عبد الله الرضيع: الشاهد الحي

عبد الامير رويح

2020-08-29 05:13

عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب، المعروف بعبد الله الرضيع هو أصغر شهيد في معركة كربلاء. ولد بمقتضى الحساب وكما نقلت بعض المصادر، في شهر رجب عام 60 للهجرة واستشهد مع والده واخوانه وعمه العباس بن علي بن أبي طالب في يوم عاشوراء وعمره حوالي ستة أشهر في معركة كربلاء بسهم من حرملة بن كاهل الأسدي ودفن في كربلاء.

عبد الله الرضيع(ع) كان اصغر شاهد على كفر عصابة يزيد بن معاوية(لعنه الله)، اتّباع الباطل ممن غرتهم الدنيا واعمتهم المناصب، ومنهم عمر بن سعد بن أبي وقاص (لعنه الله) أول من أطلق سهماً باتجاه معسكر الإمام الحسين عليه السلام وهو يردد (اشهدوا لي عند الأمير بأني أول من رمى) والذي كان يحلم بملك الري، تلك الجائزة التي وعد بها مقابل قتله الإمام الحسين (ع) واهل بيته وأصحابه ومنهم ذلك الطفل الرضيع العطشان.

فقضية استشهاد عبد الله الرضيع(ع) هي دليل واضح على اجرام ووحشية معسكر الكفر وحقد السلطة الأموية على ابناء رسول الله (ص) فهم لم يرحموا حتى ذلك الطفل المسالم، فـ(عبد الله الرضيع) وبحسب العقل لم يكن يشكل خطراً على ذلك الجيش الجرار وقادته الاشرار، الذين عبروا عن حقدهم الدفين بقتلهم عبدالله الرضيع (ع) من اجل احراق قلب سبط النبي وسيد شباب اهل الجنة.

وتفاصيل تلك القضية كما نقلتها الروايات انه وبعد ان عاد الإمام الحسين(عليه السلام) إلى المخيم ليودّع عياله، وإذا بعقيلة الهاشميين زينب الكبرى(عليها السلام) استقبلته بعبد الله الرضيع قائلةً: أخي، يا أبا عبد الله، هذا الطفل قد جفّ حليب أُمّه، فاذهب به إلى القوم، علّهم يسقوه قليلاً من الماء، فأخذه منها وجعل يقبّله وهو يقول: ويل لهؤلاء القوم إذا كان جدُّك محمّد المصطفى خصمهم.

ثمّ خرج راجلاً يحمل الطفل الرضيع، وكان يظلّله من حرارة الشمس، فقال(عليه السلام): أيّها الناس، إن كان ذنب للكبار فما ذنب الصغار، وهنا اختلف القوم فيما بينهم، فمنهم مَن قال: لا تسقوه، ومنهم مَن قال: أُسقوه، ومنهم مَن قال: لا تُبقوا لأهل هذا البيت باقية، عندها التفت عمر بن سعد إلى حرملة بن كاهل الأسدي(لعنهما الله) وقال له: يا حرملة، اقطع نزاع القوم.

يقول حرملة: فهمت كلام الأمير، فسدّدت السهم في كبد القوس، وصرت انتظر أين أرميه، فبينما أنا كذلك إذ لاحت منّي التفاتة إلى رقبة الطفل، وهي تلمع على عضد أبيه الحسين(عليه السلام) كأنّها إبريق فضّة، عندها رميته بالسهم، فلمّا وصل إليه السهم ذبحه من الوريد إلى الوريد، وكان الرضيع مغمىً عليه من شدّة الظمأ، فلمّا أحس بحرارة السهم رفع يديه من تحت قماطه واعتنق أباه الحسين(عليه السلام)، وصار يرفرف بين يديه كالطير المذبوح.

عندئذٍ وضع الحسين(عليه السلام) يده تحت نحر الرضيع حتّى امتلأت دماً، ورمى بها نحو السماء قائلاً: اللّهم لا يكن عليك أَهون من فصيلِ ناقة صالح. ثمّ قال: هوّن عليّ ما نزل بي أنّه بعين الله. قال الإمام الباقر(عليه السلام): فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض. وسمع(عليه السلام) قائلاً يقول: دعه يا حسين فإن له مُرضِعاً في الجنّة.

جريمة قتل الطفل الرضيع لم تكن جريمة كسائر الجرائم، بل هي شاهد حي على عظم وصدق الثورة الحسينية، تلك الثورة الاصلاحية الخالدة التي قادها الامام الحسين(عليه السلام) من اجل إنقاذ الدين وإحياء الشريعة واصلاح الأمة وقد اكدها بقوله : ” إني لم اخرج اشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، إنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، اريد ان آمر بالمعروف وانهي عن المنكر.

كما ان هذه الجريمة هي ايضاً دليل واضح على كفر وفساد يزيد (لعنه الله) الذي استباح محارم الله وارتكاب أبشع الجرائم في التاريخ، والتي يحاول البعض تزيفها من خلال قلب الحقائق وتغير الوقائع التاريخية، والعمل على تبرير تلك الجرائم من اجل الحصول على مكاسب شخصية، فمن يعمد على قتل الاطفال من اجل السلطة والمال هو مجرم وخارج عن الاسلام و رسالته الانسانية السمحاء، فالطفل الرضيع (ع) كان الحجة الكبرى لمظلومية الامام الحسين(عليه السلام) الذي حمل كل قيم وتعاليم الدين الحنيف وسعى الى تثبيت القيم الانسانية.

واخيرا نقول: السلام على عبد الله بن الحسين، الطفل الرضيع، المرمي الصريع، المتشحط دما، المصعد دمه في السماء، المذبوح في حجر أبيه، لعن الله راميه حرملة بن كاهل الأسدي وذويه.

مـاذا يُـهيجُك إن صبرتَ...لـوقعة الـطف الفظيعة

أتــرى تـجئ فـجيعةٌ... بأمض من تلك الفجيعة

حيث الحسينُ على الثرى...خيلُ‌ العدى طحنت ضلوعه

قـتـلـته آلُ أمــيـة.....ضام إلى جنب الشريعة

ورضـيعُهُ بـدم الـوريد....مـخضبٌ فاطلب رضيعه

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي