الصَّبرُ
عْاشُورْاءُ السَّنَةُ التَّاسِعةُ (٨)
نـــــزار حيدر
2022-08-07 07:18
الصَّبرُ نعمةٌ إِلهيَّةٌ عظيمةٌ يُقسِّمُها الله تعالى على عبادهِ حسبَ إِرادتهِم وعزيمتهِم وتحمُّلهِم لأَعباءِ الرِّسالة والمسؤُوليَّة وكذلك حسبَ المكانةِ والدَّور والأَداء.
ولقد بشَّرَ ربُّ العزَّةِ الصابرينَ بقَولهِ {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} و {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} و {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
وصبرُ الحُسين السِّبط (ع) هوَ مِن أَعظمِ الصَّبرِ، لأَنَّ رسالتهِ وهدفهِ وأَدواتهِ وتحدِّياتهِ وتضحياتهِ كانت عظيمةً، فلقد رزقهُ الله تعالى صبراً ليواجهَ بهِ؛
أ/ الخُذلان
ب/ النِّفاق
ج/ الجرائم البشِعة التي ارتكبَها الأَمويُّون بحقِّهِ وبحقِّ أَهلِ بيتهِ وأَصحابهِ في يومِ عاشُوراء في كربلاء وما بعدَ كربلاء.
د/ الزَّيف والتَّضليل الذي واجههُ بهِ أَقرب المُقرَّبينَ إِليهِ والكثيرِ من [الصَّحابة والتَّابعين والقرَّاء].
هـ/ التَّثبيطُ والتَّجبينُ [العظيم] والمُستمر والأَراجيف التي استظلَّ بها المُجتمعِ [المُسلم].
ولولا صبرُ الحُسين السِّبط (ع) لانهارت عاشُوراء وانمحَت رسالتَها ولِما وثِقَ أَحدٌ بقِيمِها ومبادئِها.
وهكذا هو الصَّبرُ فبعضُنا يصبِرُ على سرٍّ مثلاً ليومَينِ فقط وآخر يصبِرُ عليهِ لإِسبوعَينِ وثالث يصبِرُ عليهِ كُلَّ الدَّهرِ حتَّى إِذا هدَّدُوهُ بالقتلِ!.
والصَّبرُ رزقٌ إِلهيٌّ وتربيةٌ.
فأَمَّا الجانبُ الغيبيِّ فبيدِ الله تعالى ليسَ لنا دخلٌ فيهِ، إِنَّما دخلُنا في البعدِ التَّربويِّ، وهو الأَمرُ الذي يحتاجُ إِلى أَن نتخلَّقَ بهِ من خلالِ أَن نُحدِّثَ بهِ أَنفسنا يوماً بعد آخر.
يلزم أَن نُعلِّمَ أَطفالنا على الصَّبرِ وعدم الضَّجر والإِستعجال ونُربِّيهم على التحمُّل خاصةً في هذا الزَّمن الخطير الذي قد يُكلِّف كشفَ السرِّ حياتنا ويُربِك علاقاتنا الأُسريَّةِ والإِجتماعيَّةِ على حدٍّ سواء.
فإِذا سمعَ الأَبُ إِبنهُ يُفشي سرّاً عائليّاً فعليهِ أَن يُنبِّههُ ويشرح لهُ خطأ تصرُّفهُ وخطرهُ ويُعلِّمهُ أَن لا يُثرثِرَ بكُلِّ ما يعرف ومعنى أَن يحتفظَ بالسرِّ والآثار السيِّئة التي تترتَّب على إِفشائهِ للسِّر.
وهكذا الأُم إِذا سمعت بنتَها تُفشي أَسرارها الخاصَّة أَو العائليَّة لأَيٍّ كان حتَّى إِذا كانَ ذلكَ أَخوها أَو أُختها، لأَنَّ البنت التي لا تتعلَّم كُتمانَ السِّرِّ على أُختِها أَو أَخيها فلن تتعلَّم كُتمانهُ عن الآخرين.
وهكذا الولدُ.
