هكذا عرفنا الامام الحسين (ع)
باسم حسين الزيدي
2023-07-30 10:41
ان التأثير، "القدرة على احداث التغيير"، الذي صنعة الامام الحسين (عليه السلام) وشمل انعكاسه الافراد والمجتمعات وتجاوز باتساعه تعاقب الأزمنة واختلاف الأمكنة، كان ولا زال من خصائص النهضة الحسينية الخالدة، بأبعادها اللامحدودة، والتي رسمت الطريق واعطت الدرس، وأوضحت المثال لكل من يلوذ بالإمام الحسين الشهيد (عليه السلام) طلباً للتحرر من ربقة العبودية للباطل والمنكر والفساد وذل الخضوع للظلم والاستبداد، الى نسائم الحرية وطريق الحق ونيل السعادة.
لقد حارب الامام الحسين (عليه السلام) ليس في كربلاء وحدها، وليس مع ثلة قليلة من اهل بيته واصحابه، وليس في يوم العاشر من محرم الحرام لسنة (61) ه، بل ان جهاده للأعداء استهدف حقيقة الكفر والشر والنفاق في النفوس المريضة، وكشف الزيف والخداع والاباطيل التي ترفع باسم الحق.
لقد استهدف اسقاط الاصنام البشرية ومن يعبدها، واستنهاض الهمم ورفض الذل، "هيهات منا الذلة"، وازاحته من ان يعشش في النفوس، وكان هدفه من وراء ذلك هو حفظ كرامة الانسان وفطرته السليمة، وصون حريته من ان يكون بائساً بلا قيم او مبادئ او اهداف وهو القائل: "صبراً بني الكرام، فما الموت الا قنطرة تعبر بكم من البؤس والضراء الى الجنان الواسعة والنعيم الدائم".
الحق يقال ان صوت الامام الحسين (عليه السلام) وهو ينادي: "هل من ناصر ينصرني"، يعلو في كل يوم وساعة، ويتجدد مع كل صباح ومساء، وهو يمثل صرخة الحق ضد الباطل، وفضيلة الانسان الى الخير كله ضد رذيلة الشيطان الى الشر كله.
هذا هو الصراع القديم المتجدد، بين اهل الايمان بالقيم ومن لا قيم لهم، بين أصحاب المبادئ ومن لا مبادئ لهم، بين العاملين وصانعي الحياة وبين الفاشلين ومن لا حياة لهم، ولقد قال الحسين (عليه السلام) كلمته فيها، وثبت موقفه الخالد منها: "الا ترون الى الحق لا يعمل، والى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه حقاً حقا، فاني لا ارى الموت الا سعادة، والحياة مع الظالمين الا برما".
وقد صبر الامام الحسين (عليه السلام) على قلة الناصر وكثرة الأعداء، حتى ظفر بالنصر وحقق الفتح ضد الظالمين، واوقد الشرارة في قلوب الثائرين والاباة والتائقين الى الحرية والسعادة والتحرر من قيود الذل والهوان، لقد انتصر الحسين الشهيد (عليه السلام) بالكلمة الصادقة والموقف الشجاع والمبدأ الراسخ ضد اعدائه في كل زمان ومكان.
فيكفي ان يذكر اسم الامام الثائر في أي محفل يسعى للثورة ضد الاستبداد، او جماعة مستضعفة مظلومة تسعى لنيل حقوقها ممن ظلمها، حتى تتقد فيهم شعلة الحق والانتصار والثائر من الظالمين والفاسدين، او يذكر اسمه امام الظلمة المستبدين حتى ترجف قلوبهم وترتعد فرائصهم خوفاً ورعباً منه، ويكفي ان ترفع راية باسم الامام الحسين (عليه السلام) حتى يجتمع حولها المطالبين بحقوقهم والمضحين من اجل الصلاح والإصلاح.
هكذا عرفنا الامام الحسين (عليه السلام)، ثورة ضد كل ما يحط من قيمة الانسان وكرامته وعقله واخلاقه وفطرته، ثورة ضد الاستبداد والظلم والفساد والتجهيل الذي ينخر القيم والايمان والمبادئ ويحول المجتمع وافراده الى مجتمع جاهل وخاضع تحت حكم المتكبرين والظالمين.
وحد الامام الحسين (عليه السلام) كل الدعوات والرايات والكلمات تحت ظلال نهضته الخالدة في ارض الطف يوم عاشوراء، لقد استنهض الهمم وأعاد احياء النفوس وخرج الى ارض المعركة يطلب الفتح والنصر وهو يدرك تماماً انها اللحظة الحاسمة في ان تتخذ موقفاً مشرفاً تفضح فيه كل الباطل وأهله وتكشف زيف ادعائهم وانحرافهم، وجنوحهم عن جادة الصواب.
لان الضعف والانسحاب والتراجع عن نصرة الحق وأهله في هذه اللحظة يعني انهيار كل القيم والفضائل والمبادئ التي سعى لترسيخها المصلحون في الأرض، من الرسل والانبياء والاوصياء، وفي مقدمتهم الرسول الاعظم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه واله) الذي قال: "حسين مني وانا من حسين"، وهو يعلم ان خروج الامام الحسين (عليه السلام) سيعيد احياء وترسيخ ما حاول المبطلون هدمه بمعاول الانحراف.
لقد ذكر الامام الحسين (عليه السلام) هذه الحقيقة في وصية له قال فيها: "إني لم اخرج اشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وانما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي، اريد ان امر بالمعروف وانهي عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا اصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين"، وهي وصية في مضامينها الكثير من الاجوبة التي توضح المغزى من الخروج والهدف الذي استشهد من اجله.
ان الاستعداد للشهادة من اجل المبادئ هو العنوان الذي جمع كل البطولات في واقعة الطف الأليمة، التي خلدت لنا المواقف المشرفة في كل شبر فيها، حتى تحولت كربلاء وما جرى فيها عنوان لانتصار الإنسانية ضد اعدائها، وأصبحت بعد ذلك المنار لكل الاحرار في العالم، خصوصاً أولئك الرافضين للعبودية والخضوع او القبول بالظلم والظالمين.
سيبقى الامام الحسين (عليه السلام) خالداً بمواقفه التي انارت كل العقول، واحيت الضمائر، وازاحت ما ران على القلوب، وقربت المسافات نحو مسيرة الإصلاح، فقد مضى الامام الثائر على بصيرة من امره، بعد ان عبد طريق الهدى والصلاح بدمه المسفوك في ارض كربلاء، ودعا الجميع الى نصرته وعدم التخلي عن المبادئ التي خرج من اجلها واستشهد في سبيلها، فمن تبعه وخرج لنصرة الحق فقد اهتدى ووصل، ومن لم يخرج وقبل بالباطل والظلم فسيبقى طوال عمره خاضعاً لهوى النفس وذل العبودية وتسلط الظالمين.