واقعة كربلاء: نهضة لتغيير الواقع من الظلم إلى العدل
مصطفى ملا هذال
2021-08-17 11:54
أكد القرآن الكريم مرارا وتكرارا على ضرورة الابتعاد عن الظلم ووصف الظالمين بشتى الاوصاف، ناهيا بصورة جازمة عن ممارسة هذه الافعال كونها تخرج متبعها من الفطرة السليمة وتحوله الى بشر مسلوب الرحمة ولا يعرف الإنسانية التي منح دون غيره.
فالظلم يعتبر من أكثر الآفات خطرا على المجتمعات، وسبيل من سبل التفكك والانهيار، خصوصا إذا طال هذا الظلم اهل بيت النبوة والعترة الطاهرة عليهم السلام، فما حصل في كربلاء ظهيرة العاشر من المحرم، لا يحتاج الى إثبات، اذ يعد دليلا واضحا كالشمس في عز القيض، على حصول انتكاسة في ركن من اركان حفظ كرامة الانسان وحقوقه المصونة.
في أي مجتمع يسود الظلم يقابله سيادة كاملة وبنفس النسبة لسلب حقوق الانسان، وزعزعة الاستقرار الاجتماعي والاعتداء على الحريات الخاصة والعامة، ويحصل هذا بالتوازي مع انتشار الظالمين والمفسدين الذين ينتهكون الحقوق بدم بارد، ويعتدون على المبادئ العامة التي وضعت للأفراد لتنظم حياتهم وتحميهم من غطرسة الآخرين الذين لا يردعهم الرادع الديني ولا الأخلاقي.
فالظلم يكاد يكون من اشد التصرفات التي يحاسب عليها الله عباده يوم الميعاد، لن الظلم له ارتدادات على حياة الافراد والمجتمع بصورة عامة، فلا ينحصر الظلم بشخص او فئة دون غيرها، وطالما هنالك ظلم يجري بصورة مستمرة، فمن الصعب إيقافه عند حد معين او منعه من التفشي بين صفوف الناس، وبذلك يصبح ظاهرة من المتعب جدا السيطرة عليها او التحكم بها.
لذلك جاءت الدعوة الإسلامية ناهية بكل بنودها عن الظلم بجميع اشكاله، ومن هنا شرع الامام الحسين عليه السلام بثورته الإصلاحية الخالدة التي اُريد منها القضاء على التميز العنصري وردم الفوارق الطبقية ومحاربة جميع الظواهر التي لا تمت للإنسانية لا من قريب او بعيد، وبذلك استقام دين محمد صلى الله عليه وآله، الذي غُيبت ركائزه السامية وكسرت قواعده السليمة، وانقلبت الموازين، وضاقت الأرض بما رحبت على الاحرار الذين رفضوا الذل والخضوع للظالمين.
الظلم بأشكاله المتعددة مرفوض ولا يمكن لاحد ان يقبله او يستسيغه، وأخطر أنواع الظلم عندما يكون صادرا من الحكام الذين ترجع إليهم زمام أمور الامة، وهنا لا يجب السكوت، والاقدام على النطق بالحق ورفضه، وان كلف الامر فقدان الحياة، لذلك عندما لاحظ الامام الحسين عليه السلام ان يزيد بن معاوية اوغل بالحكم، واستبد بممارسة الظلم على الرعية أعلن ثورته وبين دوافع نهضته التي ردعت الظالمين وانتصرت للمظلومين.
وما نعيشه اليوم من ظلم هو امتداد للعصر الذي وقف فيه الامام الحسين عليه السلام ثائرا بوجه الظالمين، فمرتكزات الظلم هي نفسها على مر التاريخ وان اختلفت بعض التفاصيل، لكنها بالنهاية تقود الى نفس النتيجة، وهي القهر والحرمان، وانتهاك الحقوق.
الظلم الذي استشرى بالمجتمع الإسلامي أدرك الحسين عليه السلام انه لا يمكن القضاء عليه بالأساليب السلمية، لأن الظالم لا يعرف المنطق ولا يقترب منه مطلقا، وهو ما حتم اندلاع الثورة ضد الحكم الاموي، فسيد الشهداء لم يتردد في اتخاذ قرار الشهادة، وإعلان الثورة، لأن الحفاظ على الدين، وفضح دعاوى الظالمين، والثبات على القيم والمبادئ أهم من الحياة في ظل الظلم والاستبداد والقهر والذل.
ولا ينحصر الظلم بتصرفات الحكومة او الجهات المسؤولة فقد يمارس رب الاسرة أبشع درجات الظلم بحق افراد اسرته، وهو ما يندرج تحت مسمى العنف الاسري الذي تسبب بزهق الأرواح عبر الانتحار وإلحاق الاذية بالنفس في سبيل الخلاص من الحياة القاهرة، فضلا عن التقصير بحق هذه الاسرة وعدم توفير ابسط ضروريات الحياة.
وقد يمارس الظلم من قبل مدير دائرة بحق موظفيه فيميز بعضهم على بعض، ما يخلق حالة من عدم الاريحية في العمل ونشوب المشاكل التي تربكه وتكهرب الأجواء، ومن ثم الدخول بدوامة الخلافات والانصراف وراء إيجاد الحلول لها بعيدا عن العمل وتحسين الأداء خدمة للمجتمع الذي وضعه الامام الحسين عليه السلام نصب عينيه واراد إرساء دعائم محاربة الظلم والباطل فيه.
في المقاييس الطبيعية فان الامام الحسين عليه السلام لم ينتصر في واقعة كربلاء، وان الغلبة كانت لجيش يزيد بالدم، لكن في المقاييس الأخرى ان النهضة الحسينية هي منظومة قيم لا يمكن ان تموت او تهزم في عصر من العصور، فهي تعني العمل بمختلف الوسائل والآليات الممكنة لتغيير الواقع من الظلم إلى العدل، ومن الفساد إلى الإصلاح، ومن الجور إلى الإحسان، ومن انتهاك الحقوق إلى ضمانها والدفاع عنها، وهذا هو سر ديمومتها وبقاءها على قيد الحياة لأكثر من ألف واربعمئة عام.