الدورات التدريبية وتحفيز القدرة على الابتكار

علي حسين عبيد

2024-10-16 05:55

في جولة أجريتها بين الشباب، استطعت أن أكتشف بسهولة رغبتهم بالحركة والعثور على عمل، وأكثر شيء كانوا يمقتونه هو البقاء عاطلين بلا عمل، يقتلون أعمارهم في المقاهي، نسبة قليلة منهم أعلنوا بصراحة أنهم يحبون البقاء في المقهى، وكان السبب يُلصَق بالمجتمع أيضا، حيث قال معظم الشابين العازفين عن الحركة، بأن المجتمع عزلهم ولهذا كرد فعل منهم يذهبون إلى المقاهي يحادثون بعضهم في أعمال عدائية للمجتمع.

بالطبع لا يعلن الشاب بشكل مباشر عن رغبته بمعاقبة المجتمع، ولكن في تصريح متلفز قدمه أحد البرامج الجماهيرية، صرّح أحد الشباب علنا بأنه كان يعمل (نشّالا) أي سارقا، والسبب كما قال، لأن المجتمع والمسؤولين لم يمنحوه حقه في العمل، ولم يتيحوا له الفرصة لكي يكسب رزقه بكرامة وعدالة واحترام، ولهذا لجأ إلى الطريق الذي يؤذي المجتمع.

هذا التصريح المباشر قد يخجل من إعلانه نسبة كبيرة من الشباب، ولكن لو أنك منحتهم الأمان بالسرية التامة، فإنهم سوف يعلنون بصراحة غضبهم من الإهمال المدني والحكومي على حد سواء، لهذا لابد من الانتباه إلى هذه المشكلة التي تعصف بالمجتمع العراقي، لاسيما شريحة الشباب والمراهقين، الذين يقتلون أوقاتهم في تصرفات لا جدوى منها.

الغضب من الإهمال الحكومي

الدورات التدريبية للشباب وحتى المراهقين هي أسلوب نموذجي لتقليص البطالة، وتحفيز الشباب على الانخراط في المشاريع الصغيرة الناجحة، ليس من المعقول أن يعمل الجميع في باعة للخضروات فوق أرصفة الشوارع، وليس من المعقول لشاب يتجاوز عمره العشرين سنة، يقف عند الإشارات الضوئية ويبيع الماء على أصحاب السيارات، أو يبيع المحارم (الكلينكس)، من المعيب حقا على المجتمع أن يترك شابا بهذا العمر يقتال طاقاته في بيع قناني الماء.

الحلول واضحة، وليست صعبة أو مستحيلة، فتح دورات تدريبية لهؤلاء الشباب، في أماكن محددة، بأوقات محددة، ومواعيد محددة، وتحفيزات واضحة، تشجع الشباب على الإقبال والمشاركة في هذه الدورات التي تفتح عقولهم على مشاريع عمل مختلفة، مع أهمية توفير أماكن البيع، ولابد من وجود قروض بلا فوائد أو ميسّرة تساعد الشاب على فتح مشروع صغير بعد أن يتم تدريبه عليه وكيفية إدارته وتطويره وتنميته.

يمكن لأي مهتم بهذا الشأن أن يقوم بجولة بين الشباب، وهناك أماكن يمكنه العثور فيها على أعداد كبيرة، مثل (مساطر العمال)، وهي أماكن يتجمع فيها العمال بانتظار أن يتقدم إليهم شخص معين ويطلب منهم إنجاز عمل معين مقابل ثمن محدد، في هذه الأماكن يمكنك أن تحاور الشباب بشكل مباشر، أو توجه لهم دعوة مدعومة بالتحفيز في مكان وموعد محدد.

ابتكار مشاريع صغيرة

اللقاء بالشباب بشكل مباشر أمر حيوي جدا، ومفيد إلى أبعد الحديد، لأننا بهذه الطريقة نجعل الشاب يشعر بالأمل، وبأن هناك من يخطط له، ويسعى لمساعدته، وهذا نوع من التحفيز المهم الذي يفتح عقلية الجميع على الابتكار، ونعني بذلك ابتكار مشاريع صغيرة منتجة، يمكن أن تدر بعض الأرباح وتقضي على الفاقة، وتقلل نسبة البطالة.

يقول الشاب (س) عمره اليوم تجاوز منتصف الثلاثينات، إنه عانى من الفراغ بشكل مرعب، وضاقت به السبل وهو في العشرين، وانخرط في أعمال معيبة، لا تتناسب وطاقاته ولا مع ذكائه وقدراته، ولم يجد فرصته إلا بعد أن عمل في محل للمواد الغذائية، وسرعان ما جعل صاحب المتجر (بيع بالجملة) أن يعتمد عليه، كونه حاد الذكاء، وكثير الحركة، ويحب العمل كثيرا، أمضى ثلاث سنوات في هذا المحل وتعلم الكثير واكتسب خبرات عظيمة أهمها الصبر ومداراة الزبائن وكسب ودّهم، ليقفز بعد ذلك إلى تكوين مشروعه الخاص، وفي غضون سنوات قليلة أصبحت له عدة محال تدرّ عليه ربحا حلالا.

هذا الشاب صنع فرصته بنفسه، ولكن الظروف أو الحظ ساعده أيضا بالعثور على رجل طيب ساعده على النجاح في عمله، لهذا نحن نحتاج إلى الدعم الحكومي المنظّم، وإلى الدعم المدني المستمر، مع أهمية فتح الدورات التدريبية بشكل مستمر، لأن جميع الشباب لن تجد بينهم حتى شخا واحدا يفضل الجلوس في البيت بلا عمل.

الخلاصة، على الحكومة أن تفكر وتخطط وتنفذ فتح الدورات التدريبية للشباب، وأن تخطط لمساعدتهم في تحويل قدراهم إلى مشاريع منتجة، كذلك على الجهات المدنية المساهمة في هذا الجانب، ولا ننسى المسؤولية التي يجب أن ينهض بها القطاع الخاص لتطوير إمكانات الشباب في دورات تدريبية مستمرة تمتص الفراغ والبطالة وتنهض بالطاقات الشبابية المتميزة. 

ذات صلة

الرحمة الإلهية ووجود الشرورالموازنة بين الحقوق والواجباتبعد مرور عام على الاضطرابات في الشرق الأوسطعن الرشد السياسيما الذي يتطلَّبه العمل الجماعي؟