الاخلاق ثيمة عاشورائية متفردة
عزيز ملا هذال
2021-08-15 08:42
قيمة المرء الحقيقية تقدر بما يمتلك من الاخلاق اولا ومن ثم اعماله وعلمه ومنجزه في جميع مرافق الحياة، وعلم الاخلاق واحد من اهم العلوم ان لم يكن أشرفها فهو يهتم بأن يكون الانسان ذو خلق قبل ان يكون عالماً او فقيهاً او رياضياً مشهوراً او حتى لاعب كرة محترف او طبيب او مهندس او تربوي، فبقاء وسمو اية امة مرهون بوجود الأخلاق في سلوكيات ابناءها.
الكثير من الدراسات الانسانية سيما التربوية والاجتماعية اهتمت بدراسة الاخلاق كسلوك يحكم الطبيعة الانسانية عبر التأريخ منذ ان خلق الانسان حتى يومنا الذي نعيش، وهذا الاهتمام منحدر من ارتباطها بسلوكيات الانسان في جميع تفصيلاتها، كما اهتمت جميع الاديان السماوية والمذاهب الفلسفية والفكرية بدراستها والعمل على توظيفها لتكون ضابط للسلوكيات العامة والخاصة للانسان.
ثورة الامام الحسين بن علي (ع) في كربلاء كانت احد الاساسات الصلدة التي نشأت بدافع اخلاقي بحت اذا رأى من الاخلاق ان يتصدى هو للظلم بنفسه ويدافع عن دين نبيه وعن المستضعفين الذين لم يتمكنوا من رفضه والوقوف بوجه لان السلطة الاموية قوية ودموية، فكان سلوك سيد الشهداء عليه السلام وسيرته الأخلاقيّة تعكس سمو نفسه وتربيته في حجر جدّه محمّد (صلّى الله عليه وآله) وأبيه علي (عليه السلام)، وتجسيده للقرآن الكريم في عمله وأخلاقه.
اخلاق الامام الحسين (عليه السلام) وسجاياه الكريمة في الطف تجسدت في ميادين مواقف مختلفة كقيم أخلاقية سامية منها:
حين رفض رفضاً قاطعاً ان يبايع يزيد وفضل الخروج من مدينة جده الذي يكن لها الحب العظيم وقبل بالخروج الى كربلاء مع علمه فيما سيدور فيها من عطش وحصار وسبي لعياله ومختلف التحديات، وكان بمقدوره ان يقبل المبايعة ويحفظ دمه واهل بيته ويحظى بملك وامتيازات كبيرة غير انه ابى ان يكون مطية للمغريات وقدم ما قدم من اجل التمسك بالقيم والمبادئ والاخلاق.
الايثار الذي تفرد به الامام الحسين (عليه السلام) هو احد ابرز اوجه الاخلاق ومن اعظمها والإيثار يعني الفداء وتقديم مصلحة الاخرين على النفس والمصلحة الشخصية، فقد تمثل قيمة الايثار بكربلاء عبر بذل الحسين واهل بيته وانصاره انفسهم في سبيل استقامة ما كان يعتقدونه يجب ان يبقى حياً (دين النبي محمد) (صلى الله عليه واله وسلم)، وفي صورة اخرى للإيثار حدثت بكربلاء هي ان الحسين (عليه السلام) حيث قدم الحصان لشرب الماء قبله رغم عطشه الشديد كما تشير العديد من الروايات وهو يقول (لا اشرب حتى تشرب)، فمن منا يقدم حيوانه على نفسه وهو في اشد الحاجه الى ما قدم اليه؟، انه الخلق المحمدي الرفيع كيف لا وهو ابن من وربي في حضن من؟
ومن اخلاق الامام الحسين (عليه السلام) وفي ليلة عاشوراء حيث رفع عن انصاره التكليف لينجوا بأنفسهم برضا منه محاولاً ان يبعدهم عن الحرج فيما لو ارادوا الانسحاب حين خاطبهم (ألا وإنّي قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حلٍّ ليس عليكم منّي ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً)، لكنهم لوفائهم واخلاصهم للمبدأ وصاحبه رفضوا الانسحاب وكان لهم جزاء من الله فهم خالدون في نفوس الاحرار في كل مكان وزمان.
المروءة والشهامة من الصفات الاخلاقية التي جسدها الامام الحسين (عليه السلام) وانصاره في كربلاء عبر رفضه للطغاة وعدم الانصياع للظلم والبذل من اجل الحرية وتجنب الغدر والدفاع عن الضعفاء وعدم التعرض للأبرياء، ويعترف بالحق الإنساني للآخرين. هذه الأمور كلّها تعتبر من معالم الشهامة والمروءة التي تجسدت على أرض الطف، وجميع هذه السلوكيات تنم عن خلق عظيم لانسان عظيم.
ومن القيم الأخلاقية عند الامام (عليه السلام) انه لما لقي جيش الحر وقد أضرّ بهم العطش أمر بسقيهم الماء هم وخيلهم، على الرغم من أنّهم جاءوا لمجابهته واغلاق الطريق عليه، هكذا هي اخلاق من تربى في حجر الاسلام ورضع من صدر الايمان.
خلاصة القول، ان الثورة الحسينية ملحمة تاريخية سطرت بسلوكيات أخلاقية، تعد منهجاً مكملاً لأخلاق بيت النبوّة لتمتد الى جميع مفاصل الحياة التربوية والاجتماعية والدينية والأخلاقية والاقتصادية، كما انها عكست الواقع الاخلاقي الذي عاشه الامام وحاول ان يجعله منهجا حياتياً لمن بعده وقد أفلح في ذلك الى حد بعيد، وهذا هو النتاج الجميل.