التحدي، هذا التحدي لو أعيد الآن لتعاد الروح التي كانت آنذاك، وهذا هو الاتكّاء، فما هو معناه؟، معنى ذلك أن الشاعر الحسيني كان يشعر في السابق أنه وحده في الساحة، عليه أن يتحمل كل المسؤولية الإعلامية الحسينية، أما الآن فهناك منبر، وهناك مسرح وغيرها وهذا التنوع يخلق الاتكائية، وهناك مسألة تخص الأطفال، علينا أن نبدأ من هذا الجيل من الأطفال لتعزيز وترسيخ الذاكرة الحسينية فيهم، بالأمس رأيتُ طفلا زعلانا من أبيه وأمه، لماذا، لأنه يريد منهما أن يقيما له موكبا حسينيا رغم حالة العوز التي يعانون منها.

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2023
http://shrsc.com

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي