لماذا فكّرتُ بالانتحار؟!
علي حسين عبيد
2017-01-08 08:20
لم يكن يخطر في بالي أن ما قرأته عن التفاؤل، يمكن أن ينطبق على حياتي الشخصية، ويمكن أن يؤثر على تفكيري وسلوكي وحاضري ومستقبلي، فكثيرا ما قرأت جملة (تفاءلوا بالخير تجدوه)، وكثيرا ما استمعت لشيء من هذا القبيل في محاضرات وحكايات وأقوال لمفكرين ومثقفين في جلسات عامة وخاصة، لكنني بيني وبين نفسي لم أكن أثق في مضمون هذا القول المأثور، وكنت دائما ما أردّدُ مع نفسي (إنّ من كُتِبت عليه التعاسة، لن يجد فرصة للخلاص من الكآبة المزمنة والفشل المستمر).
استمر الفشل رفيقا لحياتي، وساعده اليأس المستمر الذي كان يحاصرني ليل نهار، لم أرَ النور في لحظة ما، على الرغم من أن ضوء الشمس كان يملأ السماء والأرض، لم أرَ بريق النجوم ليلا على الرغم من الشعاع المذهل الذي كانت تنثره السماء في ظلام الأرض، حتى المصابيح الملوّنة التي انتشرت في الشوارع والساحات وعند أعتاب البيوت لم تكن تلفت نظري قط، بل لا أبالغ إذا قلت أنني لم أكن أبصرها ولم تثر في نفسي أي شعور.
ليس الضوء وحده كان لا يثيرني، بل كل الأصوات التي أسمعها لا تحرك بركة المشاعر الساكنة في أعماقي، فلا يثيرني الصوت الجميل، ولا الكلمة المعبّرة العميقة، ولا خرير المياه العذبة ولا زقزقة العصافير أو تغريد البلابل وطيور الحب او هديل الحمام، الكلمة الطيبة لم تبهرني بجمالها، والكلمة السيئة لم تخدش شعوري، باختصار كنت كتلة صماء ليس لها مشاعر تجاه الجمال والقبح، ولا نحو الباطل أو الشر، ولا تجاه الخير والشر.
كيف يصنعُ التفاؤل إنساناً متفوقاً
لا يتوقف الأمر عند حدود عدم تأثير الكلمة أو الصوت في سلوكي، بل حتى النظر الى الأشياء لا يستفزني، فإن كان المشهد حزينا لا يحزنني، وإن كان مفرحاً لا يسعدني، حتى أنني كنت أتساءل ما فائدة العينين اللتين أحملهما ضمن مكونات وجهي؟، في الحقيقة ليس العينين، ولا الأذنين ولا اللسان أو حاسة اللمس والشم، كل حواسي كانت معطّلة عن العمل!، وكانت الكآبة واليأس الذي يحيط كياني بأسواره الشاهقة، يدمّر وجودي في هذه الحياة، ويجعل قيمتي صفراً على الشمال، لا حول لي ولا قوة، ولا دور في هذا الوجود.
ولا أكتمكم القول، أنني كثيرا ما فكرتُ بإنهاء حياتي، نعم فكرتُ كثيرا بالانتحار لأنني لم أجد أي دور لي في هذه الحياة، كان وجودي عبارة عن إشغال حيز من المكان فوق هذه الأرض ولكن بلا فائدة تُذكَر، مع شعور مستمر بأنني كائن فائض عن الحاجة في هذه الأرض، فلا أحد يحتاجي بشيء، لا صديق ولا عدو، وكيف يكون لي عدو وأنا صفر على الشمال، وكيف يكون لي صديق وأنا بلا دور في الحياة، لا دور جيد ولا سيّئ، وهكذا لازمني شعور دائم بأنني فائض عن حاجة الجميع، حتى أقرب الناس إليّ وأعني بهم أفراد عائلتي، لدرجة أنني أشعر حتى أمي التي ولدتني لا تحتاجني بأي شيء، لسبب أنني غير مستعد للإبداء حركة أو كلمة أو أي جهد من أجلها أو من أجل غيرها، إنه كما يتضح لكم ولي يأس مطلق وشعور مستفحل باليأس.
حتى حانت تلك اللحظة (المعجزة)، هكذا يحلو لي أن أنعتها أو أسمّيها، كأن الأقدار رأفت بحالي وساعدتني على التغيير والإفلات من قبضة اليأس والظلام والكآبة، والخروج الى عالم التفاؤل والنور والأمل من تلك العتمة الموحشة، حدث ذلك عندما ساعدني إنسان مخلص للإنسانية ومحب للخير، ومنتِج متميز في هذه الحياة، ببساطة سعى هذا الإنسان كي يزرع بذرة التفاؤل في أعماقي ونجح في هذا المسعى، لكن يجب أن أقول بأن ذلك لم يتم في ليلة وضحاها، بل سعى ذلك الصديق الإنسان المحب للحرية والحق والجمال، بصبر ودأب وإخلاص ومثابرة، حتى أنبتَ بذرة التفاؤل في تربة روحي وعقلي، وبدأتُ نمطا جديدا من أنماط الحياة، وشوطا جديدا في عالم النجاح، عندما أخذت بذرة التفاؤل تساعدني في شق طريق الإبداع والتميز والمثابرة في الاكتشاف والانجاز المتفرد.
