رامز موفي ستار.. صناعة التفاهة بامتياز؟!
مصطفى قطبي
2022-04-09 06:39
في شهر رمضان المبارك لهذا العام، ومن خلال متابعتنا لخارطة الفضائيات والقنوات العربية والمحلية وغير المحلية فقد لاحظنا كمّاً كبيراً من البرامج اتخذت من "الكاميرا الخفية" عنواناً لها، حيث أصبحت اليوم وجبة رئيسية في موسمنا الرمضاني، وتعرض على أكثر من قناة تلفزيونية.
ويبدو أن الكاميرا الخفية، تحولت عن هدفها الأساسي في رسم الابتسامة والفرح على وجوه ضيوفها ومتابعيها من المشاهدين، وتحوّلت بشكل جذريّ إلى حلقات يتفنن بها مقدموها لترهيب وتخويف ضيوفهم، وتصويرهم في مشاهد تفقدهم السيطرة على انفعالاتهم، نتيجة حوادث طارئة مختلقة، قد يكون أقلها الشتائم والضرب والبكاء... وحسب الوصفة الترفيهية، فإنّ “رامز جلال” نجم كوميدي! وبناء على هذه الوصفة استضافته قناةMBC لسنوات وقدمت له ملايين الدولارات، فقط لتقديم برامج لإزعاج الآخرين.
فقد كانت بداية “رامز” مع برامج المقالب المزعجة، التي يطلق عليها “الكاميرا الخفية” عام 2011، مقدماً 11 نسخ، قبل أن يظهر بشخصيته الحقيقية في نسخته 12 هذا العام، بعنوان "رامز موفي ستار"، حيث تدور فكرة البرنامج هذه السنة حول دعوة الضيوف للمشاركة في مشهد سينمائي مع الممثل العالمي فاندام ليقعوا ضحية المقلب، ليظهر بعد ذلك رامز بشكل مفاجئ، ويبدأ في تعذيب وإذلال الضحية، من خلال وسائل مختلفة.
فكرة دعوة فنان إلى موعد عمل أو مقابلة وتجهيز مقلب له، موضة قديمة تم استهلاكها كثيراً في الأعمال المحلية والعالمية منذ سنوات بعيدة، وفي حين خطت الكاميرا الخفية في دول العالم مسافات كبيرة باتجاه المهارة والحرفية وابتكار المقالب الجديدة غير السمجة، فإن كاميرا برنامج “رامز جلال” مازالت تتورط في إعادة اكتشاف العجلة، وتقديم النكتة نفسها كل موسم مع تعديلات بسيطة في الديكور وأسلوب الفجاجة، وذلك على الأغلب يكون مبنياً على وهم.
وأقل ما يقال في هذا البرنامج، أنه يتجاوز كل الحدود في التلاعب بمشاعر ومصائر المشاركين على اختلاف قدراتهم وتقبلهم لمواجهة الصعاب. فهل فقد هذا البرنامج بوصلته وتاه إلى مجالات ابتداع مواقف مؤذية للضيوف والمشاهدين معاً، أم هو إفلاس العقول المعنية في القناة المنتجة، أدى بها إلى استنساخ برامج غربيّة وإنتاجها بشكل يسيء إلى ذوق المشاهد العربي ويستخف بعقله؟
لقد تابعت حلقات من برنامج "رامز موفي ستار"، محاولاً فهم ما يجري فيها، وما تحاول قوله، فما وجدت سوى تصوير لانتهاك كل القيم والمعايير الإنسانية للضيف تحت عناوين التسلية والإضحاك، وبرؤية سطحية وتمويل أعمى... إذ كيف لعقل إنساني أن يجد في إرغام الضيف على عيش دقائق رهيبة من الهلع والرعب والتدمير الذاتي والإحساس بالنهاية الوشيكة... أن يجد فيه إضحاكاً وتسلية للبعض الآخر، لو لم يكن هذا العقل مرضاً سادياً لا ينتشي إلا بألم الآخر وبؤسه... ولو لم يكن يفترض سلفاً أن عقول مشاهديه هي من الطينة ذاتها؟
تكلفة باهظة وضعت على برنامج لا هم له سوى إحضار ضيوف والزج بهم في مواقف مرعبة، وكل تفصيل في البرنامج يوحي لنا بمدى التدهور الفني والبرامجي الذي نعيشه، مبالغ طائلة تصرف لأمثال هذه البرامج... وهو ليس البرنامج الوحيد الذي يعتمد أسلوب المقالب...! وبالرغم من اختلاف أمزجة المتابعين وعشق بعضهم لها، واستمتاع البعض الآخر بتعرض الآخرين للتلاعب بأقدارهم ولو على سبيل المزاح وتعريتهم أمام الملأ، بحيث يفقد غالبيتهم السيطرة على مشاعرهم وردود أفعالهم وألفاظهم، إلا أنه لابد من وجود رادع وقانون يضبط ويلجم البعض عن الذهاب في رغباتهم “الإبداعية” إلى حدود يصل في أقلها إلى الأذية النفسية، على علمنا بوجود اتفاق مسبق يضمن حق المشارك المالي.
