الاصلاح بين اليأس والأمل
علي حسين عبيد
2015-02-14 09:01
عندما تتعرض الامم والشعوب الى هزات كبيرة وشاملة، خاصة تلك التي يكون مصدرها الانسان وليس الطبيعة، ونعني بها حالات الغزو والحروب الكبرى، كما كان يحدث إبان الاستعمار العسكري، فإن الفوضى تسود الدولة والمجتمع برمته، وتهتز القيم بصورة شاملة، لتطول كل مفاصل الحياة، عندئذ تنتشر حالة اليأس بين الجميع، وتسود حالات الفساد، وتعم الفوضى كل شيء، فيشعر المفكرون وبناة الاصلاح، بحالة من اليأس نظرا للتدمير الذي يطول البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية كلها، الامر الذي يؤدي انتشار حالات القنوط بين الجميع، لكنها تصبح اكثر تأثيرا على العقول المتميزة، فتتلكأ درجة الاصلاح وتتراجع كثيرا بسبب تراجع المصلحين أنفسهم، وانتعاش اليأس في نفوسهم وعقولهم، وهذا ينعكس بصورة غير مباشرة على الدولة والمجتمع.
ويمكننا أن نتصور كيف يصبح حال البلد - أي بلد- فيما لو تخلى عنه أبناؤه المصلحون من قادة البناء والاصلاح، علما أن إعادة ما دمرته الحروب والغزوات وما شابه، لا يمكن أن يتم بين ليلة وضحاها، بمعنى أن البناء بكل اشكاله وصوره ومستوياته، يحتاج الى الصبر والأناة والارادة الفولاذية، مع الاستعداد التام والتوقّع بأن إعادة البناء يحتاج الى فترات زمنية طويلة، لذلك لا يصح أن يُصاب البُناة باليأس، لأنهم بمثابة النموذج الافضل ومصدر الابداع، ومحرك طاقات المجتمع كافة، فإذا أصيبوا بالتردد والمبالاة وما شابه بخصوص القضايا المصيرية، فإن الآخرين سوف يحذون حذوهم ويتعقبون خطواتهم المتراجعة، فيعيش المجتمع كله والدولة بجميع مفاصلها حالة شاملة من القنوط والكسل والخمول، والسعي نحو استثمار الفرص الآنية السهلة، حتى لو كانت السبل المؤدية لها غير قانون ولا مشروعة، فيعم الفساد وتتضاعف حالات التجاوز على المال العام بشتى طرق الاحتيال والخداع، وتصبح الدولة هزيلة ينخرها الضعف، ويكون الشعب مستهلكا لا ينتج أي شيء، بل تصبح نخب المجتمع وقادته غير مبالين بما سؤول إليه مصير البلاد، ولا يفكرون سوى بمكاسبهم ومنافعهم الفردية او العائلية، او الفئوية والحزبية في افضل الاحوال.
فيسعى الناس صغارا وكبارا الى الربح والبحث عن تحصيل المال، بغض النظر عن الطريقة التي يحصلون بها على تلك الاموال، حيث الطمع يعمي عيونهم وبصائرهم، إذ يقول الامام علي عليه السلام في هذا الجانب: "فساد الدين الطمع"، فهؤلاء وامثالهم، مستعدون ان يخسروا حتى دينهم بسبب اطماعهم، كذلك يقول الامام الصادق عليه السلام: "لا ذلَّ كذل الطمع"، لذا فإن اللاهثين وراء المال هم أنفسهم يلهثون وراء المناصب بشتى السبل يتلبسهم الذل والهوان، فتصير السلطة ديدنهم وأهم اهدافهم، وتصبح الاموال هدفهم الاول والاخير، فيما يتنكرون للفقراء، ويبتعدون عن كل ما يصب في صالح المجتمع، ولا يسعون للبناء والتطوير، وهم يخالفون بذلك تعاليم الدين وكل ما يرد في توجيهات واحاديث أهل البيت عليهم السلام.
فقد قال الامام الكاظم عليه السلام في السلطة والسلطان: (كفّارة عمل السلطان الاحسان الى الاخوان)، لكن بعض اصحاب السلطة والباحثين عنها والجاعلين منها هما اساسيا لهم، يبتغون السلطة من اجل المال والجاه والاستحواذ، ولا تهمهم خدمة الناس او البلاد، وهذا الحال يصيب رجال الاصلاح بحالة مزمنة من اليأس والانعزال والتخلي عن الدور الأساس في اعادة البناء المجتمعي، في حين ان المطلوب منهم عكس ذلك تماما، كونهم عماد الدولة وبُناتها.
من هنا لابد أن يبقى المصلحون في حالة استعداد دائم لمؤازرة الامة والدولة والمجتمع في محنته، ولا يجوز في أي حال أن ينزلقوا نحو منزلق المنافع والمناصب والكسب المادي غير المشروع، بسبب حالات القنوط التي تنتشر بين مكونات المجتمع، وهذا وضع نفسي تدميري يحاول المستعمرون والطامعون بخيرات الشعوب، أن يزرعوه ويبثوه بين مكونات المجتمع المستباح، لكي تسهل لهم عمليات النهب والهيمنة وما شابه.
ولذلك مع انتشار اليأس وفقدان الامل بالقضاء على الفساد وحالات التردي الاخلاقي والانحراف الذي يزداد يوما بعد آخر بين افرد المجتمع ومكوناته، ومع ازدياد ظاهرة الفساد المالي والاداري في معظم المرافق والدوائر الحكومية، (وهذه امور تحاول ان تزرعها الجهات المستفيدة منها في المجتمع)، مع هذه الحالات كلها يزداد المصلحون يأسا وقنوطا وتراجعا، تاركين مهمة الاصلاح لمن هم ليسوا اهلا لهذه المهمة ولاهم أهل لحملها، والسبب ضبابية الاوضاع وتردي الواقع وتراجع القيم الانسانية وظهور قيم بديلة لها، لا تمت للانسانية بصلة، لكن يبقى الامل موجودا بقوة.
لذلك ينبغي على النخب الاصلاحية من علماء ومثقفين ومفكرين وغيرهم، أن يغذوا حالات الامل بدحر القيم الضالة والمظلمة، ولابد من الشروع والاستمرار بحالات البناء على المستوين المادي والروحي، وطالما كان الامل حاضرا في النفوس فإم العقول سوف تعطي أفضل ما لديها، بخصوص خطوات اعادة البناء وتحصين المجتمع من المردودات السلبية التي يحاول الاعداء نشرها وترويجها بين الاوساط المجتمعية المختلفة لاسيما الشباب، وعندما يكون الاصلاحيون بناة حقيقيين، عند ذاك سوف يزدهر الأمل وسوف تتراجع القيم الدخيلة، ويشرع الجميع في بناء افضل واجمل للدولة والمجتمع معا.