أول بوادر النجاح ظهرت في التغيير الذي حدث في نظرتي للحياة، لقد انقشعت عتمة الظلام من حياة، ورحتُ أرى النجوم بوضوح، وأرى خضرة الأشجار ولون الزهور التي بدأت أشم عطرها بطريقة أخرى، طريقة تنشر الانتعاش في خلايا جسدي وتحرك إحساسي نحو الجمال، ولم يفاجئني أنني رحت أسمع الكلام الجميل وأفسره لصالحي وأستفيد منه في كتاباتي التي كانت في السابق مصبوغة بالسوداوية والنظر الى ما هو معتم في الحياة، أما الآن فإن الزوايا المظلمة صارت تتحلى بالضوء، إذ لا يوجد ظلام يهيمن على الإرادة المتفائلة.
من أنماط الإبداع والابتكار
صرتُ أبحر في الكتب التي تحمل أفكار الخير والنجاح والتميز، ورحت أتوغّل في المشاعر العميقة، وأفكك غموض الأفكار، وأبحث عن الجديد في أنماط العمل والابداع والابتكار، لاسيما في المجال الذي أجيده، وأعني به مجال الكتابة وفنونها المتنوعة، ففي السابق كان الحزن والكآبة تهيمن على كل كتابات وأفكاري، في حين ساعدني التفاؤل على طرح أفكار متفردة بالوضوح والقوة والبسالة والسموّ بروح الإنسان وقدراته وقيمته بين المخلوقات كافة.
هكذا بدأت أتعايش مع عالمي الجديد، عالم التفاؤل والرغبة في الانتماء الجاد لحياة منتِجة متميزة، وبدأت أشعر بأنني أحقق ذاتي بتأن وجدية، وأن الناس من حولي ينتظرون لي بإعجاب، ويتعاملون معي باحترام تام، ومنهم من يعلن ذلك بالقول والمفردات الجميلة ولا يكتفي بنظرات الإعجاب، بعضهم كان يؤكد لي بأن كتاباتي متميزة وأفكاري تساعد الناس على تغيير حياتهم نحو الأفضل، خاصة الشباب الذي يعاني من سوء الظروف والبطالة وانعدام فرص الإبداع، فقد وجدوا في كتاباتي وأفكاري المتفائلة والواقعية فرصا عديدة لتغيير حياتهم.
وهكذا أنقذني التفاؤل وانتقل بي من عالم مظلم كئيب موحش خالي من الانتاج، الى عالم آخر استطعت من خلاله أن أنقذ نفسي وأستحث قدراتي ومواهبي وأحولها الى أفكار واقعية وليست خيالية بل هي من صلب واقع الناس، فساعدت كثيرين على رؤية جديدة عملية واقعية مكللة بالنجاح بسبب نبرة التفاؤل التي استطعت أن أعكسها في أفكاري وكتاباتي كافة.
والحقيقة كان الفضل يعود لذلك الانسان المخلص لنفسه وللإنسان وللحياة وللقيم الإنسانية الصحيحة، فقد ساعدني أولا على تصحيح مساري الخاطئ، ومكنني من قتل روح التشاؤم في داخلي وزرع بذرة القوة والمثابرة في تربة عقلي، وقد شعرت بالفعل أنني لم أعد إنسانا فائضا عن حاجة الناس، وأنني كائن مهم له دوره المكمّل لأدوار الآخرين في الإنتاج المتميز، فكريا وإبداعيا وعمليا في الوقت ذاته.
في الختام، هي ليست دعوة مجانية لاعتماد التفاؤل في حياة الإنسان، وإنما أقول لمن يسمعني أو يقرأني الآن، في رحلتك الحياتية هذه يمكنك أن تبقى متشائما سوداويا بلا أي قدرة على الإنتاج، ولكن في هذا الوقت نفسه، يمكنك أن تكون العكس تماما، فما الضير من الانتقال الى الضوء بدلا من الظلام، ولكن سيتم ذلك بجهد وصبر وإرادة قوية، وهذه كلها متوافرة في تكوين الإنسان منذ أن يطأ الأرض، وهو قادر على التغيير بمجرد أن ينوي ويقرر ويخطط لذلك ويصرّ عليه.