من لا يصلح نفسه لا يصلح غيره

نـــــزار حيدر

2018-10-23 04:30

إِنَّ الإِصلاح والخروج والثَّورة والإِنتفاضة لتحقيقِ التَّغيير المرجو على مستويَين؛ الفردي والمُجتمعي، فإِذا كُنت عاجزاً عن تحقيقهِ على المُستوى الثَّاني فهذا لا يُلغيه على الصَّعيد الأَوَّل، بل إِنَّ تحقيقهُ على المُستوى الأَوَّل هو الطَّريق والمُقدِّمة الضروريَّة والواجبة لتحقيقهِ على المُستوى الثَّاني، ولذلكَ وردَ في القرآن الكريم {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} وقولهُ تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وفِي الآية ردٌّ حازمٌ جازمٌ على من يتعذَّر بفسادِ المُجتمع ليُفسدَ وشعارهُ [وهل بقِيَت عليَّ].

إِنَّ مُعادلة تغيير الذَّات أَوَّلاً هي معادلة عقليَّة ومنطقيَّة وواقعيَّة فضلاً عن كونِها أَخلاقيَّة ودينيَّة، يشهدُ لها كلَّ عمليَّات التَّغيير التاريخيَّة التي مرَّت بالبشريَّة، فالفاسدُ لا يمكنهُ أَن يُصلحَ ويكافح فساد المُجتمع أَو السُّلطة، والمُرتشي لا يمكنهُ أَن يمنعَ المُجتمع عن التَّعامل بالرَّشوة، والكذَّاب الذي لا يلتزم بوعدٍ قطعهُ ولا يفي بعهدٍ عهدهُ لا يمكنهُ أَبداً أَن يقنعَ الناسَّ بضررِ الكَذب والحِنث باليمينِ والإِنقلاب على العهُود والمواثيق، والجبانُ الذي يخافُ الموت لا يقدر على إِقناعِ المُجتمع بضرورة التَّضحية من أَجل الإِصلاح والبخيلُ كذلكَ يفشلُ في إِقناعِ المُجتمع بأَهميَّة ووجُوب الإِنفاق والبذل من أَجل التَّغيير والإِصلاح وهكذا.

إِذن؛ تغيير الذَّات أَوَّلاً، والذي مصداقهُ الإِصلاح الذَّاتي كما وردَ في الآيات القرآنيَّة التَّالية؛

{وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} {لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا}.

إِذا تحقَّق إِصلاح الذَّات وتغييرها يعقبُها بعد ذَلِكَ إِصلاح المُجتمع، كما في الآيات القرآنيَّة الكريمة؛

{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ

أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ} {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.

ولقد حقَّقت عاشوراء ذَلِكَ على المستوَيَين الفردي والمُجتمعي؛

على الصَّعيد الفردي تميَّز رجالُ كربلاء بكلِّ قِيم السَّماء وصِفات الرِّسالة ومناقبيَّات المُصلح، وعلى مُختلفِ الأَصعدة وعلى رأسها الإِيمان المُطلق بالقضيَّة واليقين بصحَّة الهدف والثِّقة بالنَّتيجة، بالإِضافةِ إِلى العدل والصِّدق والشَّجاعة والتَّعاون على الخَير والتَّقوى والإِيثار والإِستعداد وغير ذَلِكَ من الأَخلاقيَّات التي تدلُّ بشَكلٍ واضحٍ على أَنَّ أَصحابها غيَّروا ذواتهُم بما يمكِّنهُم من دعوة المُجتمع للتَّغيير والإِصلاح!.

لم يستطع أَحدٌ أَبداً في طعنهِم بخصلةٍ أَو تعييرِهم في صفةٍ، كما لم يكونُوا في مغمزٍ أَبداً!.

فكانَ الحُسينُ السِّبط (ع) جديراً بها عندما قَالَ {وَأَنا أَحقُّ مَن غَيَّر} وقولهُ {نَفسي مَعَ أَنفسِكُم وأَهلي مَعَ أَهلِيكُم ولَكُم فِيَّ أُسوَةٌ}.

على الصَّعيد المُجتمعي فلقد هزَّت عاشوراء المُجتمع [المُسلم] آنئذٍ فنبَّهتهُ إِلى عِظم الجريمة التي ارتكبها والإِنحراف الأَخلاقي والعَقدي الذي أُصيب بهِ عندما تركَ الحُسين السِّبط (ع) وحدهُ لم ينصرهُ أَو يمكِّنهُ من إِنجاز مهمَّتهِ الربانيَّة والإِنسانيَّة! وقبِل بالطَّاغيةِ الأَرعن يزيد خليفةً له!.

أَمَّا الذين لم يبذلُوا جُهداً لتغيير الذَّات ثمَّ يُحاولُون تغيير العالَم فهؤُلاء واهمُون!.

إِنَّهم إِمَّا أَن يكونُوا جَهَلةً أَو أَنَّهم مجانِين!.

وصدقَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) يصفهُم {فَلاَ أَمْوَالَ بَذَلُتموهَا لِلَّذِي رَزَقَهَا، وَلاَ أَنْفُسَ خَاطَرْتُمْ بِهَا لِلَّذِي خَلَقَهَا، تَكْرُمُونَ بِاللهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَلاَ تُكْرِمُونَ اللهَ فِي عِبَادِهِ! فَاعْتَبِرُوا بِنُزُولِكُمْ مَنَازِلَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَانْقِطَاعِكُمْ عَنْ أَصْلِ إِخْوَانِكُمْ!}.

وقولهُ (ع) {مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ، وَلْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ، وَمُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالاِجْلاَلِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ}.

فالذي لا يكونُ مستعدّاً لإِصلاحِ خِصلةٍ سيِّئةٍ من خصالهِ كيفَ يُرِيدُ أَن يُصلحَ غيرهُ؟! وأَنَّ مَن يتردَّد في التمرُّد على نفسهِ الأَمَّارةِ بالسُّوءِ كيفَ يمكنهُ أَن يدعو الآخرينَ للتمرُّدِ عليها؟!.

وأَنَّ التَّعليمَ بالسُّلوكِ أَكثرُ وقعاً وإِستقراراً في النَّفسِ من التَّعليمِ باللِّسانِ!.

‏ nazarhaidar1@hotmail.com

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي