الاعمى ناقدا سينمائيا: مفتي السعودية نموذجا

حيدر الجراح

2015-09-07 03:35

كل صناعة في العالم تتوجه الى جمهور من المستهلكين، يتداولون منتجاتها وسلعها تبعا لحاجاتهم..

وهذه الصناعة ينشأ على اطرافها مؤيدون ومعارضون لمنتوجاتها تحت دواعي شتى، من ثقافية واقتصادية وبيئية وصحية وغير ذلك..

من اطراف المؤيدين والمعارضين تنشأ طبقة اخرى، تمتلك حاسة التقييم للمنتج بصورة مهنية وحرفية، بعيدا عن العاطفة او المشاعر، الا اللهم من مشاعر الاستمتاع او النفور من هذا المنتج او ذاك، لكنها لا تقبل المنتج او ترفضه اعتمادا على تلك المشاعر.

لهؤلاء ادوات ومزايا خاصة يمتلكونها ويعتمدون عليها في قبول او رفض المنتجات لتلك الصناعة او غيرها.

تعرض القنوات التلفزيونية الكثير من البرامج المتعلقة بصناعات الاغذية والطعام، وهناك احد البرامج الشهيرة الذي تعرضه قناة الفوكس باللغة العربية، حول ناقد للطعام يقوم برحلات عديدة الى مختلف الولايات الامريكية لتقييم وجبة طعام تشتهر به، ومثل هذا التقييم يعتمد بالاساس على حاسة التذوق وهي اللسان اضافة الى حاسة الشم، حيث يميز روائح الاطعمة ويمكن ان يعرف ما اضيف اليها من مطيبات ونكهات.

وكذلك الحال في صناعة العطور، هناك الخبير في التمييز بينها عن طريق حاسة الشم، ويجب ان تكون سليمة لديه. وخذ كذلك الاعمال الموسيقية والغنائية التي تعتمد في تقييمها على حاسة السمع، وصناعات الاقمشة التي تعتمد على حاسة اللمس في تقييم جودتها من نعومة او خشونة على الجلد.

وكل الصناعات تعتمد بالدرجة الاساس، في تقديمها لجمهور المستهلكين على حاسة البصر، فالعين هي التي تتوجه الى الزبون وهي التي تشتري، لهذا يحرص اصحاب الصناعات على اختلاف انواعها، على مظهر منتجاتهم وتقديمها بالشكل اللائق. يشذ عن ذلك فقط النتاج الموسيقي الذي يعتمد على السمع فقط -فيما يتعلق بالأصوات – اذا لم يشترك الصوت مع الصورة في الاعمال الموسيقية والغنائية الحديثة، او ما يعرف بالفيديو كليب.

هل يمكن لمن فقد حاسة من تلك الحواس او يكون متذوقا او ناقدا لأي منتج من المنتجات الصناعية المتعددة، بغض النظر عن الحاجة الملحة للاستعمال؟

لا يمكن ذلك، بل هو تصور أقرب الى الخيال والاستحالة.

الخيال والاستحالة قبض عليهما المفتي العام في السعودية ورئيس هيئة کبار العلماء فيها ، الشیخ عبدالعزیز آل الشیخ ، وهو يطرح رأيا بمقام الفتوى على اتباعه، بتكفير الفلم الايراني محمد (صلى الله عليه واله وسلم) وحرمة مشاهدته.

يصف المفتي الفيلم بأنه (فيلم مجوسي وعمل عدو للإسلام.. هؤلاء يصورون شيئاً غير الواقع، فيه استهزاء بالرسول وحط من قدره.. هذا عمل فاجر، ولا دين له، وإنما تشويه الإسلام، وإظهار الإسلام بهذا السوء).

واعتبر آل الشيخ ان النبي محمد (منزه عن ذلك، والرسول له صفاته المعينة وخلقية معروفة، وهؤلاء يصورون شيئا غير الواقع، فيه استهزاء بالرسول وحط من قدره (...) لأن هذا عمل فاجر، ولا دين له، وانما تشويه الاسلام، واظهار الاسلام بهذا السوء).

وأضاف شيخ الوهابية : (ان من أراد تبيان حياة النبي عليه بنشر سنته، وليس بعمل هؤلاء المفسدين.. لأن هؤلاء غير مؤتمنين والكذب عمادهم، وهم غير صادقين في أمورهم).

ويختم فتواه حول الفيلم: ان عرضه (لا يجوز شرعا).