وإِنَّ من أَهمِّ الموارد التي نحتاج فيها للصَّبر، هو الإِختلاف والخِلاف والنِّزاعات التي تحصل في المُجتمعِ الواحد أَو الجماعةِ الواحدةِ، فلقد قال تعالى {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
هذا يعني أَنَّك إِذا رأَيتَ قَوماً يتنازعُونَ في أَمرٍ ما أَو يختلفُونَ في رأيٍ أَو فكرةٍ ما وقد تحوَّلَ خلافهُم إِلى صراعاتٍ وتسقيطٍ وتشهيرٍ وسبٍّ وقذفٍ فتأَكَّد بأَنَّهم لا يتسلَّحونَ بالصَّبرِ الذي يؤَهِّلهُم لحملِ بعضهِم البعضِ الآخر على محامِلِ الجدِّ والحَسن.
أَلا ترى أَنَّ كُلَّ خلافٍ بين اثنينِ مهما كان تافهاً يتحوَّل عادةً إِلى قذفٍ وتشهيرٍ؟! لِماذا؟! لأَنَّ الطَّرفَينِ لا يتمتَّعانِ بأَدنى مُستويات الصَّبر ولذلكَ يخرجان عن المألوفِ، ولهذا فمِنَ الصَّعبِ ورُبما من المُستحيلِ أَن تصلَ خلافاتِنا إِلى نِهاياتٍ سعيدةٍ أَو على الأَقلِّ حسنةٍ، بل العكس فإِنَّ كُلفة كُلَّ خلافاتِنا قطيعةً وانشقاقٍ إِن لم تكُن دماء ودمُوع وأَيتام وأَرامل!.
ومن مواردِ الصَّبرِ المهمَّة التي نحتاجها هي عندَ البلاء والمُصيبة.
إِنَّ الدُّنيا مليئةٌ بالمصائبِ بشتَّى أَشكالِها ولا يمكنُ لأَحدٍ أَن يهربَ منها أَيَّاً كان، نبيّاً أَم إِنساناً عاديّاً، عالِماً أَم جاهلاً، غنيّاً أَم فقيراً، حاكِماً أَم محكوماً، ولذلكَ فإِنَّ البديلَ عن الهربِ منها، وهوَ مُستحيلٌ، تحمُّلها والصَّبرِ عليها كما في قولهِ تعالى {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}.
وكُلَّما كانَ الصَّبرُ عليها أَشد كانت آثارها الجانبيَّة أَقل والعكسُ هوَ الصَّحيح.
يَقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {مَنْ صَبَرَ صَبْرَ الْأَحْرَارِ وَإِلَّا سَلَا سُلُوَّ الْأَغْمَارِ}.
وليسَ المقصودُ بالصَّبرِ على المُصيبةِ الهربَ منها أَو تجاهلَها أَبداً وإِنَّما يكونُ في أَحيان كثيرةٍ بالتصدِّي لها ودفعِ الثَّمنِ من أَجلِ إِصلاحِ ظُروفِها وعواملِها، كما كانَ مَوقف الحُسين السِّبط (ع) عندما ابتُليت الأُمَّة براعٍ فاسدٍ مثل يزيد وهوَ القائِل لمَروان بن الحكَم الذي [نصحهُ] ببيعةِ يزيدٍ {على الإِسلام السَّلام، إذا بُلِيَت الأُمَّة بِراعٍ مثلَ يزيد، ولقد سَمِعتُ جدي رسولَ الله (ص) يقولُ {الخِلافةُ مُحرَّمةٌ على آل أَبي سُفيان، فإِذا رأَيتُم مُعاوية على مِنبري فابقرُوا بَطنَهُ} وقد رآهُ أَهلُ المدينةَ على المنبرِ فلم يبقرُوا بطنهُ، فابتلاهُمُ الله بيزيدٍ الفاسِق).
إِنَّ صاحبَ الرِّسالة يحتاجُ إِلى التسلُّح بالصَّبرِ في ثلاثِ مراحلَ هي مرحلةُ التَّبليغِ ومرحلةُ الإِستقامةِ ومرحلةُ الدَّيمومةِ.
لا يكفي أَن تصبرَ على الرِّسالةِ في واحدةٍ من هذهِ المراحل فـ {إِنَّما الأَعمالُ بخواتيمِها} كما في الحديثِ الشَّريفِ عن رسُولِ الله (ص) ولذلكَ قالَ تعالى {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}.
ولقد جاءَ في زيارةِ الحُسين السِّبط (ع) قولُ المعصُومِ {اَشْهَدُ اَنَّكَ قَدْ اَقَمْتَ الصَّلاةَ وَآتَيْتَ الزَّكاةَ، وَاَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَيْتَ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَاَطَعْتَ اللهَ وَرَسُولَهُ حَتّى اَتاكَ الْيَقينُ}.