ونتساءل: ما المغزى من برنامج يقوم مقدمه على تخويف الناس حتى الموت؟ لماذا يكون "رامز جلال" هو الوحيد الذي يضحك من فعلته، فيما الضيوف يخبرونه أنه ثقيل الدم؟ لم يتقبل أي ضيف من الضيوف هذه المزحة التي تصيبهم بالهلع والرعب، وبدلاً من تقبل المزحة بعد كشفها، كانوا يهينونه ويضربونه، وهو في المقابل يستمر في الضحك.
نجوم الكوميديا الكبار ينتزعون من المشاهد الكئيب الابتسامة، ويملأون أرجاء المنزل بضحكات المتفرجين، أما “رامز جلال” فلا يعنيه كل هذا الهراء، هو يريد أن يضحك، حتى وإن أصيب الآخرون بالجلطات بسببه وماتوا أمام عينيه. هل شاهد هؤلاء "المبدعون المزيفون" حلقات بريطانية وفرنسية من (الكنديد كاميرا) التي كانت تجمع بين التسلية والضحكة اللطيفة، وعدم الإضرار بالضحية باحترام صورته الحميمية وحقوقه الشخصية وصحته البدنية والنفسية؟ وهل قرؤوا ميثاق الشرف الإعلامي والاتصالي الذي وضعته منظمة الأمم المتحدة لتقنين وعقلنة البرامج التليفزيونية ذات الطابع الترفيهي والعلاقة التي يجب أن يحترم الجميع نواميسها بين المنتج التليفزيوني والمواطنين؟ وهل أدرك هؤلاء المتهورون القائمون على مثل هذه البرامج التي تسمى زورا وبهتاناً “كاميرا خفية”، أن كرامة الناس ليست لعبة وأن العنف المجاني المتدفق بالرعب والهول والاستهتار والاستخفاف بالناس ليس محورا للتسلية.
وللأسف الشديد، نرى أن السعي وراء الربح السريع هو الهدف بإعادة إنتاج البرامج الغربية الفكاهية منه أو الترفيهية، بطريقة رديئة أثرت على المشاهد العربي وأساءت إلى ذوقه الفني والاجتماعي، وانحدرت إلى مستوى التهريج وإضاعة الوقت والأموال عليها، والفارق يبدو كبيراً بين الكاميرا الخفية بالنسخة المصرية التي يقدمها “رامز جلال”، وبرامج التسلية والضحك التي تقدم في العالم، فلا علاقة هنا للتقنيات وحرفية الإخراج والتصوير التي يمتاز بها الغرب بشكل عام، بل الفرادة ترتبط بالفكرة الذكية واللطيفة القادرة على انتزاع الضحك من صدور الجماهير المغمومة من دون أن يضطر أحد من المتابعين إلى وضع “حبة تحت اللسان” من أجل احتمال فداحة المقلب كما يجري في كاميراتنا الخفيفة الظل!