اما صنّاع العمل فقد رأوا فيه أنه يدافع عن سماحة الإسلام في ظل ما يقال بأن الإسلاميين هم أصحاب الفكر المتشدد والعنيف، حيث أكد مخرجه الإيراني مجيد مجيدي لموقع (هوليوود ريبورتر) أن (الهدف من تقديمه هو تصحيح صورة الإسلام التي شوهها المتطرفون، فالتصرفات البربرية مثل قطع الرؤوس وذبح الأبرياء وتدمير الكنوز التراثية التي قامت بها التنظيمات المتطرفة لداعش في العراق وسوريا لا تمت للإسلام، وشوهت صورة المسلمين في العالم ووصمتهم بالإرهاب).

ولفت مجيدي إلى عدم ظهور الرسول بوجهه خلال أحداث الفيلم، وقال إنه سبق أن أعلن ذلك مراراً، ومنذ الإعلان عن بدء تصويره، للحفاظ على وحدة العقيدة بين السنة والشيعة، لكن مشاهد للرسول الكريم وهو وليد وفي مراحله العمرية تم تقديمها في الفيلم دون ظهور وجهه، وهو ما أجج مشاعر المنتقدين الذين يرفضون تماماً ظهور الشخصية في عمل فني مهما كان، كما أعلنت مؤسسة الأزهر رفضها واعتراضها على تجسيد الأنبياء في الأعمال الفنية، بما في ذلك مرحلة طفولتهم، معتبرة ذلك انتقاصا من مكانتهم الروحية.

ووجه مجيدي دعوته لشيوخ الأزهر إلى مشاهدة الفيلم والتحاور بشأن تحفظاتهم ومخاوفهم من مسألة تجسيد شخصيات الأنبياء، مشيراً إلى إصدارهم حكماً مسبقاً قبل تصوير الفيلم برفض الفيلم.

ماهي الاسباب الحقيقية التي تختفي خلف تلك الفتوى؟

انه الحقد الوهابي على النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ، الذي عادة ما يُستبطن تحت حجة الدفاع عن التوحيد الخالص الذي فرخ لنا داعش ، ووصل الى مديات وحشية رهيبة.

هذا الحقد يمكن تلمسه من بعض الشواهد.

مقبل الوادعي يؤلف كتابا اسماه (تحفة المجيب) مطبوع في السعودية، يؤكد فيه وبشكل مستميت ضرورة هدم قبر النبي (ص) ، فهو ليس الا صنما!. الالباني يعلن وبصراحة في كتابه (الجنائز) ، انه لا يصلي ( في الحرم النبوي لوجود القبر فيه) ويطالب بإخراجه.

والوهابية تحرم الاحتفال بمولد النبيّ (ص) ، وتحرم زيارة قبرة النبي (ص) ، وفي ذلك قال بن باز ان كل الاحاديث التي تشير الى زيارة النبي مكذوبة ، كما اعتبرت السلام على النبي (ص) شرك وضلالة ، والصلاة على النبيّ (ص) بعد الأذان بدعة ، وحرمت السفر لزيارة قبر النبيّ (ص) ولو للحاج ، كما حرم احد كبار مشايخهم هو ابن عثيمين القول ان النبي (ص) اشرف الخلق ، ففي كتابه المناهي اللفظية ، يصف هذه العبارة بانها من عبارات الصوفية ، مستندا بذلك الى الاية (ويخلق ما لا تعلمون)، فقد يكون هناك من هو اشرف من النبي (ص) حسب اعتقاده ، اما محدث الوهابية الالباني ففي كتابه (التوسل وانواعه) حرم حتى مدح النبي (ص) من باب سد الذريعة.

ما الذي تريد الوهابية تقديمه من صورة للإسلام ولنبيها المزعوم الذي تدافع عنه؟

انها صورة الإسلام القائم على الذبح، بحجة حديث للنبي يرويه الوهابيون ورد فيه (جئتكم بالذبح)، وهو ما يعمل به الوهابيون، سواء في ممارساتهم الفكرية التي لا تكفر النصارى واليهود فقط، بل تكفر المسلمين أنفسهم.

يمكن اضافة سبب اخر لهذا الهجوم الذي تعرض له الفيلم، وهو كونه يصدر عن جهة شيعية، ومن المعلوم ان الشيعة لدى الوهابية يمثلون الكفر والشرك والارتداد وهدم الدين، ويأخذون تسميات عديدة لديهم مثل (الفرس المجوس والروافض).

هل يصلح الاعمى ان يكون ناقدا سينمائيا؟

هذا مافعله مفتي السعودية رغم كونه اعمى البصر والبصيرة. عجبي.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي