المنبر الحسيني في عصر المعلومات
د. محمد فلحي
2023-07-27 07:54
في هذه الأيام من شهر محرم الحرام يستذكر المؤمنون واقعة الطف الأليمة، ويعبر كل منهم عن مشاعره الحزينة بطريقته الخاصة، وتسكب عبرات الكثيرين أمام قصة سيد الشهداء التي يرويها شيوخ المنبر الحسيني، بأساليب مؤثرة تهز القلوب، وتجعل من تلك الواقعة الرهيبة شعلة لا تنطفيء إلى الأبد.
وقد ظل المنبر الحسيني، خلال قرون مضت، مدرسة في الدين والأخلاق، ويكاد يكون المصدر الرئيس لإحياء واقعة كربلاء، لكن عصر المعلومات والتقنيات الجديدة فرض وفرة المصادر وتنوع الوسائل، ومن ثم فإن الجيل الحالي يتعامل مع منابر تقنية كثيرة، ينبغي أن تكون موضع اهتمام من قبل المهتمين، من أجل ايصال الخطاب الديني إلى الملايين، وقد اعجبني بعض الشيوخ الاجلاء الذين يحرصون على تسجيل محاضراتهم فيديواً، ونشرها عبر قنواتهم الخاصة في موقع (اليوتيوب) في شبكة الانترنيت، كما وجدت الكثير من الناشطين الشباب المنشدين(الرواديد) يضعون على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالأخص الفيس بوك، مقاطع فيلمية منتقاة، من القراءات الحسينية والقصائد الرائعة.
ومثلما تغيرت الوسائل، ينبغي أن يتغير مضمون الخطاب الديني وأسلوبه، فإذا كانت وظيفة المنبر الحسيني في الزمن السابق ترتكز على استدرار عواطف الحزن والبكاء من خلال رواية تلك الواقعة، فإن الخطاب الديني في عصر المعلومات يفترض ان يعتمد سرد الحقائق والوقائع التاريخية الموثقة والدلائل التي تخاطب العقول، وتبعث معاني الدين السليم، واعتماد الوعظ والإرشاد والنصيحة والتوجيه التربوي، وتجنب المبالغة والخيال المفرط، رغم أهمية التداخل بين العاطفي والعقلي في أغلب الموضوعات الدينية!
نحن أمام جيل مختلف يتعامل مع تقنيات مذهلة ويطرح أسئلة صعبة، وقد دفعني لإثارة هذا الموضوع سؤال أحرجني طرحه أحد طلبتي في الجامعة، وهو: أليس الإمام الحسين سيد الشهداء؟!
قلت: نعم؟!
قال: إن الله تعالى يقول: "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون".. إذن الإمام الشهيد الحسين عليه السلام يعيش بيننا فلماذا العويل والبكاء عبر المنابر والمواكب والفضائيات؟!
قلت: لعل الناس وجدوا في تلك العبرات عبرة وثواباً وشفاعة ووسيلة للتعبير عن محبة آل البيت النبوي الطاهرين، فهم معذورون في حزنهم ولكل منهم أسلوبه.
سكت الطالب، لكن علامات الاستفهام ظلت مرسومة على ملامحه!
ومن اجل تجديد خطاب المنبر الحسيني في عصر المعلومات وحرية الاعلام
نقترح ما يأتي:
١- اعتماد الروايات والاحاديث والقصص الموثقة في كتب التاريخ الرصينة في سرد قصة استشهاد الامام الحسين عليه السلام والظروف المحيطة بثورة الحسين.
٢- استخلاص العبر والدروس والقيم النبيلة وبخاصة قسم الشجاعة والشهادة والتضحية والإيثار والوفاء من قصة استشهاد الإمام الحسين وتوظيفها اجتماعيا وثقافيا واعلاميا في توعية الاجيال الجديدة واصلاح المجتمع وتحصينه من تيارات الردة والتخريب الفكري.
٣- تنقية الخطاب الديني المنبري من المبالغات والخرافات والبدع التي لا تتفق مع جوهر الدين الاسلامي والعقل والعلم ومخاطبة الناس بعقلانية وموضوعية الى جانب الشحنات العاطفية والوجدانية التي تجعل محبة اهل البيت الكرام نابضة في قلوبهم ومتجسدة في سلوكهم اليومي.
٤- استخدام الوسائل والتقنيات الرقمية التفاعلية في بث خطاب المنبر الحسيني والقصائد والأناشيد، وفق الاساليب الجديدة التي تراعي السرعة والانتشار ونوع الجمهور المستهدف، من اجل ايصال معاني ثورة الحسين الخالدة للأجيال الشابة.
٥- حسن اختيار خطباء المنبر الحسيني وتدريبهم على كيفية مخاطبة الجمهور والتأثير في العقول والنفوس، فهم الذين ينبغي يعبروا عن قيم الثورة الحسينية بطريقة مؤثرة في النفوس ومقنعة للعقول، من حيث السلوك والتواصل والتفاعل والمظهر والصوت والالقاء وفن السرد والاقناع، وتوفير فرص ظهورهم الاعلامي ونشر مقاطع قصيرة معبرة من احاديثهم لكي تتناغم مع عصر السرعة والومضة الالكترونية.
٦- تضمين المناهج الدراسية في كل المراحل قصص ودروس وعبر وقيم تجسد معاني الثورة الحسينية الخالدة، فهي ثورة في التربية والأخلاق، ولا قيمة للعلم والشهادة الدراسية دون ذلك الاطار القيمي الذي يجعل من العالم والمثقف خادما وقائدا وقدوة، ولعل ثورة الحسين تمثل ذلك المعين الذي لا ينضب لكل معاني الاصلاح والكرامة والشرف والتضحية.
٧- تفعيل الخطاب الإعلامي الديني الحسيني عبر وسائل الإعلام المحترمة، بطرق ابداعية مثل الدراما والانشاد والشعر والحوارات والمسابقات والمهرجانات، من اجل تنشأت الشباب على تلك القيم الخالدة المستخلصة من قصة ثورة الامام الحسين التي ينبغي ان تظل خالدة متوهجة في النفوس جيلا بعد جيل.
سلام الله على سيد الشهداء وعظم الله اجركم وحفظكم.